هل أدركنا عمق التكافل في الأربعين؟ دعوة للتأمل والإفادة
عزيز ملا هذال
2025-08-16 03:44
في كل عام، ينتظر المسلمون الشيعة أيام أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) ليمارسوا طقوسهم وسلوكياتهم الخاصة بهذه الأيام المباركة. ففي محرم الحرام بصورة عامة، وفي أيام الأربعينية بصورة خاصة، يجد الشيعة فرصاً كبيرة للظفر بالكثير من المكاسب الإنسانية العظيمة، ومنها التكافل الاجتماعي الذي يرتفع إلى أعلى نسبه في هذه الأيام. فما هي أبرز صور التكافل في زيارة الأربعينية؟ وكيف يمكن الإفادة منها وعدم هدرها؟
من المظاهر العظيمة التي يعيشها المرء ويلمسها ويراها في الأربعين المليونية هو هذا التكافل اللافت للنظر في جموع الملايين، والذي يتجلى في التعاون والتكامل والانسجام والتعايش والتضامن والعلاقة الوطيدة والذوبان في بوتقة الهدف الذي يدعو إليه المنطق والدين، فالحسين يدعو كما جده النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) إلى التراحم والتواد وتحقيق هدف التكافل الاجتماعي.
وجهة نظر:
حسب فهمي لهذا الأمر، أرى من الضروري أن يلتفت الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) لمن حولهم من الناس، ومحاولة الإنفاق عليهم بثواب الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث إن إطعام عائلة معوزة أو شراء ملابس لأطفال في المدارس أو إعطاء مبلغ من المال هو أيضاً إحسان باسم الإمام الحسين (عليه السلام)، وليس ما يُقدم في الزيارة للزائرين فقط. لذا، هو تذكير لنفسي ولمن يقرأ كلماتي بأن يجعل من أيام شهر محرم مناسبة للتكافل الاجتماعي الذي يُعد ما ذكرته هو أحد صوره. ولأننا نعيش في زمن التعقيد والمادية، فإننا بحاجة إلى إعادة الروح الإنسانية إلى ما كانت عليه عبر التكافل الاجتماعي الذي يكرس ظاهرة التكامل من جانب، ويساهم في إحياء قيم التعاون بشتى أشكالها من جانب آخر، وهو الأمر الذي نحتاجه اليوم لنتجاوز كل هذه المحن والتحديات التي نواجهها بسبب الإرهاب والفساد، وبسبب العنصرية والطائفية التي ينفخ بها البعض ليعتاش عليها ومنها.
صور التكافل الاجتماعي في عاشوراء:
يتجسد معنى التكافل الاجتماعي في زيارة الأربعين عبر السلوكيات التالية:
أول صور التكافل الاجتماعي يتجلى في التعاون والتضامن الإنساني، إذ يتكاتف الخدم لخدمة الزوار، سواء في توفير الطعام والشراب أو المأوى أو لتقديم المساعدة في المشي والوصول إلى الأماكن المقدسة، فبدون هذه الخدمات التي تُقدم على أرقى المستويات لا تتم الزيارة أو أنها تكون مرهقة.
ومن صور التكافل الاجتماعي في زيارة الأربعين هو العطاء غير المشروط والذي ينتشر على امتداد الطرقات المؤدية إلى كربلاء، تجد القائمين على المواكب والهيئات الخدمية يقدمون كل ما يحتاجه الزائرون ليبقى على مستوى جيد من الصحة، سيما وأننا نعيش أيام زيارة الأربعين والمناخ غير مريح نظراً لدرجات الحرارة المرتفعة. ورغم كل هذه الظروف، يصمد الخدم ويقدمون الخدمات بكل أنواعها مما يعكس روح الإيثار والتضحية.
وتشهد الزيارة الأربعينية مشاركة واسعة من المتطوعين الذين يقدمون خدماتهم للزوار بكل حب وتفانٍ، والجميل في الأمر أنك تجد الكثير ممن يتطوعون للخدمة في مجالات لا يُقدمون على العمل عليها في حياتهم وحتى في بيوتهم، مثل التنظيف. هم من حملة الشهادات وكبراء أقوامهم، وممن يتبوؤون مناصب وظيفية محترمة، وهو ما يثبت امتلاكهم لروح خدمة الإنسان بعيداً عن انتمائه وخصائصه الأخرى، وهذا هو ما يُوصل بالإنسان إلى التكافل الاجتماعي.
وفي زيارة الأربعين يسعى الناس إلى نشر القيم الإنسانية التي من شأنها أن تعزز قيم التسامح والتعايش السلمي والمساواة بين جميع الناس، فلا رُتب ولا ألقاب ولا اعتبارات تُحسب في الخدمة، فالكل يُعاملون على أنهم خدم أو زائرون، وهذا ما يغيب صور العنصرية البغيضة لتحل محلها الإنسانية. ولاجل هذه الفوائد التي تعود على الإنسان إيجابياً، يجب أن نستثمر زيارة الأربعين ولا ندعها تذهب سدى.