المشي الى كربلاء ولحظة تحول نحو الإصلاح في كل شيء

محمد علي جواد تقي

2021-09-26 07:13

الصلاح يقابله الفساد، والإصلاح صيغة مبالغة لمواجهة الفساد في الثقافة العامة نظراً لشدّة الحاجة اليه، لاسيما في بلد مثل العراق الذي ينهشه الفساد في كل مكان، وفي المقدمة؛ مؤسسات الدولة التي يفترض انها قمة كيان الأمة والشعب، وبسبب ما أوغله هذا الفساد من طعنات في جسد الشعب العراقي، فتحول الفساد في الدولة الشغل الشاغل لجميع الناس، وتم إسدال الستار على موضوع الفساد بأبعاده الاجتماعية والنفسية الواسعة، وإلا فان الفساد يمثل بالدرجة الاولى اشكالية ثقافية في أي مجتمع وشعب بالعالم، يقف ورائه خلل في منظومة القيم والأحكام والتقاليد.

مسيرة المشي في زيارة الاربعين تمثل فرصة لتجربة الإصلاح بأوسع ابعادها كما أراد لنا الامام الحسين، عليه السلام، "الإصلاح في أمة جدي"، فهو إصلاح اجتماعي بامتياز، أكثر مما هو إصلاح سياسي لما أفسده الدهر في النظام السياسي الحاكم آنذاك.

إن كل حركة وسكنة، وكل كلمة وسلوك وموقف، من صاحب موكب وهيئة، او من زائر، او من سائق حافلة، او من شرطي، او عامل نظافة، او حتى من طفل وامرأة، خلال هذه المسيرة المليونية تمثل تجربة فريدة لتجربة الإصلاح الاجتماعي ليمتد مع الايام والأشهر القادمة.

المواقف الإصلاحية لكل صغيرة وكبيرة بمنزلة شتلات خضراء تنمو وتكبر لتترك بصماتها على الاخلاق الاجتماعية بشكل عام للاعوام القادمة، وربما للعام القادم، فمن ينصب موكباً –مثلاً- ليخدم من خلاله زوار الامام الحسين هذه الايام، فانه يفترض ان يكون ضمن خدمة الامام و زوار، والحيّز الذي يعمل من خلاله، ما هو إلا فرصة لنجاحه في هذه المهمة، فاذا تحوّل هذا الحيّز المكاني الى غاية قصوى دون غيرها (الخدمة الحسينية) فانه سيكون مهدداً بالانحراف نحو الاستئثار وحبّ الأنا، ربما دون شعور منه.

وكذا الحال بالنسبة للاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية من قبل اصحاب المواكب الخدمية، وايضاً من قبل الزائرين، فالقضية تتعلق بالمال والجهود المبذولة، كما له مدخلية في قيمة الشكر وعرفان النعمة، وتوخي الحذر من الاسراف.

ومن خطوات الإصلاح في طريق المشاية؛ الصلاة في أوقاتها، وهي عمود الدين الذي من أجله ضحى الامام الحسين، وأهل بيته واصحابه من أجله. وقد أكد العلماء على أن وجود الصلاة تحديداً، وسائر الفرائض والاحكام والقيم حيّة نابضة في ثقافتنا، بفضل تضحيات الامام الحسين، وإلا كانت تتحول هذه الفرائض ومنها؛ الصلاة، الى ما يشبه الطقوس الدينية في سائر الاديان والمذاهب، كل ما فيها؛ حركات بدنية، وكلمات، وأماكن جميلة، لا تقيم ارتباطاً بحياة الانسان ولا {تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، وهذه الفحشاء والمنكر، هي قاعدة كل فساد مالي أو أخلاقي، وحتى سياسي ايضاً.

إن توقف الزائرين المشاة في الطريق الطويل الى كربلاء، لحظة سماعهم صوت الأذان لإداء هذه الفريضة العظيمة، لهو أعظم تجربة إصلاحية تقوم بها جماهير مؤمنة ومتحفزة وموالية لقضية مثل قضية الامام الحسين، وتشكل لوحة رائعة تأسر العالم بمدى النجاح في التأسيس لقاعدة إصلاحية متينة ينطلق منها مكافحة الفساد بكل اشكاله، لأن هذه الصلاة هي التي تضرب على أيدي المرتشين، وتقف بوجه كل من يعظم غير الله في دائرته الحكومية، او في جماعة سياسية، و يروج لشراء الضمائر ومصادرة الرأي الحر، بل واستسهال الجهل والتسطيح، فالصلاة تمثل قمة الوعي واليقظة بما يجري وما سيكون، "فالمؤمن ينظر بنور الله"، قال الإمام الباقر، عليه السلام.

ربما يتوقف البعض للسؤال؟!

ماذا لو تعرضنا للرد العنيف بأن "هذه حرية شخصية"، أو هكذا اريد المشاركة في العزاء على الامام الحسين؟!

قبل الخوض في حيثيات الجواب، وربما لا يصعب عن اذهان القراء الكرام لارتباطه بالثقافة الحسينية، لابد من التذكير بأن الإصلاح السياسي، بتنظيم التظاهرات والاحتجاجات في الشوارع، والمطالبة بعزل هذا الوزير وذاك الرئيس، ليس بأسهل من الإصلاح الاجتماعي، لاسيما ونحن نتكلم فيما بيننا في الطريق، ولم نصل الى مكتب الوزير او النائب او أحد من رجال السياسة وقادة الاحزاب، وقد تنبه الكثير من اصحاب الرأي والفكر مؤخراً أن وجود الفساد السياسي ونهب المال العام وغيره، إنما يتم على قاعدة الفساد الاجتماعي، حيث المظالم، والطبقية، والاستئثار، وعبادة الذات، ولا أدلّ على وجوه الفساد واللصوصية المتمخضة من هذا الواقع الاجتماعي السيئ.

بامكان الزائرين المشاة هذه الايام تقديم مصداقية عملية للحديث النبوي الشريف: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، بالوقوف أمام أي خطأ مهما كان صغيراً، يبدأ من رمي قدح الماء الصغير الذي يوزع بالآلاف للزائرين، او إناء الطعام بعد الانتهاء على الارض، والحرص على البحث عن حاوية النفايات، وهكذا سائر مفردات السلوك الفردي لما ينمّ عن شعور بالمسؤولية إزاء الآخرين واحترام لحقوقهم ومشاعرهم، لنكون على استعداد في المرحلة القادمة لمواجهة الفساد في المراتب العليا بكامل وعينا وفهمنا وعزيمتنا، لأننا حيئنذ سنعرف ماذا نريد؟ وما هو الثمن المترتب عليه، فلا يهمنا آنئذ شيئاً سوى الإصلاح الحقيقي والشامل.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي