بين يدي أبي الفضل العباس بن علي
وجدي المبارك
2016-10-13 01:52
▪️ من القراءات التي تقرأ من طلب أمير المؤمنين(ع) من أخيه عقيل البحث له عن زوجة له هو: تعويد البشر على سلوك مهم يكمن في ضرورة إناطة العمل بذوي الاختصاص – فبالرغم من معرفة أمير المؤمنين(ع) بهذا العلم وتفرعاته، لكنه تعمد طلب ذلك من أخيه ذلك كونه عالماً متضلعاً بعلم الأنساب.
▪️ من القراءات التي تقرأ من طلب أمير المؤمنين(ع) من أخيه عقيل البحث له عن زوجة له هو: كون طلبه بمثابة رسالة للأجيال المستقبلية بضرورة التدقيق في اختيار الزوجة لاسيما في مسألة النسب والأصل، وهو مصداق جلي لقول رسول (ص): اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين، تخيّروا لنطفكم فإن العِرقَ دسّاس.
▪️ من القراءات التي تقرأ من طلب أمير المؤمنين(ع) من أخيه عقيل البحث له عن زوجة له هو: هو إعداده الاستباقي لنهضة الإمام الحسين(ع) عبر تهيئة الظروف المتاحة قبل قيامها بعقدين من الزمن، وذلك حينما بين غايته من ذلك الزواج فقال: لألد منها غلاماً يكون ناصراً لابني الحسين (ع).
▪️ إن تبشير أمير المؤمنين(ع) بالعباس(ع) قبل مولده، ماهو إلا دلالة على عظمة العباس(ع) ومكانته الخاصة عند أهل البيت(ع)، ومنزلته الكبرى عند الله عز وجل.
▪️ ذهب مجموعة من المحقّقين أن أبا الفضل العباس (ع) وُلد يوم الرابع من شهر شعبان سنة (٢٦ه) في، واستشهد في يوم كربلاء عام 61 هـ، عن عمر يناهز 35 سنة.
▪️عرف سيّدنا العبّاس (ع) بكنيتين: أبو الفضل، وأبو القاسم، وأما ألقابه فكثيرة، منها ما عُرف بها قبل واقعة كربلاء: كقمر بني هاشم، و سبع القنطرة، وكافل زينب (ع)، وأخرى عُرف بها في كربلاء ومنها: السقّاء، وبطل العلقمي، وحامل اللواء، وكبش الكتيبة، والعميد، وحامي الظعينة، وبطل الشريعة، وأما لقبه الذي عُرف به بعد كربلاء وهو أكثر ألقابه شيوعاً بين الناس هو: باب الحوائج.
▪️ تميز أبو الفضل العباس (ع) بصفات كمالية إيمانية وصفات أخلاقية منها: الإيمان بالله، والشجاعة، والإباء وعزّة النفس، وقوّة الإرادة، والرأفة والرحمة، والصبر، والوفاء والإيثار التي تجلت عظمتها وصورها في موقفه يوم كربلاء، بحيث ضرب الرقم القياسي لتلك الصفات الكريمة وبلغ أسمى حدّ لها.
▪️ شخصية أبو الفضل العباس (ع) هي شخصية صنيعة مكونات تربوية متكاملة تجلت في تربية أبويه وصحبته لأخويه رفعته إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّروا مجرى تاريخ البشرية جعلته يقدم التضحيات الهائلة في سبيل قضاياها المصيرية، وإنقاذها من ظلمات الذلّ والعبودية.
▪️ تعد تربية أبي الفضل العباس (ع) درس تربوي وأُسري فريد من نوعه لكل الأمهات والأبناء في كيفية ممارسة وتجسيد قيم الأخوة والفدائية الصادقة في واقعيتها ومثاليتها الكاملة والإنسانية.
▪️ إذا استطعنا استشعار جزء من عظمة ووفاء العباس(ع)، فمن الإنصاف أن ننظر بعين البصيرة إلى تلك الأم الأصيلة التي غذته بحليب الوفاء والتضحية لحد النخاع.
▪️ أبو الفضل العباس (ع) تلميذ في مدرسة أم البنين (ع)، تلك المدرسة الاستثنائية المتميزة بمعلمتها الوحيدة التي درسته تجليات الإيمان والوفاء بعقيدة الإمامة والذود عن مبادئها، وسبل تثبيتها بكل ماتملك، بحيث طبقتها على ذاتها قبل غرسها في نفوس منسوبي مدرستها.
▪️ لا يمكن لأي امرأة أن تربي أبنائها إلى حد تتنكر لذاتها وتربي أبنائها وفلذات كبدها ليكونوا قرابين لأبن امرأة أخرى، إلا إذا كانت امرأة كأم البنين (ع) بحيث تمتلك من الإيمان والعقيدة في ولاية محمد وآل محمد ما يفوق تصور عقول البشر.
▪️ شخصية العباس(ع) شخصية فريدة ومتكاملة من كل النواحي الخلقية والأخلاقية، فمثل جذور البسالة والشجاعة، وعلامات الشهامة والنبالة، وذروة الجمال وقمة الكمال وجلال الهيبة والوقار.
▪️ لم يقع اختيار السيدة زينب (ع) على أخيها أبي الفضل(ع) لكفالتها أثناء احتضار أبيها أمير المؤمنين (ع) بناء على عاطفة الأخوة، بقدر إلمامها بما تحمله شخصية العباس(ع) من مقومات ومميزات استثنائية تميزه عن جميع أخوته.
▪️ يدل اختيار السيدة زينب (ع) لأخيها أبي الفضل العباس (ع) على أنها الشخصية الكمالية التي تلي مرتبة الإمامين الحسن والحسين (ع) في ذلك الزمان لذلك خصتها بكفالتها ورعايتها.
▪️ يمثل العباس بن علي (ع) المصداق الأمثل في تجسيد الانصياع المطلق لأوامر الله ورسوله والأئمة المعصومين المتمثل في أبيه أمير المؤمنين (ع) والإمامين الحسن والحسين(ع)، فانطبق عليه قول الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً.
▪️ تمثل شخصية العباس(ع) اسمى تجليات العبودية لله، بحيث كان الفارس الشجاع الذي لم ينحن رأسه لأحد ألا في مواطن العبودية لله، وكان مطأطأ الرأس أمام الإمام الحسين(ع) حياء منه حينما طلب الإذن للخروج إلى الميدان.
▪️ إن صك الأمان الذي حمله شمر بن ذي الجوشن من عبيد الله بن زياد لعنهما الله يوم عاشوراء، وخُصه بالعباس (ع) وأخوته هو في الحقيقية خدعة عسكرية ماكرة، وليس قراراً سياسياً من عبيدالله بن زياد، وهي نفس الخدعة العسكرية التي لم تنطل خيوطها على مسلم بن عقيل(ع) في الكوفة حينما أعطوه الأمان أثناء قتاله لهم.
▪️ إن الهدف الحقيقي من صك الأمان الذي حمله الخبيث شمر بن ذي الجوشن للعباس(ع) وأخوته: هو خداهم، والتفرد بهم، وإبعادهم عن أخيهم الحسين(ع)، وبذلك يضعف جيشه وتنكسر شوكته.
▪️ ظن شمر بن ذي الجوشن أن أخوة العباس (ع) من طراز أصحابه الممسوخين الذين باعوا دينهم من أجل الدنيا، لكن موقف أخوة العباس (ع) لم يكن مغايراً عن موقف أخيهم، حيث صاحوا به في أرض كربلاء، وهم يغتاظون غيظاً، فقد لذعهم قوله: لعنك الله، ولعن أمانك، أتؤمننا، وابن بنت رسول (ص)، لا أمان له».
▪️ من المقارنات اللطيفة أن الله سرد في كتابه الكريم صنيع مقيت صدر من أبناء نبي من أنبياء الله يعقوب (ع) الذين كادوا لأخيهم يوسف (ع) وضربوه وأرادوا قتله، وألقوه في غياهب البئر فقط، لأنهم حسدوه بحب أبيه وقربه إليه، بينما العباس وأخوته (ع) خطوا صنيعاً فريداً من التضحية في سبيل الأخوة والإمامة بحيث باعوا مهجهم في سبيل أخيهم وأمامهم الحسين (ع)!!.
▪️ بربكم: أي إيثار جاوز حدود الزمان والمكان، والعقل والمنطق، تتجلى في روح عظيمة تألقت في سماء الكمال، وذروة كرامة الإنسان، لتخط عبر مرور الزمن درساً لكل الأجيال في معاني الفضيلة والإيثار صنعته نفس أمتلكها أبي الفضل العباس (ع) حينما رفض شرب الماء يوم عاشوراء، وهو بأحوج مايكون إليه، لكنه رمى الماء من كفيه وارتجز يقول: يا نفس من بعد الحسين هوني، وبعده لا كنت أن تكوني، هذا الحسين وارد المنون، وتشربين بارد المعين، تالله ما هذا فعال ديني؟!!.
