الأطفال يسابقون آبائهم في إحياء الشعائر الحسينية

عصام حاكم

2025-07-05 01:07

ما إن تحل ذكرى واقعة طف كربلاء حتى تسجل أحداث تلك المناسبة اشياء واشياء غريبة وعجيبة، وهي تكاد لا تنحصر بحجم الاستعدادات الشعبية والرسمية، أو عدد الزائرين الحاضرين الى كربلاء، بقدر ما يتعلق الامر بطبيعة تلك المشاركة ومن حضر اليها وهي لا تستثني في هذا المقام الفئات العمرية على اختلافها ناهيك عن الاجناس.

انعكاسات تربوية ونفسية

الحاج ابو عبير المنصوري الذي يتخذ من موكب الصفارين وسط المدينة القديمة مقرا له، يرى ان لهذه المناسبة "انعكاسات تربوية ونفسية غير مباشرة على الاهالي والوافدين".

مبينا ان تلك الانعكاسات الايجابية تشمل الجميع، نساء ورجالا واطفالا، فيقول، الجميع حريصون على تأدية مراسم العزاء الحسيني.

اما ابو علي أحد خدمة موكب "القندرجية" وهو من المواكب القديمة في مدينة كربلاء المقدسة ذكر ان المشاركة الحسينية لا تقتصر على شريحة عمرية محددة بذاتها، مؤكدا على ان "الجميع مدعو اليها تلقائيا لان الحسين عليه السلام ضحى بكل شيء وان احداث كربلاء تفرز ذلك المعنى من خلال ما نسمعه ونقرأه".

الحاجة ام رشيد من سكنة حي القدس في كربلاء تطوف البيوت بيتا بيتا وتدعوهم للحضور الى مجلس العزاء الحسيني موجهة الدعوة للنساء الكبار والشابات وحتى البنات الصغار، وتعزو ذلك الى "مسؤوليتها الدينية والاخلاقية في ايصال رسالة الامام الحسين عليه السلام الى الاجيال القادمة".

وتعلق ام محمد على ما تذهب اليه "الحاجة ام رشيد"، "درج اطفالي كل عام على اقامة تكية امام البيت ورفع الاعلام السوداء ودعوة الزائرين لشرب الماء والشاي، الى جانب تقديم بعض الوجبات السريعة".

مشيرة، "على الرغم من حزن المناسبة الا انني اسر عندما ارى اطفالي واصدقائهم يحرصون على القيام بأعمال فيها مرضاة الله عز وجل". وتتابع، "الشعائر الحسينية بطبيعتها من شعائر مرضاة الله في نصرة المظلوم".

رسالة تتناقلها الاجيال

الحاج جميل الابراهيمي من اهالي ناحية القادسية يرى في ذلك رسالة تتناقلها الاجيال، فيقول، "بلَغنا بها من قبل الاهل ويجب ان نوصلها الى الابناء والاحفاد وأفضل طريقة في ذلك هو مشاركة الاطفال في احياء الشعائر".

ويضيف، "احرص كل عام ان اصطحب معي ابناي واحفادي وبناتي اثناء المسير من النجف الى كربلاء وسوف استمر الى ان يقضي الله عمره".

من جهته يصف الاديب قاسم بلاش المشاركة الشعبية الواسعة في اقامة الشعائر الحسينية بانها "مد الهي بغية استمرار تلك الجذوة وتخليدها جيلا بعد جيل". ويتابع متسائلا، "والا ما هو سر تلك المشاركة غير الاعتيادية من قبل جميع الناس وعلى اختلاف اجناس واعمارهم".

يضيف بلاش، "الكل يعيش حرارة المناسبة حتى الاطفال الصغار تجدها يتابعون القنوات الفضائية ويحضرون مجالس العزاء والحسيني ومنهم من يتجرد من ثيابه ليمارس اللطم بطريقة عفوية فهناك سر كبير لا يمكن ادراكه بالطريقة الحسية".

