محرم الحرام: كيف يستثمر الشباب هذه الأيام العظيمة؟

عزيز ملا هذال

2025-07-07 05:11

يعتبر أفضل استثمار في الحياة هو استثمار الإنسان في نفسه، بمعنى استثمار طاقاته وإمكاناته الجسمانية والروحية والنفسية. ومن أكثر الفئات التي تأتي بنتائج مرضية وذات مردودات عالية هي فئة الشباب. ولأننا نعيش في أيام شهر محرم الحرام، فضلنا الخوض في موضوعة استثمار الشباب والوقوف على عائدات هذا الاستثمار على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم. فكيف يستثمر الشباب في أنفسهم في شهري محرم الحرام؟

استهدفنا في مقالنا هذا فئة الشباب لاعتبارين اثنين: الأول أنهم الأكثر فاعلية وأثرًا في مجتمعاتهم، وبذا هم الأقدر على تغيير المجتمع والنهوض به. والثاني هو محاولة توجيه طاقات الشباب نحو الكفة الإيجابية، سيما وأن النفس أمارة بالسوء، ولعل أكثر ما يحوم الشيطان حولهم هم هذه الفئة. فما بالك في كون الشباب ينتمون لبيئات محبة لأهل البيت عليهم السلام، فكيف يجب أن يُحصّن هؤلاء الشباب، وهو ما يحصل عبر الاستثمار الحقيقي لهم.

فالبديل من استثمار الشباب بما يرضي الله ورسوله وأهل بيته الأطياب صلوات الله وسلامه عليهم، هو تركهم تأخذهم الأهواء والاتجاهات يمينًا وشمالًا. سيما وأننا تحيطنا الكثير من التيارات المنحرفة والتي تبرز بصورة تصاعدية مخيفة يومًا بعد آخر، مما لا يترك للشك مجال أن المجتمع الإسلامي الشيعي، وسيما الشباب منهم، مستهدفون بغية تغيير عقائدهم وبالتالي تغيير عقائد المجتمع لصالح مصالح من يقف خلف هذه التيارات.

ففي هذه الأيام الخالدة، أيام شهر محرم الحرام، لا بد أن يكون الشباب على أهبة الاستعداد لإثبات تأييدهم التام والقاطع لثورة الإمام الحسين عليه السلام. ولا بد لهم من استلهام قيم هذه الثورة الساطعة في أهدافها ومراميها، والسعي والمثابرة الحقيقية لتطبيق هذه القيم في أفعالهم وأعمالهم وأقوالهم. مما يضاعف إيمان الشباب وتقواهم وتوفيقهم في الحياة هو تجسيد القيم الصالحة في حياتهم للنهوض بالمجتمع والمضي به إلى الأمام باستمرار.

يمكن للشباب أن يستثمروا في أنفسهم عبر عدة سلوكيات تفرضها طبيعة الظروف الزمانية والمكانية، فعاشوراء تبني هوية للشباب، وتحقق له الشعور بالانتماء. ففي الهوية والانتماء طريق إلى بناء الأهداف في الحياة، من خلال تلك النماذج التي يتفاعل معها بمشاعره وأفكاره. والنموذج هو الذي يصبح المرجع للأجيال في تشكيل شخصياتهم، لذلك كان شكل النموذج مرحلة أساسية في بناء المجتمعات، وكانت نماذج النهضة الحسينية قدوة للشباب في بناء هوياتهم والثقة بأنفسهم وقدراتهم، وهذه أولى صور الاستثمار في الشباب.

والصورة الثانية للاستثمار في الشباب هي تحويل الطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية منتجة، إذ إن الشباب يحتاج إلى الطاقة الإيجابية لمواجهة صعوبات الحياة. فالخوف والهلع من الأزمات والمشكلات والقلق من المستقبل تجعل الإنسان كتلة من الطاقة السلبية، وهذا ما يخيم على الكثير من الناس في أغلب أيام السنة. لكننا نلاحظ في أيام عاشوراء تتحول طاقات الشباب إلى طاقة إيجابية، ويتشكل التفاعل الوجداني مع الآخرين والتطلع إلى حياة مفعمة بالأمل والوجود.

الصورة الثالثة من صور استثمار الشباب في شهري محرم الحرام هي إعطاؤهم أدوارًا قيادية وأدوارًا مؤثرة في إدارة الشعائر وتنظيمها والحضور بها. إذ إن الكثير من أصحاب المواكب والهيئات الحسينية يعتمدون على القراء الشباب والرواديد ويمنحونهم فرصًا لإثبات أنفسهم وإبراز طاقاتهم، وعدم احتكار الأمر على مجموعة من القراء وسواهم ممن عرفهم الناس. وهذا الموضوع سيضمن بزوغ شمس الكثير من القراء والرواديد والمفكرين المجيدين والذين سيحملون مشعل القضية الحسينية في قادم السنين.

واستثمارًا للطاقة الجسمانية، يجب استثمار طاقة الشباب في طريق تقديم الخدمات بأنواعها للناس، إذ إن الكثير من الشباب يميلون للعطاء فهم ينذرون أنفسهم في تقديم الطعام والشراب وغير ذلك من الخدمات. وهنا يجب تحفيز الشباب وتشجيعهم وتهذيب سلوكياتهم غير المنضبطة بطريق مؤدبة بدلًا من صدهم بطريقة جافة قد تستفزهم وتبعدهم عن هذا الطريق. وفي مثل هذه السلوكيات يكون استثمار الشباب استثمارًا أمثل، وهذا هو المراد.

ذات صلة

بكاء السماء والأرض على الحسين (ع)الحق في الحياة عند الإمام الحسين (ع)من أسرار التعبُّد والحزن في يوم عاشوراءلماذا نقيم الشعائر في ذكرى ثورة الإمام الحسين(ع)؟أثر الوعي الحسيني في نشر ثقافة المساءلة