مستقبل العراق، صراع من اجل البقاء
علاء العوادي
2015-03-02 01:22
شغل مستقبل العراق المنطقة والعالم منذ تسعينيات القرن الماضي، تحديدا عند قيام نظام صدام بغزو الكويت وحدوث الانتفاضة في الجنوب والشمال، كان الانشغال مبنيا على أساس عدة ظواهر منها "تضخم السلطة على حساب الدولة، نمو الهويات الفرعية، شكل العلاقة مع دول الجوار، علاقة السلطة والثروة".
ظهر توجهان علميان في دراسة مستقبل العراق، الاول أقام مقاربته العلمية من خلال تحليل شكل السلطة وممارساتها وهذا ما قدمته كتابات حسن العلوي وعبد الكريم الازري، كان المنطلق فيها هو معاينة تفاعلات السلطة مع رعاياها.
التوجه الثاني اعتمد المقاربة الاجتماعية التاريخية التي تأخذ من الحوادث الاجتماعية مدخلا تحليليا لفهم ما يجري في العراق، كانت كتابات الوردي تمثل المادة الاساسية لهذا التوجه، ثم جاءت بعد ذلك مؤلفات حنا بطاطو وتشارلز تريب، وفيبي ماري، الذين سعوا نحو الفات النظر نحو ما يجري في ثنايا المجتمع.
وضع أصحاب التوجه السياسي مصطلحا هو "تضخم السلطة على حساب بناء الدولة" وجعلوا منه اطارا مفاهيميا لكي يحللوا النموذج العراقي، خالفهم الاجتماعيون الذين قرأوا العراق من جهة المجتمع والتاريخ في صياغة مصطلحهم التحليلي الذي هو "قوة الجماعات على حساب المجتمع".
مثل كتاب غراهام فولر "العراق في العقد المقبل: هل سيقوى على البقاء حتى عام 2002"الذي ترجمه مركز الامارات، احد أبرز النماذج من التوجه الاول، ضمن الاطار العلمي الذي وضع التساؤل عن مستقبل العراق ضمن دائرة البحث العلمي، اعتمد فولر على تحليل رؤية القوى السياسية للدولة والسمات العامة لمشروعها السياسي بعد إسقاط النظام، اكتشف فولر ان التصنيف السياسي الذي حملته تلك القوى، بأنه بعيد المنال عن الاقتراب من رؤية وطنية جامعة لكل العراقيين، فتلك القوى شكلت على أساس مذهبي مناطقي.
كما عزز كتاب اريك دافيس أفكار التوجه الثاني "مذكرات دولة/السياسة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث" النظرة العلمية التي تذهب الى قدرة السلطة حينما توظف الثروة الوطنية في بناء ذاكرة مرتبطة بمصالح أصحاب الهيمنة والقرار، أيضا كشف دافيس عن ان العراق، النموذج المثالي في فهم وتحليل التأثير السلبي للثروة في بناء دولة غير مستقرة.
التوجهات المذكورة وضعت العراق في مركز بناء سيناريوهات محتملة لما سيؤول اليه هذا البلد.
تقوم صياغة أي سيناريو لقراءة مستقبل أي ظاهرة على وضع افتراضات احتمالية، يتحقق عن طريق وضع أليات التعامل مع هذه الظاهرة.
لهذا عندما نلاحظ خريطة السيناريوهات وموجهات تأثيرها على مستقبل العراق نجد انها تقع في:
1- السيناريو القائم على افتراض سياسي.
2- السيناريو القائم على افتراض تاريخي.
3- السيناريو القائم على افتراض اجتماعي.
تجمل هذه السيناريوهات حال العراق وزاوية النظر الى نموذجه السياسي، الغريب هناك شبه غياب للتصورات التي تنطلق من البيئة المحلية، بمعنى آخر ليس هناك تصور علمي متكامل صاغته مؤسسة بحثية عراقية او باحثين سعوا الى وضع أفكار تعالج مستقبل العراق، انما بقيت القضية محصورة بجهد فردي لايصل الى مرحلة التأثير وبناء توجه علمي فاعل في ميدان البحث.
