لماذا نحب الحسين ونحيي ذكراه؟

جميل عودة ابراهيم

2015-10-22 09:55

مع الأول من شهر محرم الهجري، نعيش في رحاب الحسين (عليه السلام) على وجه الخصوص، ونحيي واقعة كربلاء الحزينة، عام 61 هجرية. ومن خلال الحسين (عليه السلام) نتذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة وعلي، وأهل بيته ممن كانوا معه في تلك الواقعة، ونتذكر أصحابه الذين استشهدوا من أجله، ونستعرض مواقف أعدائه.

ومن خلال عاشورا نفتح نافذة واسعة على تاريخ المسلمين وحاضرهم ومستقبلهم، نبحث في عقائدهم وأفكارهم، قيمهم ومبادئهم، سلوكهم ومواقفهم. وفي هذه الأيام تحديدا، يسأل الكثير منا نفسه، لماذا نحب الحسين (عليه السلام)؟ ولماذا نحيي ذكراه؟ وكيف نتأسى به؟ وكيف يمكن أن نعبر عن ذلك الحب وتلك الأسوة؟

ولد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب في المدينة المنورة، في الثالث من شعبان، السنة الرابعة من الهجرة النبوية الشريفة، واستشهد في كربلاء هو وأصحابه وأهل بيته على يد الجيش الأموي في عهد يزيد بن معاوية في 10 شهر محرم الحرام سنة 61 هـ. وإنما نحب والحسين ونواليه، لأمور خمسة، هي:

أولا: نحب الحسين لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يحبه:

خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين عليهما السلام بأوصاف تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، فهما ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الأمّة. وهما خير أهل الأرض. وهما سيّدا شباب أهل الجنّة. وهما إمامان قاما أو قعدا. وهما من العترة أهل البيت التي لا تفترق عن القرآن إلى يوم القيامة، ولن تضلّ أمة تمسّكت بهما. كما أنّهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاة من الغرق. وهما ممّن قال عنهم جدّهم: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف.

وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرسول صلَّى الله عليه وآله أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنين عليهما السلام: اللهمّ إنّك تعلم أنّي أحبهما فأحبَّهما وأحبّ من يحبّهما. وقال عثمان بن عفان في الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن جعفر: فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة. وقال أنس بن مالك ـ وكان قد رأى الحسين عليه السلام ـ: كان أشبههم برسول الله صلَّى الله عليه وآله. وفي الحديث النبي الشريف"... إنهما سيهضمان بعدي ويقتلان ظلماً وعدواناً فلعنة الله على قاتلهما، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أما أنت يا أبا محمد تقتل مسموماً مخذولا، وأما أنت يا أبا عبد الله ستقتل عطشاناً غريباً فلعنة الله على امة قتلتك يا بني".

ثانيا: نحب الحسين لأنه ابن فاطمة الزهراء عليها السلام:

نحب الحسين (عليه السلام) لأنه ابن فاطمة (عليها السلام) وما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدع فرصة أو مناسبة تمرُّ إلاّ ونوّه بعظمة الزهراء عليها السلام وإظهار فضلها وبيان مكانتها عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لكي يحثُّ المسلمين على مودتها والتقدير لها من بعده ؛ لأنها بقيته الباقية وأُمّ الأئمة المعصومين وقادة المسلمين المحافظين على رسالة الإسلام وسنة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول نبينا الأكرم محمد (ص) في حديثه الشريف (من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " فاطمة بضعة مني، من أغضبها أغضبني" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة، إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك" وروي أنّ عائشة سُئلت: أي الناس كان أحبُّ إلى رسول الله؟ قالت: فاطمة. قيل: ومن الرجال؟ قالت: زوجها.

كانت الزهراء عليها السلام المثل الأعلى في خَلْقِها وخُلُقِها وسموها وتفوّقها في كل الفضائل والصفات الإنسانية العليا على جميع نساء أهل الدنيا، حتى بلغ من كمالها أن وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراراً وتكراراً بالحورية، فسبحان من خصّها بما خصّها وفضّلها على نساء العالمين.

ففاطمة الزهراء (عليه السلام) من أهل البيت الذين وجبت علينا محبّتهم، وحبّ الزهراء عليها السلام نابع من حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها، فهي أُمّ أبيها وبضعته وروحه التي بين جنبيه، وهي ابنة الإسلام الأولى التي درجت وترعرعت في أحضان النبوة وشبّت في كنف الإمامة، وهي المعصومة من كل دنسٍ وعيب، فكانت المرأة المثلى في الإسلام، والجديرة بالاقتداء بها في كل عصر ومصر.

