مركز المستقبل ناقش أسس شرعية الحكم والحاكم في معطيات النهضة الحسينية
مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
2021-09-11 02:17
تحرير/ عمر الصالحي
ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (أسس شرعية الحكم والحاكم.. قراءة في معطيات النهضة الحسينية)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
قدم الورقة النقاشية الدكتور والأستاذ المساعد طارق عبد الحافظ الزبيدي في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، وأدار الجلسة الحوارية الأستاذ حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:
"عندما يحاول أي مفكر أو باحث أن يكتب عن شخصية كشخصية الإمام الحسين (ع) وثورته التي تحمل كل معاني الإنسانية سوف يشعر بأنه أمام شخصية فريدة وأمام حادثة قد هزت الإنسانية وليس المجتمع الإسلامي فحسب، ولذلك نجد إضافة إلى الكثير من المفكرين الإسلاميين ذهب الكثير من المستشرقين أيضاً إلى الاهتمام بدراسة وتحليل نهضة الإمام الحسين (ع) فكراً وممارسة، إذ يُعد مدرسةً متميزة للتضحية والفداء من أجل المبادئ والأخلاق الإسلامية، ورمزاً لتحدي الظلم والاستبداد والعبودية.
وهنا قد نكون أمام سؤالين مهمين، الأول: يتمحور حول أهم المعايير التي تحدد شرعية الحكم والحاكم؟، والثاني: ينصب على كيفية الاستفادة من خطاب الإمام الحسين (ع) في بناء حكم صالح؟.
وقبل الدخول في تفاصيل الورقة البحثية توجد ملاحظة نعتقدها مهمة بخصوص استحضار النهضة الحسينية وقرأتها من وجهة نظر معاصرة ومحايدة، نجد أن الإشكالية اليوم لا ترتبط بأعدائه الذين قتلوا وظلت سيرتهم سوداء في كتب التاريخ، بل أن المشكلة الحقيقية اليوم ترتبط مع ممن يدعي إتباعه وإتباع نهجه بالقول دون الفعل، ونقول هنا ونؤكد على أن المجموعة الأولى انتهت في حين الثانية موجودة وقد تسيء إلى الإمام الحسين وقد تساهم في تشويه فحوى النهضة ومبادئها سواء بقصد أو دون قصد، مما يستدعي متابعة ممن يدعي الحب والاقتداء أكثر ممن يدعي العداء والبغضاء، كون الجهة الثانية لا تحسب ولا تؤثر على النهضة الحسينية الدائمة على مر التاريخ في حين الأولى تؤثر تأثيرا مباشرا خاصة إذا ما تم توظيف النهضة الحسينية لدواعي شخصية أو سياسية.
أوقدت ثورة الإمام الحسين (ع) ضد النظام الاستبدادي الأموي شعلة من الأفكار التحررية في أعماق التاريخ منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، أحدثت من خلالها انعطافه كبرى في المجتمع والتاريخ الإسلامي ونهضة في العقول والأفكار والقلوب، تجلت فيها ثورة الفكر الإنساني على النظام القبلي العنصري الذي مارس شتى أنواع وأساليب الترهيب والترغيب للاستئثار بالسلطة وتوريث الحكم بعيداً عن مبادئ الإسلام والتزاماته في المساواة وضمان حقوق المستضعفين، متمادياً إلى حد إغفاله مبدأ الشورى وإلغاء التشريع الثوري الإسلامي القائم على أساس تحرير العبيد.
وعندما نقرأ ونشاهد اليوم حالة السياسات القمعية الموجودة في معظم الأنظمة السياسية في البلدان العربية الإسلامية ونقرأ ونشاهد في مقابل ذلك الثورات الشعبية العربية التي اندلعت منذ ربيع السنوات الماضية (منها استطاعت أن تسقط الأنظمة، وأخرى هزت عروشها) سنستذكر بكل وضوح فكر الثورة الحسينية ونستلهم منها الكثير من الدروس والعبر كمسألة الإصلاح، ومسألة الحرية، ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسألة مقاومة الظلم والطغيان، ومسألة تحمل المسؤولية الاجتماعية، وغيرها من المسائل والقضايا المعاصرة التي تؤثر في مسيرة الشعوب والأمم.
