متلازمة الديكتاتور: الانتخاب بوصفه بيعة
مسلم عباس
2018-03-03 06:28
ترتبط صورة الديكتاتور في البلدان العربية بشخص يمتلك زمام السلطة وتحيط به حاشية من الرجال الاشداء والمتملقين، ليكونوا بذلك ستارا من الخوف يمنع كل مواطن من التفكير بتوجيه سهام كلامه ضد هذا الحاكم الظالم، المرفوض في اعماق القلوب فقط المحبوب في ظواهر الممارسات التي تعبر عن النفاق او الخوف في اغلب الاحيان.
وفي بيئة لم يصلها من تعددية الافكار والممارسات الا ما ينشر في الصحف او يبث عبر شاشات التلفاز لا يزال الخوف يخيم على المواطن البسيط، والمثقف الذي يمسك بسياط النقد ليجلد كل ابناء جيل وطنه، فهم لا يفهمون السياسة، يخشون الثورة، متملقون، منافقون، لا يستحقون الحياة، يجب اعطائهم جرعات كبيرة من مضادات الغباء حتى يستوعبوا العيش ضمن تطورات القرن الحادي والعشرين. هكذا يكون منطق الاستعلاء لدى النخب العربية.
النخب السياسية تحديدا لا ترى في مناصبها الا غنيمة حصلت عليها جراء جهاد طويل او نضال في سبيل الحزب والثورة وباسم الشعب والوطن، والوزير الذي استلم منصبه بعد سنوات من العناء والتشرد، ودون وجود رؤية لديه سوى شعارات خدمة الوطن، يفشل في اول اختبارات الاداء السياسي والاداري، وبعيدا عن لجان التحقيق يصب جام غضبه على غباء المواطن وعدم فهمه ببواطن الامور التي جَرّتْ البلاد الى ما هي عليه، وفي حالات الغضب لا يمكن الاعتراض على قرارات الوزير غير العقلانية، لان فعل الاعتراض قد يؤدي الى فعل الطرد المضاد، وبسبب غياب فرص العمل يصبح الخضوع لنوبات غضبه واجبا للحفاظ على لقمة العيش.
في العراق حيث التجربة السياسية في طور التكوين، فان الاخطاء واردة لا سيما اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار تحول البلاد الى مختبر لاستراتيجيات الدول واستعراض القوة، والنظام الديمقراطي الناجح يقوم على النقاش المفتوح بين المواطنين انفسهم، والتواصل بينهم وبين المسؤول، وهذا الاخير بحاجة لزيارة الشارع باستمرار لمعرفة احتياجاته وفهم معاناته كما كان يفعل المسلمون الاوائل ومنهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب الذي يروى انه كان يطوف المدن ويستطلع اراء الناس، ليفهم احوالهم، وفي كثير من الاحيان يسمع كما من الشتائم والنقد، لكنه لم يقصي احدا وجه له اصابع الاتهام حتى بالسرقة ومنهم ذلك اليهودي الذي قال له ان علي قد سرق درعه حسب ما تنقل الروايات، ورغم امتلاك امير المؤمنين سلطة الامر والنهي لجأ في حينها للقضاء ليحكم بينهم.
المسؤول العربي اليوم يرفع اجمل الشعارات ويمارس ابشع صور القهر ضد مواطنيه، فهو يسكن في منطقة خاصة محصنة عن دخول المواطنين اليها، ويصعد سيارة مدرعة ومظللة بالزجاج الاسود، ويسير في شارع لا يطؤه الا اصحاب الهويات الخاصة، ولديه جواز سفر اجنبي يذهب به الى حيث يشاء.
يقف المواطن معترضا ليقول اننا لم نجني منك ايها المسؤول سوى فعل الديكتاتوريات السابقة، فالخراب يزداد، والفجوة تتسع لصالحكم ايها المسؤول، يا رافع راية علي بن ابي طالب، افعالكم لا ترضي امير المؤمنين يا سيدي المسؤول، فياتيه الجواب اعتراضيا بطريقة التجاهل.
اعتراض السيد المسؤول على المواطن الطامح بخدمات افضل، يعني تدميرا لمستقبل هذا الموان، فالحقيقة لا يملك مفاتيحها الا هذا المسؤول والجاه الاجتماعي ياتي من المال حصرا الذي يتحول فيما بعد الى كرم يغدق به على الناس، والمال يملك مفاتيحه هذا المسؤول ايضا.
معادلة مثل هذه تجعل فعل الاعتذار افضل من فعل الاعتراض، على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، والغاية في الكثير من الاحيان العيش بكرامة مثلما يعيش المسؤول العربي او مثل حاشيته.
لا ترتبط دكتاتورية المسؤول العربية بالمناصب العليا في الحكومات، فكل من له سلطة، هو حارس بوابة الارزاق، وحامل سوط يقطع به طموحات اكثر الثوار حركية، المدير العام وما دونه يقلدون دور الرئيس الديكتاتور، لا يعترفون بالقوانين ولا يعرفون من دوائرهم الا الحاشية واصحاب البدلات الانيقة.
المؤسسات التعليمية هي الاخرى باتت صورة من صور الديكتاتورية، فعميد الكلية هو شخص منزه يخشى الاساتذة الاعتراض على قراراته التي يشم منها رائحة حزبية، فيكون الخضوع هو السلوك العام، والغاية تبرر هذا الخضوع لان تعني الحفاظ على لقمة العيش! الا ان ما يثير الاستغراب هو حصر حالة الخضوع في فئات محددة حتى ان مواقع التواصل الاجتماعي غرقت في شتم بعض الفئات المؤثرة لانها صاحبة الاسهامات الاكبر في انتشار حالة الخوف من المسؤول.
اذا ما اردنا كمجتمع صاحب تجربة ديمقراطية فتية تطوير نفسه، فعليه تحديد مكامن الخلل ووضع الخطط اللازمة لاصلاحها، ومن بين اكثر معوقات بناء المجتمع الديمقراطي هي الشخصية الديكتاتورية وما يقابلها من تكوين تلقائي للشخصية الخاضعة الخائفة، هنا يصبح الانتخاب فاقدا لمبررات وجوده ويصلح ان نسميها تجديدا للبيعة اكثر من كونها اختيارا حرا.