النَّعيقُ

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (٤)

نـــــزار حيدر

2025-07-01 04:51

عاشوراء كانت فرُصةً هيَّأَها الحُسين السِّبط (ع) لِمن أَراد اللِّحاقَ بهِ لإِنجازِ واحدٍ من أَعظم أَهداف السَّماء أَلا وهوَ الإِصلاح والتَّغيير (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وبما يُحقِّقُ الحياةَ الحُرَّة الكرِيمة للإِنسانِ كإِنسانٍ بغضِّ النَّظرِ عن خلفيَّاتهِ وانتماءاتهِ واتِّجاهاتهِ.

 إِنَّ المائِز الحقيقي بينَ صاحِب الرِّسالة الإِنسانيَّة عن صاحبِ الرِّسالةِ الدنيويَّة [الحزبيَّة مثلاً أَو صاحِب الطُّموح الشَّخصي] هو أَنَّ الأَوَّل يفتَح أَبواب الفُرصة التَّاريخيَّة على مصاريعِها لكُلِّ مَن أَرادَ دخُولها لتوظيفِها من أَجلِ تحقيقِ الهدفِ السَّامي من دُونِ تمييزٍ على أَساسِ الدِّين والمذهبِ والولاءاتِ الشَّخصيَّة والعشائريَّة والمناطقيَّةِ، وهذا ما فعلهُ الحُسين السِّبط (ع) حتى نُعِتَ [بابُ الله] وهي البابُ التي لم ولن توصَد بوجهِ أَحدٍ يقصُدها.

 ولذلك التحَقَ برَكبهِ الإِصلاحي وفُرصتهِ للتَّغييرِ؛ الشِّيعي والسنِّي [حسبَ المفهومِ المُعاصِر] والمُسلمِ والمسيحي والسيِّدِ والعبدِ والأَسودِ والأَبيضِ والصَّغيرِ والكبيرِ والمرأَةِ والرَّجُلِ ومِن أَهل البيتِ (ع) ومنَ الصَّحابةِ ومِن كُلِّ العشائرِ وقتِها.

 حتَّى من صفُوفِ العدوِّ التحقَ بهِ جماعةٌ مِن دونِ أَن يُفكِّرَ (ع) بالإِنتقامِ والتشفِّي مثلاً، فلقد التحقَ بهِ عددٌ من جنودِ العدوِّ كانَ على رأسهِم وأَبرزهِم القائِد العسكري المِغوار الحرُّ بن يزيد الرِّياحي الذي ظنَّ أَنَّ الحُسين السِّبط (ع) لا يُمكِنُ بل من المُستحيل أَن يمنحهُ فُرصة الشَّهادة في سبيلِ الله بينَ يدَيهِ والرَّواح إِلى الجنَّةِ في لحظةٍ تاريخيَّةٍ غيَّرت مجرى حياتهِ إِلى نِهايةٍ هيَ على النَّقيضِ من نواياه الأَوَّليَّة وبعدَ كُلِّ الذي فعلهُ بالإِمامِ وأَهلِ بيتهِ وعيالهِ وأَصحابهِ!.

 فعِندما توجَّهَ الحرُّ نحوَ الحُسين السِّبط (ع) مُنكِّساً رأسهُ حياءً منهُ قائِلا؛ إِنِّي تائبٌ فهل ترى لي مِن توبةٍ؟! أَجابهُ (ع) نعم يتوبُ الله عليكَ! ليُحيي في قلبهِ الأَمَل.

 أَمَّا الذين يتحكَّمُونَ بفتحِ بابِ الفُرصةِ فيفتحُونها لزيدٍ ويُغلِقُونها بوجهِ عمرُو في عمليَّةِ تمييزٍ على أَساس الإِنتماء والولاء فهؤلاء هُم أَصحاب الرِّسالاتِ الفاسدةِ فهُم لا يُريدونَ الفُرصةَ للإِصلاحِ والتَّغييرِ وإِنَّما للإِتِّجارِ بعواطفِ النَّاسِ وللإِبتزازِ والتَّفرِقةِ وتمزيقِ المُجتمعِ!.