ولذلك نقول أن ثورة الإمام الحسين كفكر وممارسة لم تقتصر آثارها على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها بل امتد تأثيرها لكل شعوب العالم، فهي أزلية وباقية إلى الأبد لأنها امتدادا للرسالة النبوية الشريفة التي جاء بها سيد الخلق النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
ولعل أبرز ما يميز ثورة الإمام في إنها جسدت كل القيم الإلهية والإنسانية تجسيداً رائعاً وليس غريباً وقائدها تربى وتخرج في أحضان النبوة ونهل من نقاء سيرتها، وكميزة لثورة الإمام الحسين (ع)، نجد أن المؤرخين لم يسموها بالثورة الانقلابية على الطاغوت فحسب، وإنما أعطوها بعداً أكبر عندما أسموها بالثورة الفكرية والجهادية والإنسانية، لأنها اتخذت من المعاناة الإنسانية والموت فكراً وطريقاً للآخرين الذين لم يعوا حقيقة الجور من حاكم ظالم أو من حاكم آخر لا يعي حقيقة الإنسان وما يريده وما يستوجب عليه عمله، وميزة أخرى يجب أن تذكر في هذا السياق في كون هذه الثورة تعتبر نقطة تحول غيرت طبيعة العلاقة بين الحاكم الظالم المستبد وبين المسلمين الذين يرفضون اغتصاب الحكم ومبايعة الحكام الفاسدين.
وقدر تعلق الأمر بالإجابة عن السؤال الأول المتضمن (أهم المعايير التي تحدد شرعية الحكم والحاكم)، نؤكد على أن أهم المعايير الدولية الديمقراطية المعاصرة لا تختلف عن المعايير التي طالب ودعا إليها الإمام الحسين (ع) في مواجهته السلطات الاستبدادية القائمة وهي تعد ليس مستحبات بل ضرورات واجبة الوجود، لعل من أبرزها ما يلي:
1- ضرورة حصول السلطة على الرضا والقبول الشعبي.
2- ضرورة مقاومة الظلم والفساد.
3- ضرورة تمكين الفقراء.
4- ضرورة تحقيق العدل والإنصاف.
5- ضرورة ضمان الحريات والحقوق.
المعايير أعلاه جاهد الإمام الحسين (ع) من أجلها واستشهد دفاعاً عنها، لذلك هذه المعايير يجب أن تكون مقياساً لأي حكومة ترغب بالحصول على الشرعية الشعبية والقبول والاعتراف المحلي والإقليمي والدولي.
وقدر تعلق الأمر بالإجابة عن السؤال الثاني المتضمن (كيفية الاستفادة من خطاب الإمام الحسين (ع) في بناء حكم صالح)، نؤكد هنا أن بناء الحكم الصالح الرشيد هو أهم مطلب من مطالب الإمام الحسين (ع) الإصلاحية بمعنى لو افترضنا جدلا أن الإمام الحسين (ع) موجود بيننا سوف لن يتأخر عن اعتماد أفضل الطرق وأنجح التجارب المعاصرة والتي تحقق لنا نظاماً للحكم يأخذ بنظر الاعتبار التغييرات المعاصرة وفق الواقع، وممكن أن نستنتج كيفية الاستفادة من نهضة الإمام الحسين لبناء نظام حكم صالح وفق عدد من النقاط المهمة والتي اعتمدها الإمام الحسين (ع) في منهجه وخطابه، لعل من أبرزها ما يلي:
1- الخطاب الوحدوي.
2- الدعوة إلى الحكمة والموعظة.
3- تحمل المسؤولية الأخلاقية والدينية.
4- تحقيق التكافل الاجتماعي.
5- محاربة الفساد الإداري والمالي.
وفي الختام لابد لنا من تسليط الضوء على مسألة غاية في الأهمية تتعلق بمنطق الضعف والقوة، فعندما أطلق غاندي مقولته الشهيرة (تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً لانتصر) لم يقصد الضعف بمعنى الوهن أو الجبن إنما انطلق من مفهوم فلسفته ونظريته في اللاعنف إذ إنه هنا لا يعني ظاهر القوة إنما يعني جوهر القوة لأنه ركز على نظرة الضعيف الذي يمتلك رؤى وإستراتيجية فكرية وثقافية وفلسفية تبنى على رفض الظلم والاستعباد بمعزل عن النتائج والخلفيات، التي قد تتبلور لاحقاً في موقف فكري وإيديولوجية تمد الضعيف بعامل القوة الهائلة بحيث ترعب الآخر المتغطرس الذي يدعى الاعتماد على القوة مصحوبة بأدوات القمع، ولهذا أراد الإمام الحسين (ع) أن يقول إلى كل ظالم مهما طال به الزمن ليس له إلا أن يتوقف عن ظلمه وتجاوزه وليعرف الناس حقيقته ولو بعد حين، لذلك نؤكد على أن أي نظام يُبنى على الظلم ينتهي بالخراب والأمثلة والشواهد كثيرة.
وفي ظل الظروف التي تعيشها معظم الشعوب الإسلامية المغلوب على أمرها، نقول ونؤكد قولنا بأننا بحاجة إلى إرادة قوية لإعادة بناء ذواتنا وأفكارنا، ومن تجارب الماضي نستطيع أن نستخلص نتيجة وهي أن للأب والأم دور في بناء ذات الإنسان، ولكي نبني شخصيات إنسانية تحررية تستمد مبادئ تكوينها من واقع آل الرسول (ص)، علينا أن نثقف الآباء والأمهات قبل الأبناء على هذه الأسس والمبادئ ليغرسوها في الأجيال القادمة، ولاسيما ثورة الإمام الحسين (ع) التي نستطيع أن نجد فيها بغيتنا المرادة لما حوته من مبادئ وقيم إنسانية وأخلاقية في جوانب مختلفة.
ولهذا فثورة الإمام الفكرية ليست ككل الثورات فهي ثورة شاملة لإصلاح مجتمع كامل، وبناء نظام سياسي رائع، والأهم ما فيها إنها لم تنتهي باستشهاد قائدها ومنظرها برغم التيارات المعادية المتلاحقة للثورة، بل على العكس أخذت تتجدد حيناً بعد حين لما حققته من إنجازات كبرى على مستوى الفرد والمجتمع وهذا ما نحتاجه في توظيف الثورة من خلال رؤية المتصدين في يومنا هذا لمصير الجبابرة والطواغيت".
ولإغناء الموضوع بالمزيد من الأفكار تم طرح السؤالين الآتيين:
السؤال الأول/ ما هي المعايير التي تحدد شرعية الحكم والحاكم؟.
السؤال الثاني/ كيف نستفيد من خطاب الإمام الحسين (ع) في بناء حكم صالح؟.
المداخلات
الشرعية النصية وشرعية الشورى
الدكتور أسعد كاظم شبيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة:
"إن شرعية الحكم في تصور الإمام الحسين عليه السلام، تتأتى من مسألتين: الأولى الشرعية النصية والاختيار الإلهي، والله أعلم حيث يجعل رسالته، أما المسألة الثانية فتكون من شرعية الناس وإجماع أهل الحل والعقد والشورى على الحاكم، من هنا فعندما ثار الإمام الحسين بن علي عليه السلام على سلطة بني أمية وحكم يزيد بن معاوية لان يزيد كان يفتقر الشرعية لكلا من النصف الأول والنصف الثاني من الشرعية بل الخطر من ذلك أن يزيد كان فاسقا ومتجاهرا بالفسق وهو ما يسمى في الفقه عند كل المذاهب بالكفر البواح، لذا استجوب العقل والدين أن يخرج الحسين بن علي سلطة غير شرعية وغاشمة مثل سلطة يزيد بن معاوية.
أما عن الحاكم الصالح فيرى الإمام الحسين بن علي أن من ضرورة الحاكم أن يكون الأفضل من بين الناس لقبح جعل المفضول رئيسا للفاضل وان يكون منزها عن الكبائر والصغائر".
صفات الحاكم الذي يمسك زمام الأمور
الباحث حسن كاظم السباعي:
"لقد حدَّد الإمام الحسين عليه السلام صفات الحاكم الذي لابدَّ أن يمسك بزمام الأمور وذلك من خلال أول خطاب قام به في المدينة المنورة حينما دُعي إلى بيعة يزيد من قبل والي المدينة، فالأشياء بأضدادها تعرف، وحينما وصف أمير المؤمنين عليه السلام العاقل بقوله: "هو الذي يضع الشيء مواضعه"، فقيل له صف لنا الجاهل، فقال عليه السلام: "قد فعلت"، أي بتركه لوصف الجاهل واكتفائه بوصف العاقل أراد القول إن الأمور بأضدادها تُعرف؛ فالجاهل هو الذي لا يضع الشيء في مواضعه.
وهكذا في الخطاب الحسيني الأول حينما قال سيد الشهداء عليه السلام: "إنّا أهل بيت النبوة.. بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله"، فإنَّه عليه السلام بوصفه للحاكم الذي امتنع عن بيعته قد أعلن أيضًا عن صفات المؤهل للحكم. ولو تأمَّلنا في هذا الخطاب سنرى أنَّ نظرته سلام الله عليه بعيدة المدى وعميقة المعنى؛ فالحاكم (الإسلامي) الفاسق الذي يشرب الخمر ويركب الفجور ويقتل النفس المحترمة بالقمع والتعذيب والسلاح وما شابه ماهو إلا منافق يقوم بدور مسرحي ويمثل مقام الحاكم الديني، ومن هنا فإنَّ الهجوم لابد أن يكون عليه لا على أصل الدين الذي تلبّس هذا الحاكم بلباسه. ومن هنا ونحن في هذا الزمن نرى من يحكم باسم الدين ولكن ما يقوم به فعلا هو مغاير للدين فعلينا معارضته شخصيًا لا معارضة أصل الدين. لأن عداء الدين هو أحد أهداف هذا المنافق الذي يحكم باسم الإسلام. ومن هنا نرى جهلة الناس يخرجون من دين الله أفواجًا تحت إدارة حكومة تحكم باسم الدين، وبذلك فإنَّهم يعينون الحاكم على أنفسهم عرفوا ذلك أم لم يعرفوا.
وفي خطاب آخر؛ وفي ذروة المعركة في عاشوراء خاطب الإمام تلك الشرذمة المتمثلين بالدين قائلًا: "اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدًا، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم.."؛ نرى أن الإمام سلام الله عليه قد وضع أولئك القوم في صف واحد مع الذين يؤمنون بالله ولا يعبدونه حق عبادته، ويمارسون الشرك والكفر بأنواعه وألوانه، مما يعني أن الذي يتمظهر بالدين والإسلام مهما أتقن التمثيل فإنّه ما لم يتمسك بأخلاق الدين وقوانينه وقواعده، سيكون في مصاف من لا يؤمن بالدين، وبعبارة أُخرى؛ فإنَّ مفردات الإلحاد والوثنية تترادف مع مفردة (المسلم) المنافق لكنه بعيد كل البعد عن هذا الدين العظيم".