▪️ أي تناغم في الموقف والمنطق يتجليان بين الأب وابنه، فأمير المؤمنين(ع) أرتجز بكلمات فريدة بعد أن سقوطه شهيداً في محرابه دلت على قوة الإيمان وصلابته في سبيل الإسلام، وكذلك الابن أبي الفضل العباس (ع) وقف مرتجزاً بعد قطع كفيه بشعر يدل على قوة إيمانه بدينه وعقيدته بإمامة الحسين (ع)، فلا عجب أن يكون موقف ومنطق الشبل من ذلك الأسد.
▪️ إن ارتجاز العباس (ع) عند قطع كفيه بمنطق إيماني راسخ، وعقيدة ولائية ثابتة، ليس موقفاً طبيعياً، ومنطقاً عادياً ؛ بل موقفاً استثنائياً يخلق فينا بواعث من التساؤل الخاص: ماهي الدرجة الإيمانية والعقائدية الاستثنائية التي تمتع بها العباس بن علي (ع) دون غيره أعطته من القوة والبسالة جعلته يتناسى معها ألم الجسد، وقطع الكفين، وسيلان الدم التي تشخب من يديه وجسده، ويرتجز بكلام فريد ينم على تضحيته في فداء الدين و عقيدة الإمامة وهو يردد: والله إن قطعتم يميني إني إذا أحامي عن ديني، وعن إمام صادق اليقين؟!!، بحيث أكدت شهادة الإمام المعصوم أنها درجة ومنزلة استثنائية لم يصل إليها أحد من الشهداء غيره.
▪️ إن سلسلة الوفاء والإيثار بين العباس(ع) والإمام الحسين(ع) سلسلة متواصلة لم ينقطع حبل وصالها، بدء منذ نعومة أظفاره، حتى رفضه شرب الماء يوم عاشوراء قبل أخيه، واختتمها حينما رفض أن يضع رأسه في حجر أخيه الإمام الحسين (ع)، عند آخر رمق له من الحياة في أرض كربلاء، وليس مستبعداً أن تستمر تلك الحالة إلى حتى في عالم ما بعد الشهادة.
▪️ من الأدب الرفيع الذي تربى عليه أبو الفضل العباس (ع) أنه لم يكن ينادي الإمام الحسين(ع) بنداء الأخوة طوال حياته، إلا حينما سقط على أرض كربلاء، ناداه بتحيته ووداعه الأخير قائلاً: أخي ياحسين عليك منّي السلام أبا عبد الله.
▪️ يعتبر أبو الفضل العباس(ع) أهمّ عضو بارز في هذه الثورة الحسينية المشرقة، حيث ساهم مساهمة إيجابية وفعّالة بملازمته لأخيه ممتثلاً لأمره، منفّذاً لرغباته، شادّاً لعضده، مؤمناً بقوله، مصدقاً لمبادئه، لم يفارقه في مسيرته الخالدة من يثرب إلى أن وقع شهيداً بين يديه في أرض كربلاء.
▪️ من عظمة أبي الفضل العباس(ع) أن أربعة من الأئمة المعصومين (ع) قبلوا يديه، أولهم أمير المؤمنين(ع)، وأخيه الحسين (ع)، والإمام زين العابدين (ع)، وقيل الإمام الباقر(ع) الذي كان بصحبة أبيه في كربلاء.
▪️ لا يمكن لأحد الإلمام بكل الأبعاد الإيمانية التي احتوتها شهادة الإمام المعصوم في حق العباس (ع) وأظهرت نفوذية البصيرة في قلبه، وصلابة الإيمان في عقيدته، والتي لم تنحن وتتأثر حتى مع قوة الابتلاء والمواقف العصيبة التي واجهها يوم عاشوراء.
▪️ إن من شهادات الإمام الصادق (ع) في عمه أبي الفضل العباس(ع) أنه نفاذ البصيرة في سداد الرأي، وأصالة الفكر، ولا يتّصف بها إلاّ من صفت ذاته، وخلصت سريرته، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفاته التي جعلته مناصراً وتابعاً خاصاً للإمام الحسين (ع).
▪️ إن من شهادات الإمام الصادق (ع)في عمه أبي الفضل العباس(ع) صلابة إيمانه ومن دلائل ذلك انطلاقه إلى ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله مبتغياً في ذلك الأجر عند الله، وكان ذلك من أوثق الأدلة على صلابة الإيمان عنده.
▪️ إن من شهادات الإمام الصادق (ع)في عمه أبي الفضل العباس(ع) وفائه لدينه، والوفاء لأخيه البيعة، والمدافع الأول عن عقيدة الولاية المتمثلة في أخيه الإمام الحسين(ع).