ثالثا: نحب الحسين لأنه ابن علي أبن أبي طالب (عليه السلام):

نحب الحسين لأننا نحب علي بن أبي طالب؟ ولكن لماذا نحب علي؟ هل نحبه لأنه وليد الكعبة؟ أم لأن الله كرم وجهه فلم يركع لصنم؟ أم لأنه أبن عم الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ أم لأنه زوج فاطمة الزهراء بنت النبي الكريم وسيدة نساء العالمين؟

أم لأنه أبو الحسن والحسين ولدا رسول الله الذي قال (إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب)؟ أم لأنه وصي رسول الله وخليفته الشرعي في أمته (أنت أخي وخليفتي)؟ أم لأن الله سبحانه وتعالى انزل فيه قرأنا وأمرنا بولايته يوم قال (إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)؟

أم لأنه أول الناس إسلاما وأشدهم دفاعا عنه؟ أم لأن النعمة تمت، والدين اكتمل بولايته التي قال فيها الله (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)؟ هل نعشقه لأنه خليل رسول الله وأمين سره وأخوه في المؤاخاة والقائل له (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي) أم لأنه شهيد المحراب؟

بعض ذلك يكفي لان نحب علي (عليه السلام) ونواليه ونشايعه ونتبعه، ولكن نحب عليا -علاوة على ما تقدم- لأنه الامتداد الطبيعي لرسول الله في أخلاقه وسيرته وسنته وسلوكه، في حركاته وسكناته. نحب عليا لأنه يحمل روح الوحي وتعاليمه. فقد قال الرسول (ص) الذي قال فيه (أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومن أراد العلم فليأت من بابها) فعلي باب الرسول، والرسول باب الوحي، والوحي باب الله جلَّ جلاله، وعليه فإن حبنا لعلي هو حبنا لله الخالق المبدع. ثم نحب علي كما يحبه غيرنا لأنه رمز العدالة الاجتماعية ونصير المستضعفين، كيف لا وهو القائل (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، فعلي لا يميز في موضوع العدالة والمساواة بين مسلم وغير مسلم، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط.

رابعا: نحب الحسين (عليه السلام) لأنه امتداد للرسالة وحافظها:

حين قدم وفد نصارى نجران يحاجج النبي (صلَّى الله عليه وآله) في دعوته إلى الإسلام وعقيدة التوحيد الخالص وامتنع عن قبولها رغم وضوح الحق أمر الله تعالى بالمباهلة، فخرج النبي (صلَّى الله عليه وآله) إليهم ومعه خير أهل الأرض تقوىً وصلاحاً وأعزّهم على الله مكانةً ومنزلةً: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ليباهل بهم أهل الكفر والشرك وانحراف المعتقد، ومُدَلّلاً بذلك ـ في نفس الوقت ـ على أنّهم أهل بيت النبوة وبهم تقوم الرسالة الإسلامية، فعطاؤهم من أجل العقيدة لا ينضب. وما كان من النصارى إذ رأوا وجوهاً مشرقة وطافحة بنور التوحيد والعصمة؛ إلاّ أن تراجعوا عن المباهلة وقبلوا بأن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

وفي حياة النبي (صلَّى الله عليه وآله) والرسالة الإسلامية مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما (عليهم السلام) ومعاني ودلالات عميقة لأنه البيت الذي سيحتضن الرسالة ويتحمّل عبء الخلافة ومسؤولية صيانة الدين والأمة. فقد ورد في الحديث النبوي الشريف: "حسين منّي وأنا من حسين" فأمّا أنّ الحسين من النبيّ فهذا لا خلاف فيه، كون الحسين سبط النبي وحفيده وأبن بنته فاطمة (عليه السلام) ولكن كيف يمكن أن يكون الجدّ من الحفيد أو السبط؟

لا شكّ أنّ النبيّ يقصد بذلك استمرار رسالته صلى الله عليه وآله. وهذا الكلام النبوي الشريف مقتبس من ذاك التعبير المكتوب على ساق عرش ربّ العزّة! لأنّ بقاء اسم النبي صلى الله عليه وآله يُرفع من على المآذن (أشهد أنّ محمداً رسول الله) إنما كان بتضحيات الإمام الحسين سلام الله عليه. ولولا الإمام الحسين سلام الله عليه لمحا معاوية ويزيد وآل مروان من بعدهما هذا الذكرَ، ولعادت الجاهلية من جديد، فهكذا كان تخطيط معاوية، ولكن الله تعالى شاء أن يرى الإمام الحسين قتيلاً! لتعلّق إرادته تعالى بإنقاذ الدين بأساليب طبيعية غير غيبية. وهكذا كان إنقاذ دين الله متوقّفاً على دم الحسين سلام الله عليه، ولولا شهادة الحسين وأهل بيته لما بقي للإسلام من أثر..

خامسا: نحب الحسين لأنه رمز الحرية والسلام:

إذا كان المسلمون بمذاهبهم وتوجهاتهم المختلفة، يحبون الحسين (عليه السلام) لأنه ابن الرسول وفاطمة وعلي، ولأنه امتداد للنبوة والرسالة، فان العديد من غير المسلمين يحبون الحسين لا لأنه مسلم، بل لأنه يمثل لهم رمزا للشجاعة والحرية والسلام والعدالة، تحت شعار (هيهات منا الذل).

إن الحسين (عليه السلام) مثال للقيم الإنسانية النبيلة كقيمة العدل والحرية والحق والجهاد والتضحية... فإحياء ذكراه إنما هو إحياء لجميع هذه القيم.. فالله سبحانه إنما يحيي في القرآن الكريم ذكرى الأنبياء والصالحين، مثل: هابيل ونوح وإبراهيم ولقمان وأيوب (عليهم السلام) لكي تحيى ـ بإحيائهم ـ القيم التي جسدوها في حياتهم.. فإحياؤنا لذكرى سيد الشهداء.. الحسين بن علي(عليهما السلام) إحياء لكل تلك القيم النبيلة التي تمثلت في شخصه الكريم وفي أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي