العراق واستحقاقات ما بعد هزيمة داعش
الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي
2017-12-11 05:50
يتداول العراقيون بسخرية مقولة مفادها: انهم على موعد مع حرب جديدة كل عشرة سنوات، ودلالة ذلك الاجتماعية والنفسية ان هذا الشعب لا يفرح طويلا بانتصاراته ليعيش بسلام، وربما تكون هذه الهواجس حاضرة وبقوة هذا اليوم التاسع من كانون الأول-ديسمبر 2017، حيث اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي تحرير العراق بالكامل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي بقوله مخاطبا شعبه: "ان ارضكم قد تحررت بالكامل، وان مدنكم وقراكم المغتصبة عادت الى حضن الوطن، وحلم التحرير اصبح حقيقة وملك اليد"، وكان السيد العبادي مدركا لقيمة هذا النصر الثمين عندما قرن هزيمة داعش، بالحفاظ على وحدة العراق "الذي كان على حافة التقسيم".
لقد تشارك العبادي المخاوف مع شعبه من احتمال وأد النصر وضياع التكلفة الباهظة التي بذلت لتحقيقه، فطالب السياسيين العراقيين بتحمل مسؤوليتهم في الحيلولة دون ذلك بقوله: "ادعو السياسيين لتحمل مسؤولياتهم في حفظ الامن والاستقرار ومنع عودة الإرهاب مجددا، واناشدهم جميعا الامتناع عن العودة للخطاب التحريضي والطائفي الذي كان سببا رئيسيا في المآسي الإنسانية وبتمكين عصابة داعش من احتلال مدننا وتخريبها وتهجير ملايين العراقيين"، وفي الوقت نفسه طالب الجميع بالحذر والاستعداد لمواجهة اية محاولة إرهابية جديدة.
حقا ان العراقيين حكومة وشعبا خاضوا تجربة قاسية جدا خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن حقهم ان يفخروا بما انجزوه، كما من حقهم الخشية على مستقبلهم من المفاجئات القادمة، ولكن هزيمة العدو لا تكفي لضمان النصر، بل تتطلب ادامة النصر الحفاظ على السلام الذي يعقبه، والاستحقاقات التي يتطلبها تحرير الأرض العراقية من داعش، هي تجنب الأسباب الحقيقية التي انجبت هذا التنظيم المتطرف، وهذا سيحتاج الى وعي حكومي وشعبي جديد ينجح في معالجتها، فكما يقول اينشتاين: لا يمكن علاج المشكلات بنفس المستوى من الوعي الذي كان سببا في خلقها.
ان اول استحقاقات الحفاظ على النصر وادامة السلام، هي إعادة الحيوية لمؤسسات الدولة العراقية بتحريرها من الفساد، والترهل الوظيفي، والقيادات الضعيفة غير الكفوءة، والثقافة النفعية الاستعلائية على حساب المواطن، وتزويدها بكل مقتضيات التقدم لتكون أسرع في تقديم اجود الخدمات بأقل التكاليف. والتحرر من عسكرة المجتمع بالحرص على تشكيل أجهزة أمنية اقل عددا وأكثر احترافا وتقنية تسليحية، والبدء بخطوات جادة على طريق سيطرة الدولة بالكامل على الوجود المسلح في البلد. ومن الضروري ان تكون لدى الحكومة رؤية شاملة للتنمية المستدامة قوامها إدارة أمثل للموارد الطبيعية يشترك فيها القطاع الخاص المحلي والاجنبي، وإدارة أفضل للثروة البشرية الهائلة من خلال سياسات تربوية وتعليمية متكاملة.
والمشكلة الصعبة التي ستواجه العبادي داخليا هي تقاطع المصالح مع خصومه السياسيين، وستكون مهمته صعبة معهم، وهو يدرك ذلك جيدا، الا انه بالإمكان تجاوز خطرهم من خلال إيجاد جهاز قضائي مستقل ونزيه وقوي، فالقضاء سيكون سلاح العبادي الامضى في هزيمة خصومه، فكل سلوك أو فعل يقوم به هؤلاء الخصوم على حساب وحدة العراقيين، ويشكل تهديدا جديا للأمن الوطني العراقي بالإمكان تجريمه ومحاسبة من يقوم به قانونا، ولا يدور الكلام هنا عن الصراعات الانتخابية الطبيعية التي يحميها القانون، فهذه الصراعات تشكل عامل قوة وتقدم للديمقراطية في بلدنا، بل الكلام يدور حول المواقف المقرونة بإثارة نعرات ومشاعر الكراهية والعنصرية، والدافعة باتجاه التدخل الخارجي بالشأن العراقي الداخلي.
وان التقنيات الحديثة جعلت سيادة الحكومات على أراضيها مهمة أكثر سهولة من خلال ما توصلت اليه من تقدم كبير في شبكات المواصلات والاتصالات، وإدارة الامن الذكي حتى في المناطق البعيدة وغير المأهولة، ومن المفيد جدا ان تستثمر الحكومة العراقية جزءا مهما من مواردها في هذه المجالات، وتتخذ قرارا لا رجعة فيه بإيقاف هدر الموارد العراقية على مشاريع فاشلة وغير مجدية، هذا على الصعيد الداخلي.
اما على الصعيد الخارجي، فالمطلوب من السياسة الخارجية العراقية ان تكون حذرة جدا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط والعالم، لا سيما في هذا الوقت، الذي تبنى فيه الصداقات والعداوات على أبسط المواقف والتصريحات، فسياسة خارجية جيدة لا تقل أهمية عن امتلاك قوة عسكرية جيدة.
لقد بدأ العراق مرحلة جديدة من تاريخه، ويجب على حكومتنا ان لا تخذل شعبها، نعم المهمة صعبة امامها، ولكنها تستحق القيام بها، فالعراق مقبل على تطور كبير في محيطه الإقليمي والعالمي، وبلوغ ذلك يتطلب عدم تورط سياسييه باي حرب كبيرة تهدد أمنه واستقراره من جديد.