طلبة الجامعة وإنعاش الأمل بالتغيير في العراق
محمد علي جواد تقي
2017-03-13 08:23
حلكة الظلام تدفع الانسان لالتماس مصدر النور ليبصر واقعه وما حوله، ولكن؛ ما هو أشد وطأة من الظلام؛ شعور هذا الانسان بالعجز من الخروج من هذا الواقع السيئ، وهو بدوره يخلق التشاؤم واليأس من النجاح او اكتساب القدرة في قادم الأيام لتحقيق شيء ايجابي في الحياة، وهذا ما دفع علماء النفس بالبحث في "ثنائي التفاؤل والأمل" لتفعيل الطاقة الايجابية الموجودة اساساً في كوامن كل انسان.
هذا الثنائي الفاعل يتجسد في الواقع الخارجي على شكل نشاطات وأعمال تبعث الأمل في القدرة على التغيير او الإصلاح والتطلع لما هو أحسن، وهو ما حصل في جامعة كربلاء من إقامة أسواق لبيع منتجات او سلع بسيطة من قبل الطلبة والطالبات، ليكون ريعها ضمن الدعم اللوجستي الذي ترفده المدينة بشكل مستمر الى قوات الجيش والحشد الشعبي المرابطين في جبهات القتال قوى التكفير والضلال.
ما يقدمه الطلبة عبارة عن أشياء بسيطة تضم أعمال يدوية لمقتنيات شخصية او أدوات منزلية او حتى شراء بعض السلع من الخارج وبيعها بأسعار مناسبة، فحتى وإن كانت الحاجة بسعر أقل في الخارج، فان الطالب او الطالبة تشتريها من هذه الاسواق إصراراً منها على إنجاح المشروع.
طبعاً؛ هذا الحراك النشط ينسحب على فعاليات أخرى، مثل معارض الرسم والكتب وعرض مقتنيات المقاتلين الابطال، هذا الى جانب عقد الندوات والمؤتمرات وتوظيف القدرات العلمية والمهنية من أجل المزيد من التعبئة والدعم لأبطال القوات المسلحة، وهي تمثل بمجموعها إحدى تجليات التفكير الايجابي المنتج في أهم شريحة في المجتمع، بامكانها أن تكون نموذجاً يحتذى به لسائر شرائح المجتمع والامة بأسرها، في خلق هذا النوع من التفكير الخلاق، على أن وجود العلماء في حياة أي مجتمع يعد من علائم حياته وقوته.
ولمن يلاحظ حركات الإصلاح والتغيير الكبرى التي شهدها العالم، نلاحظ أن طلبة الجامعة في طليعة الجماهير، بل هي تمثل ضميرها النابض وأملها الكبير، كما حصل في "انتفاضة مايو1968" في فرنسا، والدور المؤثر لطلبة الجامعة في الاطاحة بنظام شاه ايران عام 1979، وايضاً الحركة الطلابية في الصين عام 1990، ثم استمرار الحراك الطلابي في غير بلد لممارسة الضغط على الحكومات لتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وفي العراق؛ البلد المسكون بالازمات والمشاكل من كل حدب وصوب، فانه أحوج ما يكون الى نموذج يقتدي به لمعالجة ما يعانيه من أزمات، علماً ان ما توفر من تفاؤل مصحوب بالأمل لدى طلبة الجامعة في العراق، له أرضية خصبة ينمو فيه التفاؤل ومن ثم الأمل، حيث الخلفية العلمية والمعرفية وايضاً التطلّع الى المستقبل برؤية الحاضر، الى جانب النظام الذي يسود الاجواء العامة في المحيط الجامعي، مما يطبع الحراك الطلابي بالانتظام والمنهجية وسرعة التأثير.
بيد أن الخطوة الاولى لنقل التجربة خارج الجامعة الى شرائح اجتماعية اخرى، يكمن في تنمية روح التفاؤل والأمل وعدم الانسياق تحت ركام الازمات والاستسلام للواقع الفاسد، وقد أكد علماء النفس أن هذا الواقع الباعث على اليأس والاحباط، -بحد ذاته- يعد عاملاً لإحياء الأمل بحياة افضل، وهو ما يجب الالتفات اليه، إذ "لا ضرورة للتفاؤل ولا للأمل حين تزدهر الحياة فردياً وجماعياً ومجتمعياً، ولاضرورة لهما حين تسير الامور سيراً حسناً، إنما تبرز الحاجة الماسة اليهما، حين تتردى الاوضاع، وتستفحل البطالة". وهنا يشير الكاتب والعالم المصري في علم النفس الايجابي، الى تصور سائد عن التفاؤل والأمل بأنه نوع من "التفكير الطوباوي" او الطموح المجنح البعيد عن الواقع المرير الذي يعيشه الناس، بيد أن الإقرار بحقيقة الفساد والانحراف الموجود لا يعني بأي حال من الاحوال، الاستسلام لهذا الواقع.
ولو وقفنا عند أي ظاهرة غير سليمة في العراق، وجدنا الى جانبها يأس مطبق من تغييرها، حتى أبسط الامور، مثل؛ النظافة والحفاظ على البيئة والممتلكات العامة، ويبدو أن تغليب حالة التشاؤم واستمراء الهزيمة النفسية، هو الذي يجعل الواقع السيئ امراً مقبولاً، وقد كشف الدكتور حجازي السر في تغليب التشاؤم على التفاؤل فيما يتعلق بالظواهر السلبية العامة، بان "التشاؤم واليأس يشكلان في الشدائد والازمات ترفاً لا يجوز الانخراط فيه لا فردياً ولا جماعياً"، بمعنى أن هنالك تهرّب من ثمن التغيير، فالأمل يعقبه العمل، بينما التشاؤم لا يكلف صاحبه شيئاً.
وقد كتب علماء النفس بحوثاً مطولة في كيفية إحياء الأمل وتنمية حالة التفاؤل، بل والتدريب على هذه الحالة والابتعاد عن التشاؤم، مما يدعو الى الاهتمام بالقضية والمساعدة على نشر هذه الثقافة بين عامة المجتمع، لان العراق لا تنقصه الموارد الطبيعية ولا القدرات الانسانية ولا الموقع الجغرافي وغيرها من فرص التطور والتقدم، بيد ان المشكلة في الرضوخ لواقع فاسد باستعدادات نفسية غريبة، وعدم الإصغاء على نداء العقل والمنطق بتشكيل هيئات ومجموعات تنبثق من المناطق السكنية او من محيط العمل لمناقشة مختلف القضايا العالقة وايجاد حل لها، فضلاً عن التفكير في تقديم المزيد من الدعم والعون لمشاريع خيرية او اجتماعية واقتصادية، او كما يحصل في حملات الدعم اللوجستي للحش الشعبي.
إن مجرد التفكير الايجابي والمتفائل لإحياء الأمل بالتغيير من شأنه ان ينقل الفرد والمجتمع من حالة القبول بالفوضى والفساد الى مرحلة الإدانة والمعالجة لتحقيق الواقع الأفضل.