السعودية بين نار داعش ورمضاء ايران

باسم حسين الزيدي

2015-03-12 08:24

يرى خبراء ان تراجع السياسة الخارجية للملكة السعودية كان لحساب النجاحات السياسية الخارجية التي حققتها ايران منذ احتلال العراق عام 2003 وما بعد، وصولاً لعام 2011 حيث وصلت الى القمة بمسكها لعدة ملفات حساسة في الشرق الاوسط، وتحديدا بعد ثورات الربيع العربي، الذي لم تتعامل معه السعودية بذكاء سياسي بخلاف ايران، اضافة الى خسارة السعودية لأبرز حلفائها العرب وغيرهم، كما تولدت لها الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية، فيما بقي ملف حقوق الانسان داخل المملكة يراوح في مكانة ليشكل العلامة الفارقة التي لا يستطيع حلفائها في الغرب تجاوزها، ومع توالي الخسارات توالت الهواجس لدى المملكة وتنامت المخاوف الداخلية والخارجية، وقد اشار اليها الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" بالقول "يخافون الإيرانيين، ويخافون من الشيعة، ويخشون من تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، ويخافون من الإخوان المسلمين، ويخشون من خيانة الأمريكيين لهم والمؤامرات الإسرائيلية، بل إنهم يخشون من (قوة) قطر، ويخافون من السكان الشيعة في المملكة، بل إنهم يخافون من أنفسهم، ومن اندلاع ثورة سنية في السعودية، من داخل العائلة".

هذا الخوف تحملت الولايات المتحدة الامريكية، جزء كبير من اعباءه، كما سعت من خلال كبار مسؤولي الادارة الامريكية من تطمين حليفها السعودي بان تحولا سياسيا كبيرا في استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية تجاه ايران لن يحدث (على الاقل بالشكل الذي تتصوره المملكة) حتى في حال التوصل الى اتفاق نووي جيد، بينما ترى السعودية على لسان وزير خارجيتها "سعود الفيصل" بان "إيران تتدخل في سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي العراق، والله أعلم أين كذلك، وهذا يجب أن يتوقف إن كانت إيران ترغب أن تكون جزءاً من الحل في المنطقة، لا أن تكون جزءاً من المشكلة"، وترى بان "التحالف الدولي" الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية ضد تنظيم "داعش" وتشارك فيه السعودية، ينبغي ان يأخذ دورة الطبيعي على الارض (بدلا من ايران) بالقول "تؤكد المملكة الحاجة لتوفير الوسائل العسكرية لمواجهة هذا التحدي على الأرض"، وهو قول لا تستطيع الولايات المتحدة الامريكية الذهاب معه في الوقت الحاضر لعدة اعتبارات سياسية وامنية.

هذا الخوف السعودي، ربما يدفعها للعودة الى تشكيل تحالفات جديدة او ترميم التحالفات القديمة، لتعزيز جبهتها امام خطرين خارجيين، تعتقد المملكة انهما يشكلان اهم التحديات امام امنها واستقرارها الداخلي:

الاول: تمدد ايران في مناطق عديدة بالقرب من الحدود السعودية ومصالحها الحيوية في الشرق الاوسط، حتى وصلت بالقرب من الممرات المائية الاستراتيجية للملكة "باب المندب"، اضافة الى خوفها من مواطنيها "الشيعة" في المنطقة الشرقية الغنية بحقول النفط، وتكرار الاحتجاجات ضد النظام الحاكم كما حدث عام 2011.

ثانيا: خطر تنظيم "داعش" الذي يطمح للوصول الى السعودية، خصوصا "مكة" و"المدنية" لما تشكله من رمزية مقدسة لدى عموم المسلمين في العالم، كما ان خوفها من الاف المتعاطفين مع التنظيم داخل المملكة قد يصعب هدف حفظ الامن والاستقرار في حال تمكن التنظيم من تشكيل خلايا فاعلة في الداخل السعودي.

وفي كلا الحالتين، تخشى العائلة الحاكمة من هذه التهديدات الخارجية على الوضع الداخلي القلق، والذي تحاول دفعه عنها بالتحالفات التي يمكن ان تعيد التوازن السياسي والامني للسعودية وتحفظ الهيبة والشعور بالقوة للملكة في محيطها الخليجي والاقليمي، وقد تحرك الملك "سليمان بن عبد العزيز" بعد توليه الحكم خلفا لأخيه الملك "عبد الله" في هذا السياق للعمل على ثلاث محاور مهمة:

1. اصدار جملة من المراسيم الملكية (اكثر من 35 مرسوم ملكي) التي اقصت العديد من الامراء المعينين في زمن اخيه السابق، سيما في المناصب الحساسة، وتركيز السلطة بيده وبيد الموالين اليه من العائلة الحاكمة (السديريين)، وتقوية سلطات الجهات الدينية، خصوصا "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر".

2. محاولة القيام بدور الوساطة بين الدول (السنية) المتنافرة بسبب الخلافات السياسية فيما بينها، من اجل توحيد الجبهة (السنية) امام خطر ايران (الشيعية)، ومنها السعي للوساطة بين تركيا ومصر، وقطر وباقي دول الخليج.

3. محاولة تغيير مواقفها السياسية السابقة تجاه بعض القضايا المهمة، كتعديل نهجها مع الاخوان المسلمين ومحاولة تخفيف الضغوط عليهم، اضافة الى المصالحة مع قطر والتقارب مع تركيا.

وتدرك السعودية جيدا ان للعودة الى لعب دور اقليمي اقوى من قبل لا يمكن ان يتم دفعة واحدة اثر الانكماش السعودي السابق، سيما وان الكثير من المعادلات والاستراتيجيات الجديدة حلت كبديل عن تلك التقليدية، وان العودة الى ادارة ملفات حساسة في الشرق الاوسط (مثل العراق وسوريا ولبنان) لا يمكن ان يتم الا عبر الملفات الاقل ضعفا (مثل اليمن)، وان التحرك باتجاه اليمن لا يحقق النجاح الى بعد بناء حلف خليجي وعربي قوي، وهو ما يعمل عليه الملك "سلمان" في الوقت الحاضر، اما في العراق وسوريا فان الوضع لا يحتمل خلط الاوراق، ما دامت الحكومة العراقية وايران والولايات المتحدة الامريكية تعمل ضمن مصالح السعودية وامنها الداخلي، على ابعاد خطر تمدد تنظيم "داعش" في العراق ما يهدد انتقال التنظيم لاحقا الى داخل المملكة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي