صحفيون للإيجار: التمرد يهدد فاعلية الخطاب الاعلامي العراقي
مسلم عباس
2017-09-05 05:30
ينشر الكثير من الصحفيين العراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي افكارا تعارض تماما ما تبثه المؤسسات الاعلامية التي يعملون بها، ودائما ما يسيرون في الاتجاه المعاكس لها، في دوامة من التناقض بين المؤسسة والذات، وحينما يعترض بعض متابعيهم على هذا السلوك المتناقض، يرمقونه بكلمات من الاستهزاء باعتباره لا يفهم في الاعلام شيء، ثم يؤكدون له أن صفحاتهم الشخصية لا تعبر عن المؤسسة التي ينتمون اليها، انما ما ينشر هو احد تجليات الحرية الشخصية.
في البدء لا يمكن انكار وجود سياسة تحريرية لاي مؤسسة اعلامية مبنية وفق معايير العمل الاعلامي الاحترافي، وهذه السياسة هي واحدة من اهم المتطلبات الاساسية في العمل، والصحفي يحتاج لمعرفة تفاصيل هذه السياسة والتي هي بالمحصلة النهائية توجه نحو جمهور معين ومن اجل ترويج افكار معينة.
وبمرور الزمن تصبح هناك علاقة بين المؤسسة الاعلامية وجمهورها الذي يرى فيها اشباعا لحاجاته من حيث التدعيم المعلوماتي والمعنوي وجعله يستشعر وجوده بوجودها، ومن ثم يرى هذا الجمهور ان العاملين في القناة الفضائية او الصحيفة باعتبارهم جزء منها ويعتقد انهم يعبرون بقناعة تامة عن الافكار التي يكتبونها او يقولونها في مؤسساتهم، فيقيم علاقة متخيلة مع الصحفيين جعلتها مواقع التواصل الاجتماعي تقترب من الواقع بفعل قدرة الجمهور على التواصل مع نجوم الشاشة.
الا مواقع التواصل الاجتماعية قد اصابت الوضع العام بالارتباك كونها فرضت واقعا جديدا، ووسائل الاعلام كانت من اكثر المتاثرين بهذه الهزات التي تحدث يوميا تحت اقدام المؤسسات الاعلامية التقليدية، والصحفيين المطيعين امام الكامرا والمتمردين في مواقع التواصل هم المنشار الذي يقطع مصداقية الاعلام التقليدي.
سلوك التمرد الصحفي على رسالة المؤسسة يحمل الكثير من السلبية ويؤثر على فاعلية الخطاب الاعلامي، حيث تنعدم المصداقية بين المرسل والمستقبل، فالصحفي هنا افرغ رسالته من محتواها وحولها الى تجارة، وغياب المصداقية ينعكس على الرسالة التي تبثها مؤسسته عن طريقه (بكونه مقدما للبرامج او مذيعا للاخبار)، أو حتى في الأفكار التي يحاول الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كونه أصبح إنسانا متناقضا مع نفسه، بل إنه خاضع للمؤسسة التي يعمل بها، ومن ثم فهو لا يتعدى كونه قلما أو لسانا مأجورا.
التبرير الذي يسوقه هؤلاء الصحفيين يدرجونه ضمن عدم علائقية العمل المؤسسي مع الرأي الشخصي الذي يعبرون عنه عبر مواقع التواصل، هذا الرأي يُرَوّج له على انه نوع من الاستقلال، فالتحرر من القبود يعني لديهم ان تعمل في مؤسسة اعلامية ثم تشتم الافكار التي تروج لها تلك المؤسسة حتى وان كانت هذه الافكار قد قيلت على لسانك بالبث المباشر، او كتبت بقلمك.
لكن تحول هذا السلوك الى ظاهرة تكشف جهل الكثير من العاملين في وسائل الاعلام العراقية بأساسيات علم الاتصال الذي يضع مجموعة من الشروط من أجل فاعلية الرسالة الاتصالية أو الخطاب الإعلامي، اذ ان اتجاهات الصحفي (المرسل) ازاء نفسه وازاء الموضوعات التي يعالجها لها دور كبير في عقد العلاقة مع الجمهور المستهدف، ومن ثم تاثيرها على افكار المتلقي واقناعه.
المؤسسات الاعلامية اذا ارادت ان تعمل بفاعلية اكبر فعليها مراجعة اساليب التوظيف لديها، ورجال الاعلام عموما من اكاديميين ومهنيين معنيون بمراجعة اساليب العمل وشروطه لان الحدود داخل المؤسسة وخارجها بالنسبة للصحفي اصبحت شبه معدومة ما يفرض ايجاد قواعد جديدة، وربما ظاهرة التناقض بين الصفي ومؤسسته هي سمة عراقية اكثر من كونها ظاهرة اعلامية عالمية، وهي انعكاس للمشكلات السياسية والاجتماعية التي يعاني منها البلد والعمر القصير للتجربة الصحفية العراقية التي لا تزال في طور المراهقة وبشهادة الواقع وعشرات الدراسات الاعلامية.
والصحفيون الذين يشتمون الافكار التي تنشر على السنتهم في وسائل الاعلام لا يستحقون العمل في وسائل الاعلام وهم بحاجة الى من يذكرهم ان الاعلام علم الى جانب كونه مهارة في توظيف اللغة واساليب الاقناع الاخرى من اجل توصيل رسالة معينة، والشخص الذي يرى ان المؤسسة التي يعمل بها لا تمثل افكاره واتجاهاته السياسية والاجتماعية يجب ان يبحث عن مؤسسة اخرى تتوافق مع اتجاهاته، فالاعلام رسالة يقدمها فريق كامل يؤمن بمضمونها والا فقدت فاعليتها، وهذا ما نجده في العراق بسبب انفصال الصحفي عن مؤسسته.
على الصحفي ان لا يتحول الى لسان مأجورة واذا صرح بذلك بنفسه، فهذا دليل عدم اهليته للعمل الصحفي كونه لم يستطع أن يجد المؤسسة التي تتوافق مع أفكاره وتستطيع توظيفه وفق إمكاناته الاعلامية، وقد يصل الحال في بعض الجماهير إلى التساؤل عن أهلية هذا الصحفي على الحصول على وظيفة في مؤسسة إعلامية أكبر من تلك التي يعمل بها الآن.