- مستقبل العراق بين تاريخين 1921- 2014
اعتمدت التصورات الصادرة عن مراكز بحوث غريبة تاريخ 1921 كواقعة سياسية وتاريخية تظهر ان العراق لم ينتج نظاما سياسيا بسياقه الطبيعي، إنما كما تطلق دراسات ما بعد الاستعمار مبدأ "بناء الامم" الذي تبلور على أثر قيام نموذج الدولة الوطنية نتيجة تدخل الاستعمار.
يذهب اغلب الباحثين في التاريخ السياسي العراقي الى ان ملابسات اختيار حاكم بعد ثورة 1920 وتأسيس الدولة في العام 1921، ووثيقة خطاب الملك فيصل العام 1923 عن العراق، كانتا الاساس الفكري الذي أقيمت عليه التصورات السياسية عن مستقبل العراق القادم.
أما العام 2014 فكان اللحظة التي اكدت هشاشة البناء السياسي الذي هو في الاصل تعبير عن التضاد الحاصل في تكوين مؤسسة السلطة منذ 1921 والى لحظة انهيار مدينة الموصل وسقوطها بيد الجماعات الارهابية.
ولكن غاب عن كل هذا الحراك الفكري والبحثي تساؤل أظنه مهما حول مستقبل العراق، هو من اي مستوى يظهر التساؤل عن مستقبل العراق بعد 2003؟، ينحصر جواب هذا السؤال ضمن مجالات هي "محلي، سياسي، دولي"، هذه المجالات تظهر أحيانا متقاربة وتسير في نفس الاتجاه وأحيانا أخرى متنافرة وبعيدة الانتظام في تصور واحد.
يشير المجال المحلي الى تصورات أفراد المجتمع العراقي، كيف يتناولون مستقبل بلدهم يوميا؟، نلمس ان هذه الأحاديث في أغلبها منفعلة بما يجري من احداث أمنية وسياسية وهي تعبير عن غياب الرأي العام الذي ينتج رؤية واضحة عن العراق ومستقبله، فعندما تسمع الناس يتحدثون في وسائط النقل وأماكن عملهم، نلاحظ ان الأحاديث تستند على مادة يقدمها الاعلام والتسريبات السياسية عن الصراع الدائر في مؤسسات الحكم.
المجال السياسي يعبر عن مجمل التفاعلات بين القوى السياسية الموجودة في السلطة، ولدينا نموذج معروف هو عندما طرح السيد عبد العزيز الحكيم مشروع اقليم الوسط والجنوب، كيف أثر على النقاشات التي تدور عن مستقبل العراق، مطلب القوى الكردستانية حول حقوق الاقليم ومسألة تصدير النفط، الحديث عن اقليم سني بعد أحداث الانبار والحويجة.
يبقى المجال الدولي الذي يحمل اهمية خاصة، كونه منبعا لبلورة الافكار والدراسات عن مستقبل العراق، إذ يمارس دورا فكريا وسياسيا ويصل في بعض الاحيان الى مستوى عسكري، الكتابات التي أخذت تنمو عن مستقبل العراق تعتمد مادتها العلمية عما تصدره المؤسسات العلمية الغربية من تقارير وكتابات بشكل دوري، يكفينا مراجعة أي بحث أو كتاب عن مستقبل العراق سواء كان صادرا من باحث عربي او عراقي أو أجنبي، لاكتشاف المصادر الاجنبية التي اعتمدها في بناء مادته العلمية.
يكتشف المتابع للشأن العراقي، ان مستقبل العراق يقع ضمن دائرتين، الاولى ذات طابع شفاهي يتداوله العراقيون في يومياتهم، وأخرى تحمل سمة كتابية بحثية تتولاها مؤسسات غريبة رصينة تسعى الى رفد صانع القرار في بلادها لالتقاط التعامل الصحيح مع سوف ما يؤول اليه العراق.