 عندما هيَّأ الحُسين السِّبط (ع) الفُرصة لم يكُن هدفهُ الذَّات ليبحثَ عن [جماعتهِ] لأَغراضٍ شخصيَّةٍ، أَبداً، وإِنَّما مثَّلَ (ع) حلقةِ الوصلِ بينَ الإِنسان الباحثِ عن الحريَّةِ والكرامةِ والرِّسالةِ التي تُحقِّقُ لهُ ذلكَ.

 يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (أَمَّا قَوْلُكُمْ؛ أَكُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ؟! فَوَاللَّه مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ.

 وأَمَّا قَوْلُكُمْ شَكَّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ! فَوَاللَّه مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا).

 فالحربُ لم تكُن من أَدواتِهِ (ع) إِلَّا إِذا تحقَّقَ قبلَها الوعيُ فلم يشأ (ع) أَن يُقاتِلَ أَحداً وهو جاهِلٌ بأَسبابِها أَو مضرُوبٌ على عقلهِ أَو مُغرَّرٌ بهِ كما كان يفعلُ الطَّاغية مُعاوية على حدِّ وصفِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ (أَلَا وإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ).

 والنَّاسُ على صِنفَينِ؛ الأَوَّل هو الذي يحمِلُ في جيناتهِ القابليَّة على الإِستحمارِ والإِستعدادِ لقَبُولِ الخِداعِ والتَّضليلِ، والثَّاني هو الذي يؤوبُ إِلى رُشدهِ بمجرَّدِ أَن يقِفَ على الحقيقةِ ويسمع الحُجَّة الدَّامِغة.

 في النصِّ التَّالي عِبرةٌ عظيمةٌ ونادِرةٌ؛

 [ومِن كلامٍ لأَميرِ المُؤمنينَ (ع) في وجوبِ اتِّباعِ الحقِّ عندَ قيامِ الحُجَّةِ 

كلَّمَ بهِ بعضَ العربِ وقَدْ أَرْسَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمَّا قَرُبَ (ع) مِنْهَا لِيَعْلَمَ لَهُمْ مِنْهُ حَقِيقَةَ حَالِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِمْ، فَبَيَّنَ لَه (ع) مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا عَلِمَ بِه أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، ثُمَّ قَالَ لَه؛ بَايِعْ! فَقَالَ؛ إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ ولَا أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ (ع) (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلإِ والْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ والْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً؟!) قَالَ؛ كُنْتُ تَارِكَهُمْ ومُخَالِفَهُمْ إِلَى الْكَلإِ والْمَاءِ! فَقَالَ (ع) فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ! فَقَالَ الرَّجُلُ؛ فَوَاللَّه مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ فَبَايَعْتُه (ع)] والرَّجُلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ. 

 أَمَّا القافِلونَ الذينَ (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) جماعة [ماكو أَوامِر] فهُم لا يُكافحُونَ من أَجلِ معرفةِ الحقيقةِ وإِنَّما يخُوضونَ الحرُوبَ الكلاميَّةَ من أَجلِ أَن يُثبِتُوا أَنَّ ما يُؤمنونَ بهِ هو [الحقيقةُ المُطلقةُ].

 حتَّى وصفهُم القُرآن الكريم بقَولهِ (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).

 فوصَفَ جِدالهُم وحِواراتهُم بالنَّعيقِ فأَغلبهُ تُهَمٌ وافتراءاتٌ وصُراخٌ خالٍ من المنطقِ والدَّليلِ والبُرهانِ!.

ذات صلة

هوية كربلاء العلميةالنهضة الحسينية.. سلطة القيم في مواجهة أوهام السلطةالمقاربات الاسرائيلية اتجاه قطاع غزة بعد المواجهة العسكرية مع ايرانلماذا يجب أن نشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟حرب الـ 12 يوماً.. صمتت المدافع وتعالى ضجيج الأسئلة والتساؤلات