▪️ إن مفردة التسليم التي وردت في زيارة الإمام الصادق (ع) لعمه أبي الفضل العباس (ع) وهو وسام رفيع قلده به، وهي من أجلّ وأسمى الأوسمة التي تضفى على الشهداء العظام، لأنه سلم لأخيه الإمام الحسين (ع) جميع أموره، وتابعه في جميع قضاياه، وذلك لعلمه بإمامته القائمة على الإيمان الوثيق بالله تعالى، وعلى أصالة الرأي وسلامة القصد، والإخلاص في النيّة.
▪️ إن مفردة التصديق التي وردت في زيارة الإمام الصادق (ع) لعمه أبي الفضل العباس (ع) تدل على تصديقه لأخيه الحسين (ع) جميع اتجاهاته، ولم يخامره شكّ في عدالة قضيّته، وأنّه في طريق الحق، والممثل له، وإن من نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين.
▪️ إن مفردة الوفاء التي وردت في زيارة الإمام الصادق (ع) لعمه أبي الفضل العباس (ع) كونها من الصفات الكريمة التي أضافها عليه، لأنه وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق المتمثل في أخيه الحسين (ع)، فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدّها محنة وقسوة، ولم يفارقه حتى قطعت يداه، واستشهد في سبيل ذلك.
▪️ إن مفردة النصيحة التي وردت في زيارة الإمام الصادق (ع) لعمه أبي الفضل العباس (ع) تدل على أنه الأخ الذي أخلص لأخيه الإمام الحسين(ع) بالنصيحة على مقارعة الباطل، ومناجزة أئمّة الكفر والضلال.
▪️ مما يقرأ من شهادات زيارة الإمام الصادق (ع) لعمه أبي الفضل العباس (ع) أنّه قد مضى في جهاده على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر الذين مثلوا أكرم الشهداء عند الله في زمنهم، فكتبوا النصر بدمائهم الزكية للإسلام في بدايته، وارتفعت كلمة الله عالية في أصقاع الأرض، وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم، ويقين من عدالة قضيّتهم.
▪️ مما يقرأ من شهادات زيارة الإمام الصادق (ع) لعمه أبي الفضل العباس (ع) أنّه قد مضى في جهاده على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر، وهو البصيرة واليقين اللذان التي تمتع بهما فنال منزلة من الشهادة لاينالها أحد غيره، لأنه نصر أخيه الإمام الحسين(ع) في وقت قل فيه الناصر للدين، فرجح باستشهاده كلمة الحق على إداء الباطل.
▪️ إن ربط الإمام الصادق (ع) شهادة عمه أبي الفضل العباس (ع) بشهادة شهداء يوم بدر فهو يدلل باختصار: أن شهداء بدر شهداء كرماء متميزون عند الله، لأنهم ضحوا بأنفسهم في موقف مفصلي للإسلام، كذلك العباس (ع) مثل موقفاً مفصلياً في الذود عمن يمثل الإسلام وطريق الحق في يوم كربلاء.
▪️ إن ربط الإمام الصادق (ع) شهادة عمه أبي الفضل العباس (ع) بشهادة شهداء يوم بدر فهو يدلل على جنبة عقائدية مهمة جداً وباختصار نقول: إن الإمام الصادق(ع) أراد من تلك الشهادة أن يضع بني البشر على حقيقة عقائدية تتجلى في أن القرآن الكريم لوحده لايكفي للتفريق بين الحق والباطل ؛ بل يحتاج لمن يمثله من قِبل الله ويعرف خصائصه، وهو ما يدلل عليه قول النبي(ص): إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيت، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
▪️ إن ربط الإمام الصادق (ع) شهادة عمه أبي الفضل العباس (ع) بشهادة شهداء يوم بدر فهو يدلل على جنبة عقائدية مهمة جداً وباختصار نقول: إن القرآن الكريم كان موجوداً بين المسلمين بدء من بدء الرسالة حتى يومنا هذا، مع ذلك ما ستطاع المسلمين توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم، فكانوا بحاجة إلى من يكمل الدفة الأخرى التي قرنها النبي بالقرآن الكريم، وهم ممن اشار إليهم في حديث الثقلين وهم عترته الطاهرة المتمثلة في الأئمة الاثنا عشر من بعده.
▪️ إن ربط الإمام الصادق (ع) شهادة عمه أبي الفضل العباس (ع) بشهادة شهداء يوم بدر فهو يدلل على جنبة عقائدية مهمة جداً وباختصار نقول: إن كل عصر وزمان يحتاج لمن يمثل القرآن الكريم ويعاضده، فيوم بدر كان رسول الله (ص) هو من كان يمثل الخلافة الإلهية، وهو الفيصل الذي يفرق بين الحق والباطل، لتتم الحجة والبرهان أمام القوم، كذلك الحال يوم عاشوراء، فالقرآن الكريم كان موجوداً بين أيدي القوم، لكن الناس كانوا بحاجة للإمام الحسين(ع) الذي مثل الفيصل والناطق عن القرآن، فتمت الحجة على القوم الظالمين يوم كربلاء.
▪️ إن ربط الإمام الصادق (ع) شهادة عمه أبي الفضل العباس (ع) بشهادة شهداء يوم بدر فهو يدلل باختصار: أن يوم بدر مثل يوم فرقان أبان الحق الإسلامي من الباطل الجاهلي، كذلك أصبحت عاشوراء يوم فرقان أكبر لأنه مثل اليوم المصيري للأمة وإنقاذ الدين من عودته للجاهلية الأولى، ورفع الشبهة عمن أدعى أنه يمثل الإسلام والقرآن وهو يزيد وأشياعه من بني أمية، ولذلك وقف أبو الفضل العباس(ع) وقف ونصر من يمثل القرآن والحق وهو أخيه الإمام الحسين(ع).
▪️ حملت زيارة الإمام الصادق (ع) لأبي الفضل العباس (ع) مفردات إكبار وتعظيم بأهميّة شخصية العبّاس، وسموّ مكانته عنده، وذلك لما قام به هذا البطل العظيم يوم كربلاء من خالص النصيحة، وعظيم التضحيّه، وبدعائه ببلوغ المنزلة السامية عند الله التي لا ينالها إلاّ الأنبياء، واوصيائهم، ومن أمتحن الله قلبه للإيمان.
▪️ حملت زيارة الإمام الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف شهادات جمة من جملتها مواساته لأخيه، وتقديمه أفضل الزاد لآخرته، وذلك بمستوى التقوى وتحرجه في الدين، ونصرته لأخيه بتقديم نفسه، وأخوته، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (ع).
▪️ إن انفراد الإمام زين العابدين(ع) بحمل ودفن عمه العباس(ع) محطة للتأمل والتفكر في سلوك المعصوم ومغزاه، خاصة أنه سلوك لم يصنعه إلا مع أبيه الإمام الحسين (ع) يوم دفن الأجساد الطاهرة في أرض كربلاء.
▪️ إن الغبطة التي سينالها العباس بن علي (ع) على منزلته الخاصة والرفيعة يوم القيامة من قبل الشهداء ماجاءت إلا من خلال السلوك الاستثنائي التي مارسه يوم كربلاء في تطبيق تكاملي لسجايا الوفاء والإيثار لعقيدة الإمامة، وحق الأخوة في سبيل الإمام الحسين(ع)، وهذا ماتؤكده الرواية التي قال فيها الإمام عليُّ بن الحسين(ع): إنّ لعمّيَ العبّاسَ عند اللَّه تبارك وتعالى لمنزلةً يغبطُهُ بها جميعُ الشهداء يوم القيامة.
▪️ إذا كانت مواقف أبي الفضل العباس (ع) مع الإمام الحسين (ع) مواقف استثنائية لم يقفها غيره، فبربك هل ستبخل عليه السيدة فاطمة الزهراء (ع) برد الجميل يوم القيامة؟ وهل من الضير أن ننسب أبو الفضل العباس (ع) إليها؟ فأقل وفاء له فيما صنعه وصنعته أمه أم البنين (ع) أن ينادى العباس (ع): يا ابن فاطمة الزهراء (ع).
▪️ توائم ثلاثة يوم عاشوراء أمتزج فيهم العرق المحمدي والشجاعة العلوية والفخر الفاطمي، وهم: رحى الإمامة والرسالة المتمثل بالإمام الحسين(ع)، وقلب الشجاعة والإيمان المتمثل في العباس(ع)، وطود الصبر والعزة المتمثل في أختهما الأبية زينب الحوراء (ع).
▪️ كربلاء الخالدة مثلث إباء لا تكتمل أضلاعه إلا بزوايا ثلاث: سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين (ع)، وأبي الفضل العباس (ع)، وزينب الحوراء (ع)، أبناء بطل اسمه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
▪️ العباس بني علي (ع) بذرة علوية بذرها أمير المؤمنين (ع) بيده ورواها بمعينه، واحتضنها أرض منتجة طاهرة اسمها أُم البنين (ع)، فأصبحت شجرة شاهقة أغصانها في سماء العزة والخلود، متجذرة عروقها في أرض الإباء والوفاء تثمر ثمارها حتى يومنا هذا.