اقتران الشرعية برضا الناس
الدكتور الباحث حميد الطرفي:
"لا اختلاف بين الإسلام وغيره في مبدأ شرعية الحكم والحاكم، ففي الإسلام وفي مذهب أهل البيت عليهم السلام بالذات وان كان الحاكم منصوباً من الله ولكن لابد أن يقترن ذلك برضا الناس وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه واله لأمير المؤمنين علي عليه السلام: "يابن أبي طالب لك ولاء أمتي فإن ولوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه فإن الله سيجعل لك مخرجا" فالولاية الإلهية لا تتحول إلى ولاية سياسية فعلية إلا برضا الناس واختيارهم فأي حكم يقوم على أساس القوة ليس حكماً شرعياً، وحتى النظام السياسي القائم في إيران حالياً والمستند على نظرية ولاية الفقيه فانه يقوم على مبدأ رضا الجمهور أولاً ثم الأخذ بأحكام الكتاب والسنة لذلك كانت التسمية (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) فهي جمهورية تأخذ رضا الجمهور كأساس ثم تنطلق إلى الحكم بمبادئ الإسلام. ولا بد أن يُستدام هذا الرضا عبر آليات مختلفة منها تأييد ورضا أهل الحل والعقد أو لنقل مجلس الشورى أو البرلمان الذي يتكون أعضاؤه من صفوة منتخبة من الجمهور دورياً وهم بدورهم يحاسبون الحاكم ولكن وفق أية معايير يحاسبونه ويراقبونه؟ هنا يأتي مفهوم آخر اسمه المشروعية وهو عمل الحاكم وفق الكتاب والسنة في الإسلام ووفق القانون الأعلى (الدستور) في النظم الحديثة فأي عمل يقوم به الحاكم خارج إطار الدستور يعد عملاً غير مشروعاً ويخل بشرعية الحاكم، وعند أهل السنة والجماعة فيجوز أن يأتي الحكم بالغلبة والقهر ويعد ذلك شرعياً شريطة أن يُستدام برضا الجمهور ولا شرعية مادام الجمهور يلعن الحاكم والحاكم يلعن الجمهور على حد وصف ابن تيمية، وفي النظم الحديثة هناك من يعطي شرعية للحكم تسمى الشرعية الثورية وتتمثل بإسقاط نظام سياسي معين خارج الأطر الدستورية المقررة كأن يكون عبر احتجاجات شعبية عارمة وهذه الاحتجاجات تمثل شرعية للنظام الجديد ولكن يجب أيضاً أن تستدام هذه الشرعية بانتخابات أو استفتاءات يُنيب فيها الجمهور من يراه ممثلاً له أو يصوت بنعم أو لا للنظام الجديد.
وهناك نوع من الشرعية يسمى شرعية الإنجاز كأن يأتي نظام سياسي بانقلاب عسكري يطيح بنظام سياسي دستوري فمثل هذا النظام ليس شرعياً لكنه إن جاء بمنجزات استطاع أن يغير قناعة الجمهور وتكسبه الرضا بالحاكم والحكم الجديدين فيكتسب النظام الشرعية فتراه يستمر عقوداً برضا الناس واختيارهم وليس بالترهيب والإجبار.
الحسين عليه السلام وضع حداً فاصلاً بين نظام سياسي يدعي الشرعية وبين نظام لا شرعي بالمرة، فالنظام الذي يدعي الشرعية اعتمد في تحقيق رضا الجمهور على ألاعيب وخدع سياسية ودينية من جانب ووقائع على الأرض من جانب آخر فمعاوية قد حصل على تنازل الخليفة الشرعي وهو الإمام الحسن عليه السلام عبر الصلح المعروف ثم قام بمهادنة الجمهور بدهاء وهو المعروف بقوله حين سُئل كيف تمكن من حكم أهل الشام أربعين عاماً فقال: "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خلّيتها وإن خلوا مددتها".
أما حكم يزيد فالحسين عليه السلام قطع الطريق على شرعيته بثورته وبقوله المدوي "مثلي لا يبايع مثله" فالبيعة اعتراف بشرعية الحاكم خاصة وإنها تأتي من سيد أهل الحل والعقد ذاك هو أبن أمير المؤمنين عليه السلام لذا كان الحسين حازماً وجازماً وحاسماً في رأيه أن يزيد لا يصلح أن يكون حاكماً على المسلمين بل هو فاسق فاجر وأن عملية توريث الحكم بهذه الطريقة بدعة جديدة لم تألفها سنوات الحكم السابقة ولم يرد بشأنها نص ديني في الكتاب وان الموت أهون عليه من مبايعة حاكم ظالم لا يتمتع بأية شرعية إذ قال: "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما". بقي أن نقول إن من النواتج العرضية للحكم الشرعي هي العدل والمساواة أمام القانون وغالباً ما يستمر النظام السياسي لمدة أطول من قرينة النظام اللاشرعي الذي يحتاج إلى الظلم "إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف" فالملك يبقى مع العدل ولا يبقى مع الظلم".