ابو محمد من قضاء الخالص، قال: "قد أعددنا العدة وأغلقنا أبواب بيوتنا وتوجهنا صوب كربلاء مصطحبين أطفالنا ونسائنا من اجل خدمة زوار أبا عبد الله الحسين (ع)".

ويضيف ابو محمد" إنها لفرصة ثمينة أن نجند طاقاتنا وأهلنا وإمكانيتنا المادية والجسدية نساءً ورجالا صغارا وكبارا من اجل أن نقدم الخدمة لزوار الحسين (ع)، وكيف لا وهي من أجمل اللحظات وأسعدها أن نكون في ركب المواسين لرسول الله (ص) في ذكرى استشهاد ابن بنته الإمام المعصوم المظلوم".

ام زينة لها من العمر48 عاما، تقول، "مع إطلالة شهر محرم الحرام أتفرغ تماما لإحياء ليالي عاشوراء، وهو ما أجدد فيه واجبي كمسلمة إزاء السيدة زينب وأمها الزهراء عليها السلام".

وتضيف، "لا يهمني ما احصل عليه من هدايا او مكافآت لجهودي في مجالس العزاء النسوي، بل ما يهمني هو الأجر والثواب في الدنيا والآخرة".

رشاد طفل يبلغ من العمر عشرة سنوات وقد اتشح بالسواد وجميع من حوله اطفال المحلة قد حثهم على بناء تكية اي خيمة بسيطة للعزاء الحسينية ومن بعد ذلك دعاهم الى جمع التبرعات بمبالغ بسيطة من اجل خدمة الزائرين الذهبين الى زيارة الحسين عليه السلام.

وما هي الا ساعة او اكثر قليلا، تحقق له ما يرمي اليه! وباشر الاولاد بإقامة التكية على احدى ناصية الشارع، واخذوا يدعون المارة الى شرب الشاي والكعك.

وحينما سألناه عن سبب تكبده عناء ذلك احاب بعفوية، "اننا نقيم العزاء بمناسبة استشهاد الامام الحسين عليه السلام".

رسالة تربوية وإنسانية تتوارثها الأجيال

السيد خالد الموسوي: يرى في مشاركة الأطفال للعزاء الحسيني تربية وجدانية وروحية تتغلغل في وجدانهم منذ الصغر.

بعض اولئك الاطفال يحملون رموز الطف، فذاك يجسد "علي الأصغر (عليه السلام)"، وآخر يرتدي زي القاسم (عليه السلام)، وغيرهم يرفعون رايات كتب عليها "يا حسين" أو "لبيك يا عباس".

حسن، ذو الأحد عشر عاما، يشارك في موكب جده للسنة الثالثة، وتقول والدته "هو من يصر على المشاركة، ونحن فقط نهيئ له الزي، أما القرار فهو قراره".

الشيخ كاظم ساهي يعلق قائلا: "حين يهتف طفل بالحسين (عليه السلام)، فهو لا يردد شعارا، بل يعلن انتماءه المبكر لقضية كبرى".

ويلفت إلى أن "الشعائر قضية وجدانية متغلغلة بالجذور نتوارثها اجيالا بعد اجيال لذا تجد أطفالنا متعلقين بها وينتظروها بفارغ الصبر".

لا سيما مراسم عزاء "الطفل الرضيع "، ويوم القاسم، في هذه المراسم، تُلبس الأمهات أطفالهن ملابس خضراء وبيضاء خاصة، كما يرتدي الأطفال عصابة رأس مكتوب عليها اسم ياحسين.

ذات صلة

التربية الحسينية وبناء الشخصيةعاشوراء ثورة سلميةعاشوراء ودروس رفض التطبيع مع الدكتاتورالمرأة كفاعل قانوني في ثورة عاشوراء: زينب بنت علي (عليها السلام) نموذجًاالوعي الحسيني: طاقة متجددة للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد