بناء الشخصية الحسينية... الشعور بالمسؤولية
زينب صاحب
2015-10-22 09:59
تحل علينا ذكرى عاشوراء سنويا لنحيي القيم والمبادئ في نفوسنا ونتزود منها لنزداد قوة حيث نستطيع حل العديد من مشكلاتنا في المجتمع ونرتقي لما هو أفضل.
فكما ان الطالب الذي يدخل المدرسة في الأول الابتدائي ويتخرج من السادس منه ولكن عندما يخرج من السادس ولم يعرف جدول الضرب فقد يلومونه الوالدين والأصدقاء و... لماذا لم تتقن جدول الضرب الم تذهب الى المدرسة يوميا...؟؟ الم تقضي أياما طيلة سنوات فيها... ؟؟ الم يصرف والديك الكثير من الأموال على ذهابك اليها...؟؟ اذن انت شقي..
فالجانب الأول في قضية الامام الحسين (عليه السلام) هو الجانب العقائدي والحمد لله الجميع نعتقد بذلك ونستميت في هذا الطريق وهو بمثابة الجذر في الشجرة..
ولكن يبقى الجانب الثاني وهو الجانب الفكري والمنهجي والذي هو بمثابة الجذع في الشجرة.
ولكي لا نكون مثل ذلك الطالب يدخل محرم ويخرج وتأتي سنة وتذهب أخرى ولم نتعلم ما يجب تعلمه، فالسؤال المطروح هو كيف يمكن ان نبني شخصيتنا الحسينية؟
ونحاول الإجابة عليه في مقالاتنا القادمة..
الشخص، في اللغة العربية، هو (سواد الإنسان وغيره يظهر من بعد).
وقد يُراد به الذات المخصوصة، وتشاخص القوم (اختلفوا وتفاوتوا)، الْمُخْتَصُّ بِالشَّخْصِ، وَالْمُمَيِّزُ لِخَصَائِصِهِ الجِسْمِيَّةِ وَالفِعْلِيَّةِ وَالعَاطِفِيَّةِ.
واما تعريف الشخصية هي مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية (موروثة ومكتسبة) والعادات والتقاليد والقيم والعواطف متفاعلة كما يراها الآخرون من خلال التعامل في الحياة الاجتماعية.
وقد ذكر علماء النفس عدة مكونات للشخصية، وهي:
1- القيم التي يحملها الانسان، وهي ما تشكل الإطار الفكري والنظري للإنسان.
2- الانفعالات التي يبديها الانسان اتجاه ما يثار امامه من اثارات مختلفة، فقد يغضب أحدهم من موقف ما بينما لا يهتم آخر بذلك.
3- القدرات والاستعدادات التي يتمتع بها فبعضهم يهتم بالعمل الفكري والآخر يتمتع بالعمل البدني.
4- الميول والاتجاهات، حيث ان الناس يتباينون في ذلك، فقد يكون انسان اجتماعيا بينما انسان اخر يميل للعزلة والانفراد.
5- الشعور بإشباع الحاجات.
وكل هذه الامور مجتمعة تكشف عن شخصية الانسان. لكن الذي لاشك فيه ان كل انسان يسعى لتحقيق الشخصية الافضل، والانموذج الارقى. ووفقا لهذه المقدمة ان الشخصية الحسينية هي التي تربي نفسها في دقائق سلوكياتها ومكوناتها قيما ومبادئا مطابقة لمن حضروا واستشهدوا في عاشوراء.
الشعور بالمسؤولية
يعاني الكثير من المتصدين للشأن العام والمربين من حالة الكسل واللامبالاة عند المجتمع بصورة عامة وعند الشباب بصورة خاصة وعدم تحملهم لأقل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم.
المسؤولية في اللغة: حال أو صفة من يُسأل عن أمر تقع عليه تبعته.
والمسؤولية في الاصطلاح: التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً.
ومفهوم "تنمية الشعور بالمسؤولية" المراد به: رفع وزيادة شأن الإحساس بالمسؤولية، وإعلام الفرد أنه مسؤول.
فعليه أرى أن يسأل الانسان الحسيني نفسه ماذا فعلت بحياتي؟ ماذا فعلت بحياتي تجاه خالقي؟ وتجاه أسرتي؟ وتجاه مجتمعي ومذهبي...
المسؤولية في القرآن
قال الله تعالى: (انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان، إنه كان ظلوما جهولا).
قال الفيض الكاشاني في تفسير (الصافي): 1-المراد بالأمانة التكليف، وبعرضها عليهن النظر إلى استعدادهن، وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها، وكونه ظلوماً جهولاً لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية، وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب 2- من كونها ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أو نحوها، وعلى رأي بعض المفسرين أن هذه الآية تعني: تحمل المسؤولية إلى جانب مواجهة المشقة وتحمل الصعاب.
المسؤولية في سيرة المعصومين (عليهم السلام)
وقد تعامل الرسول الكريم (صل الله عليه واله وسلم) بمنتهى الدقة في هذا الموضوع الاستراتيجي الحساس، لدرجة انه ذات مرة كان في رحلة مع مجموعة من اصحابه فلما ارادوا ان يطبخوا الغداء، قسموا المسؤوليات فيما بينهم، ولم يعطوا للرسول الكريم أيّة واحدة منها، فنهض الرسول (صل الله عليه واله وسلم) وقال: وانا عليّ ان اجمع الحطب لنوقد به النار احتج بعض الصحابة، كيف ان رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) يتحمل مسؤولية كأي واحد منهم، الا ان الرسول الكريم رفض ان يبقى متفرجا عليهم وهم يتحملون المسؤولية من دونه، فهو اراد بذلك ان يعلم الانسان الجديد معنى ان يعيش مع الاخرين، قائلا: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
وكما نقرأ في دعاء الافتتاح: (اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه).
ومن جانب اخر كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعيش في مكة أفضل حياة، فكان مقدرا من قبل الجميع وكان يُعرف لدى الجميع بالصادق الأمين ولكن عندما جاءت المسؤولية قال: (مضى عهد النوم يا خديجة).
وقد جاء في البحوث الّتي قام بها علماء النّفس والاجتماع أنّ الشّخص السّعيد المتكيّف تكيّفاً كاملاً هو من يشعر بالمسؤولية ولديه إحساس مُتزن، سواء أكان ذلك نحو نفسه أم نحو الآخرين. أمّا غير المسؤول فهو على الأغلب لا يثق بنفسه ولا بالعالم المحيط به، ويركز اهتمامه على نفسه، وهو لذلك لا يستطيع أن يكون صادقاً في حبّه للآخرين، ولا يمكنه أن يقدم للناس المحيطين به حبّاً حقيقياً.
ومن فوائد الشعور بالمسؤولية هي:
- الإخلاص لله
- الاتقان في العمل
- الابتعاد عن الانانية
- تقدم دينه ووطنه ومجتمعه
- محبة الناس له
- الاجر الأخروي
علي الأكبر نموذج الشاب المسؤول
ان الإمام (عليه السَّلام) كان متعباً فأغمض عينيه قليلاً. رأى الامام الحسين في عالم النوم فارساً يقترب من القافلة ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم.
اِنتبه الإمام (عليه السَّلام) من نومه وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. قالها ثلاث مرّات. سمع عليّ الأكبر والده يسترجع، أي يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. وهي آية قرآنية يقولها المسلم عندما تحلّ به مصيبة. لهذا سأل علي أباه قائلاً: يا أبت لم استرجعت؟ قال الامام (عليه السلام): يا بني خفقت برأسي خفقة (أي نمتُ لحظات) فظهر لي فارس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّ أنفسنا نُعيت إلينا. فقال الابن المؤمن: يا أبت لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحق؟ فقال الأب، وهو يقسم بالله: بلى! والذي إليه مرجع العباد. عندها انبرى عليّ الأكبر ليقول بشجاعة أهل الحقّ: يا أبت، إذن لا نبالي. اِبتسم الإمام فرحاً بشجاعة ابنه وإيمانه وقال: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده. فكلام علي الأكبر: (ألسنا على الحق.. إذن لا نبالي) هو نابع من عمق الشعور المسؤولية التي يحملها. وان الانسان المسؤول يعمل بمسؤوليته مهما كانت النتائج.
فعلي الأكبر فدى نفسه من اجل ايمانه بهدفه وشعوره بالمسؤولية لتحقيق ذلك الهدف.
يذكر التاريخ ان لعلي الأكبر هجومان في ساحة المعركة الأول استمر ساعات الى ان شعر بالعطش الشديد فعاد ليستريح، واتّجه إلى والده ليعانقه مرّة أُخرى. قال عليّ وهو يعانق أباه العظيم: لقد أجهدني العطش يا أبي، فجئت لأستريح..
ولكن مشوار المسؤولية لم ينته ولابد من الاستمرار فقال له الأب وهو يبكي:
اصبر يا ولدي الحبيب... بعد قليل ستلقى جدّك المصطفى... وسوف يسقيك من ينابيع الجنّة.
فالاستمرار في حمل المسؤولية مرة ثانية جسدها الأكبر رغم ثقلها لتأتي نتائجها مهما صعبت حيث امتطى صهوة جواده وانطلق كالسهم باتجاه العدو، اخترق الفارس خطوط العدو، وغاص في قلب الجيش يقاتل بشجاعة وبسالة، لم يصمد الفرسان امامه لهذا فكر أحدهم بالغدر، اذ ان هذا هو ديدن من لايطيقون إنجازات الآخرين وتفوقهم، سدد الغادر رمحه الى ظهر علي، لأنه كان يخاف مواجهة علي وجها لوجه، وهجم عليه آخر فضربه بالسيف. شعر علي انها نهايته فصاح مودعا أباه: عليك مني السلام يا أبا عبد الله.
عندما جلس الاب عند رأس ولده الحبيب وهو يحاول أن يبتسم لأبيه: لقد سقاني جدّي بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً. وبهذه الابتسامة التي تحمل في طياتها العديد من الرسائل التي يجب أن تبث للبشرية جمعاء وهي ان الشعور بالمسؤولية تولد راحة الضمير اذ انه عمل بوظيفته الملقاة على عاتقه إضافة الى الجزاء المعنوي.
والمسؤولية تقع في ثلاثة دوائر:
1- هي دائرة الذات: إذ ان الله سبحانه وتعالى أعطى لكل فرد منا ما لا يعد من الطاقات والإمكانات، وطبقاً لتعبير العلماء فإن هذه الطاقات لا نهاية لها، بمعنى انها طاقات لا نهائية، ولا يمكن أن يكون لها حد معين تنتهي عنده، وغدا سوف يسألنا الله تعالى عن هذه الطاقات، ماذا عملت أيها الانسان المكلف؟ بهذا الفكر والقوى البدنية والروحية؟ (لا تجوز قدما عبدٍ الصراط حتى يسأل عن عمره فيما أفناه).
2- دائرة المسؤولية العائلية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) فكل فرد مكلف بعائلته، فالأم والأب مسؤولان كل منهما عن أولادهما وبناتهما ومكلفان بهم، وبتوجيههم في الاتجاه الصحيح.
3- دائرة المسؤولية الاجتماعية: الجميع مسؤولون عن تقليل الفساد الاجتماعي وهو ما يسمى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ليس مختصا بفئة او شريحة معينة وانما واجب الجميع (فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
لذا نجد في المجتمعات الأخرى حيث تجتمع مجموعة من الأشخاص ويناقشون مشكلة معينة يعيشونها، مباشرة يضعون لهم مشروع خطة، بعد عدة أيام يجدون أن هذه المشكلة تحولت إلى مشروع عمل.
فالشخصية الحسينية هي التي تحمل الشعور بالمسؤولية وتؤدي وظيفتها في الدوائر الثلاث مهما كان الطريق وعرا ومليئا بالأشواك لأنها تطمح وتهدف الى التقليل من الفساد الموجود في المجتمع.