القبول هو مصدر الشرعية
الدكتور حسين السرحان باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
"الحكم هو فلسفة إدارة الدولة أو إدارة شؤون الأمة وفق نسق مؤسساتي قيمي معين، وأن فلسفة الحكم وفق الأنظمة الحديثة تحصل على موافقة الشعوب بالدرجة الأساس عبر الاستفتاء على إطار دستوري وتشريعي، ومن المؤكد إذا ما تم مقارنة أنظمة الحكم الحالية مع الأنظمة التي كانت في عصر الإمام الحسين (ع) فهي تختلف، لكن هذا لا يعني بعدم وجود مقاربة بالإمكان الاستفادة منها منذ واقعة الطف إلى وقتنا الحالي، شرعية الحكم كانت تتحصل أو تتأتى من خلال البيعة وهذا الإطار كان هو النسق السائد في تحصيل شرعية الحكم، ولا أتصور أن الإمام الحسين (ع) كان يركز على قضية الحكم بقدر ما كان يركز على شرعية الحاكم، لأن حتى في ذلك الوقت الشرعية تأتي من القبول بالدرجة الأساس وهو مصدر الشرعية، وجسد الإمام الحسين (ع) جانب المعارضة لطبيعة الحكم وكذلك الحاكم، ولم يشير الإمام لموضوع نمط الحكم ولكن الذي يعترض على الحاكم من المؤكد أن يعترض على فلسفة الحكم أو إدارة شؤون الأمة، وهناك معايير عديدة في ما يخص شرعية الحكم والحاكم أولها القبول ويعتبر أول أساس أو مصدر للشرعية، أما الجانب الثاني هو شرعية الانجاز وتحقيق طموح الجماهير ورفاهيتهم وهذا بحد ذاته يحتاج إلى فترة بعد تولي الحاكم ويكون النظر له في الوقت الحاضر من خلال عدة وسائل سياسية وقانونية وشعبية، في ذلك الوقت كان الموضوع بشكل عام هنالك خلل في إدارة الدولة وإدارة الحكم وفقدان أهم عنصر بالنسبة للشرعية بعد القبول وهو العدالة وهو ما نسميه اليوم بالعدالة الاجتماعية وجزء منها العدالة الاقتصادية والمساواة وكان هو أساس الاعتراض لغياب هذا العنصر أو الخلل المصاحب لشرعية الحاكم".
شرعية الحاكم هي الرسالة المحمدية
عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"قضية الإمام الحسين (ع) تحتاج إلى الوقوف عليها في كل مفصل من مفاصلها سواء الاجتماعية أو الإنسانية أو السياسية، شرعية الحكم واضحة في جانب شرعية الحاكم وهي الرسالة المحمدية حتى ولو تظاهروا بها آل أمية ولكن بالنتيجة هم كانوا يدعون الإسلام، لا خلاف على قضية شرعية الحكم على أساس أن الحكم للإسلام ولكن كان الاختلاف في مصداق من تصدى للحكم، وفي إشارة لقول الإمام الحسين (ع) "إن يزيد قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله" وبهذا الكلام قد حدد مصداق لشرعية وصفات الحاكم الذي يجب أن يكون محترما للنفس ويجب أن يكون لديه عدالة وكذلك اتزان أخلاقي إضافة إلى أصل الحكم وهو الإسلام المفترض، وبالنتيجة يزيد خرق كل هذه الصفات من خلال قتل النفس المحترمة وبالنتيجة انتفت قضية الخضوع والطاعة لهذا الحاكم، واليوم المجتمعات الديمقراطية هي أكثر مسؤولية من المجتمعات التي تأتي عن طريق انقلاب أو حكم عسكري، ومن المفروض على المجتمعات الديمقراطية التي تأتي بالحكام عن طريق صناديق الاقتراع أن تأتي بحكام قريبة من فلسفة الشعوب وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال ثقافة الشعوب وسلوك الشعوب، كان الخيار في يوم عاشوراء يشبه الاستفتاء لكن بالنتيجة الآلاف ذهبوا مع يزيد وانتخبوه على الإمام الحسين (ع) رغم أن الكل كان يدعي الانتماء للخط الصالح وأنه متبع سنة رسول الله".
