علمتنا عاشوراء.. بر الوالدين

آلاء هاشم القطب

2015-10-22 09:51

في واقعة لم تتجاوز الساعات.... لكن ذكراها واثارها مستمرة الى يومنا هذا، واقعة غرست تعاليمها كشجرة مدت جذورها من سنة 61 هجرية الى يومنا هذا، وستبقى هذه الجذور. مستمرة بالتأصل والامتداد لغرس المبادئ والقيم داخل كل من يحب أن ينهل ويقطف من ثمار هذه المدرسة العظيمة.

واحد ابرز ثمارها هو بر الوالدين.. ففي محنة هي الاصعب من نوعها.. وفي تحدٍ لم يرد له مثيل.. وفي موازنة يرفض اي شخص سوي ان يضع لها قياس.. بين طرفين أحدهما على الحق والاخر على الباطل والفجور والفسق، يبرز الموالون مع الحسين سبط الرسول الكريم للدفاع عن الدين والعرض، ليستشهدوا واحدا بعد الاخر بين يدي الحسين يضعون نصب اعينهم الشهادة، والفوز بالنعيم وجنة الخلود.

ولو تمعنا قليلا في هؤلاء الابطال لوجدناهم جميعهم ذوي عقيده ومبدأ راسخ باعمار تسمح لهم بأن يتخذوا قرارات صعبة كقرار الاستشهاد.

اما القاسم إبن الامام الحسن عليه السلام الولد ذو الثلاث عشرة سنة، اليتيم من عمر السنتين الذي تربى في حجر عمه الحسين عليه السلام الذي كان نعم المربي والكافل له، ففي يوم عاشوراء تذكر لنا الروايات كيف ان الحسين عارض رغبة القاسم في النزول للمعركة والقتال ضد الاعداء على الرغم من إلحاح القاسم عليه السلام، لكن استمر رفض الامام الحسين الى أن تذكر القاسم بأن أباه قد ربط له عوذةً في كتفه الايمن، وقال له اذا اصابك ألماً وهماً، فعليك بحل العوذة وقراءتها وفهم معناها، واعمل بكل ما تراه مكتوباً فيها. فقال القاسم في نفسه: مضت سنون ولم يصبني من مثل هذا الالم، فحل العوذة وفضها ونظر إلى كتابتها واذا فيها: يا ولدي اوصيك انك اذا رأيت عمك الحسين (عليه السلام) في كربلاء وقد احاطت به الاعداء فلا تترك الجهاد مبارزة أعداء اللـه واعداء رسولـه، ولا تبخل عليه من روحك ومن دمك، وكلما نهاك عن المبارزة عاود ليأذن لك لتحظى بالسعادة الابدية.

فقام القاسم من ساعته واتى الحسين وعرض ما كتب الحسن على عمه الحسين (عليهما السلام)، فلما قرأ الحسين العوذة بكى بكاء شديداً، وقال: يا ولدي أتمشي برجلك الى الموت؟.

قال: فكيف لا يا عم، وانت بين الاعداء بقيت وحيداً فريداً لم تجد حامياً ولا صديقاً. روحي لروحك الفداء، ونفسي لنفسك الوقاء.

في النظر للحوار الذي جرى بين القاسم والامام الحسين عليهما السلام نجد ان ارتكاز الالحاح بالطلب للنزول الى ساحات القتال هو لتنفيذ وصية ابيه الامام الحسن اولا وبلا تهاون او تباطؤ، وان كان هو محبا للقتال والدفاع عن حرم رسول الله خاصةً بعد ما علم من عمهِ الحسين بأن عبد الله الرضيع سيقتل وسيصل الجيش للمخيمات وللنساء.

وهنا نجد ان القاسم عليه السلام استجاب لرغبة ابيه في استشهاده عاملا بالبر الذي نص عليه القرآن الكريم وان كانت وصية اباه سبقت الواقعة بسنوات عديدة إلا انه ظل عاملا بما امر طائعاً صابراً وشاكراً.

لقد اشار الباري عز وجل في كتابه الكريم في آيات عديدة الى طاعة الوالدين ومن بينها: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: 23-24).

وذكرت الطاعة، والبر بالوالدين في سورة الصافات بلون اخر حيث قال تعالى:

{لَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102).

كذلك اشار الرسول في مواقف ومواطن عديدة لأهمية بر الوالدين وجعلها بعد الصلاة من حيث التسلسل بالاهمية.. عن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: سأَلتُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْه والهِ وسَلَّم: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى؟ قال: «الصَّلاةُ على وقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: «بِرُّ الْوَالِديْنِ » قلتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: «الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ».

ان من ابرز ما ذكر من الارشادات في كيفية حقوق الوالدين في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي:

الطاعة والتواضع لهما ومعاملتهما برفق ولين وخفض الصوت عند الحديث معهما واستعمال الكلمات الطيبة والرقيقة والمعاملة بالإحسان عند بلوغهما الكبر وتلبية طلباتهم وان كانت كثيرة وصعبة او احتاجت الى عناء وجهد ففي اتباع هذه الخطوات نطمح في ان نرد ولو جزء بسيط من الدين الواقع على عاتقنا اتجاه ما فعلوه لتربيتنا وتنشئتنا.

من خطوات ومسيرة ال البيت عليهم السلام نتعلم مناهج الحياة ففي سلوكهم ارشاد لنا وتوجيه حتى وهم في أصعب واقسى الظروف والمحن التي تعترضهم، لذا على محبيهم ان يستفيضوا من خصالهم وصفاتهم الرحيمة، وما احسنها من صفات وما اقومها من خصال.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي