عندما تصبح النقمة نعمة
حكاية من ارض الواقع
فهيمة رضا
2018-02-11 04:20
جميلة هي الحياة وفي بعض الأوقات تصبح كلغزٍ عجيب، لا نعرف ما حدث وما سيحدث في المستقبل، وأحياناً تتراءى لنا العجائب والغرائب فيها، لنصفّق لخالق الكون بأعلى قوة ونقول سبحان من صوَّر ودبَّر، وسبحان من أضفى على الحياة كل هذه المحاسن والعجائب.
في إحدى الليالي الشتوية المظلمة، اغتنم أحد اللصوص حلكة الظلام ليدخل الى البيت المجاور لنا، وكأنَّ كل شيء كان مدروسا ومخطَّطا له بأجمل وأرقى صورة ممكنة، ليصل الى ما يبتغي، ولطالما سمعت هذه المقولة في الصغر بأن (الأفعال سواء أكانت جيدة أو سيئة فإنها تحتاج الى التخطيط الدقيق)، ولكن هناك من يجنّد كل قواه في الأمور الجيدة، وهناك من يجند كل قواه من أجل أن يقوم بأمور شريرة، فاللص أيضا لا يحصل على ما يريده بالسهولة التي قد يتصورها بعضنا، بل يجب عليه أن يخطط بصورة وافية ويكون دقيقا وسريعا في التنفيذ وفي العمل الذي يريد أن يقوم به كي يحصل على ما يريد وإلا لن ينجح فيما يهدف إليه.
دخل اللص من الطرف الغربي لبيتنا الذي يقع إلى الجنوب من بيت الجيران، لأنه كانت هناك قطعة أرض سكنية فارغة معروضة للبيع، ولأننا نعيش في الطابق العلوي من بيتنا، فإننا لم نصغي جيدا لصوت الباب الذي صدر في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، فقلت مع نفسي: ربما دخل أحد الساكنين في الطابق السفلى إلى البيت، لذلك نمتُ بسرعة بالغة كي لا أبقى أردّد قصة الجنون والمأساة التي اذكرها كل ليلة، ولكن سرعان ما سمعت صوت سيارة الشرطة وصفيرها المتقطع العالي، وحاصرنا الضجيج من كل صوب، ولكن بعد ذلك دخلتُ في غيبوبتي كالعادة.
في الصباح التالي علمنا من الناس بأن هناك من حاول أن يدخل إلى بيت الجيران، ومن حسن حظهم أنهم لا زالوا مستيقظين، لكن اللص وجد الباب مقفلا، لذلك حاول أن يرفع السلاح الذي كان يجمله معه في وجههم، ولكن من حسن حظهم مرة ثانية، أن أحد أقاربهم كان يعمل في مركز الشرطة، واستطاع أن يحضر إلى موقع السرقة خلال لحظات.
وكان اللص يعرف بأن أهل الدار الذين أراد أن يتجاوز عليهم، قد حصلوا على مبلغ كبير من المال عن طريق بيع بعض أملاكهم وأراضيهم، لذلك كان مصمما بأن يحصل على ما يريد، لكنه لم يستطع أن ينال أي شيء مما أراد، وحاول أن يهرب من خلال بيتنا، وفعلا هرب في غضون لحظات وانتهى كل شيء.
ولكن بدأت قصة جديدة في الجانب الآخر من القضية، حيث حدثت أمور أخرى، فقد تم تركيب كاميرات مراقبة تعمل بصورة جيدة ودقيقة من جميع الجهات، ووضعوا مصباحا كبيرا في الجانب الجنوبي فوق تلك القطعة الخالية، لكي لا يستفيد أحد ما من الظلام، وكي لا يحاول أحد اللصوص أن يعاود الكرّة مرة أخرى إلى هناك.
ومنذ تلك الليلة أصبح الشارع أجمل بكثير بسبب الإضاءة المضاعفة التي قام بها صاحب البيت الذي تعرّض للسرقة الفاشلة، ونحن أيضا استفدنا من ذلك النور في الأوقات التي كانت تُقطَع فيها الكهرباء لساعات طويلة عن بيتنا، لأننا لم نمتلك "المولدة" مثلهم.. في تلك اللحظات التي كنت أفكر فيها بقضية اللص والمصباح، اتصلت إحدى قريباتهم وطلبت منهم أن يتصدقوا بأربعة عشر خروفا لأن ابنهم أصيب بسكتة قلبية فجأة!.
وهو شاب لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، فيُصاب بسكتة قلبية ويقوم أهله بتوزيع اللحم على الفقراء ليشكر أحد الآباء العاجزين عن العمل ربه الذي استجاب لدعائه حيث حصل على كمية من اللحم المنذور، واستطاع أن يرفع رأسه أمام أطفاله من جديد لأنه كان قد أصبح عاجزا عن العمل، وشكرت عشرات العائلات الأخرى هذه النعمة التي ربما كانت نقمة على أناس آخرين، فأحيانا تأتي نعم الله بحلة جديدة، حلة ابتلاء ونقمة لنعرف أن هناك حقوقاً للآخرين في أموالنا، وكل شخص يجب عليه أن يهتم ببني جلدته.
يا تُرى هل النعمة نقمة؟ أم النقمة نعمة؟.
فلنفكر أكثر ونهتم بمن حولنا قبل أن تجبرنا الحياة أن ندفع ما علينا دفعه بثمن أغلى.