العدل والعدالة هي المعايير الأساسية للحكم
احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"المعيار الأساسي لشرعية الحكم هو العدل والمعيار الأساسي لشرعية الحاكم هي العدالة على أساس أن العدل يعني المساواة والعدالة تعني الإنصاف، وإذا كان الحاكم ينصف الناس من نفسه وأهله أو أقاربه أو حزبه أو غيره وهذا هو المطلوب للناس أو المحكومين، فالعدل والعدالة هي المعايير الأساسية في قضية شرعية الحكم، ويعتبر كثرة تأييد الناس للحاكم في هذا الزمن أو الأزمان السابقة نرى أن الحكام أو القادة الفاسدين السواد الأعظم هو الذي يهتف لهم ويمجد لهم ويؤيد حكمهم، أما لرؤيتهم أن هذا الحاكم قوي أو مصلحة شخصية ومطامع شخصية، والطامة الكبرى اليوم بالعراق هو تأييد الكثيرين لجهات معينة وجلب أصوات لهم رغم أن هذه الجهة لا تحمل أي معيار أو معاييرها ضئيلة جداً للحكم بالتالي تتحصل على تأييد الناس ومن جهة أخرى نراها أكثر جهة فساداً في الحكومة والحكم، وتأييد عامة الناس للحاكم يعتبر معيار مختل، أما في خصوص خطاب الإمام الحسين (ع) فهو يناهض كل فساد بكل أنواعه المختلفة فكان خروجه لمقارعة الفساد وإصلاح شأن الأمة وأمن الأمة".
الإنسان أساس الشرعية
الشيخ مرتضى معاش:
"قضية الشرعية على طول التاريخ الإنساني تُبحث بشكل مكثف جداً ولم يتم الحصول على هذه الشرعية بشكل تام، وهناك إشكالات كبيرة في مناقشة هذه الشرعية بل حتى أفضل الديمقراطيات لديها إشكالية في تحديد هذه الشرعية وهل الرئيس او البرلمان فعلاً يمثل شرعية النظام وهل الأكثرية النسبية هي فعلاً تحقق الشرعية، ولم يصل الإنسان إلى يومنا هذا بتجاربه للشرعية التي تمثله وتحمي حقوقه ومصالحه.
وفيما يخص الإسلام وقضية الإمام الحسين (ع) فأساس الشرعية هو الإنسان ووجوده وكرامته، وأن أي شرعية تأتي بخلاف كرامة الإنسان فهي غير شرعية وأي شيء يأتي يناقض وجود الإنسان وفلسفة وجوده فيعتبر غير شرعي، ومن خلال قراءة النص الديني الإسلامي نلاحظ وجود ثلاثية مهمة لاكتساب الشرعية وهي حرية الإرادة والبيعة والشورى، وأي نظام سياسي يأتي بالقوة ويحكم ويسلب حرية الإنسان وحرية إرادته فهو غير شرعي مهما كانت القوة التي يمتلكها لأنها خلاف لفلسفة وجود الإنسان وحريته وارادته.
أما بخصوص البيعة فهي عقد يقوم على أساس رضا الطرفين دون وجود أي مؤثر خارجي أو خوف أو أجواء من الرعب التي تدفع الإنسان لكي يرضخ لهذه البيعة فمن شرعية الحكم يجب أن يكون هناك بيعة حقيقية وليس صورية، كما ان الشرعية تعتمد على وجود الشورى باعتبارها تجسيد عملي وتطبيقي للبيعة وأن الحاكم سيتصرف بمصالح الناس واموالهم وممتلكاتهم لذلك يحتاج إلى رضا المحكوم، أما شرعية القوة والاستيلاء والغلبة فهي أمور خارج نطاق الشرعية حيث ذكر الإمام الحسين (ع) في شرعية القوة القاهرة (ألا إنَّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة)، وقال (عليه السلام): (إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله)، فالحاكم الشرعي سواء كان حاكما سياسيا او قاضيا او فقيها لابد ان يتصف مواصفات خاصة كالعدالة والتقوى والعلم والكفاءة والنزاهة وغيرها، وفيما إذا انتفى أي شرط من تلك الشروط تنتفي شرعيته".
معيار الشرعية من المعايير الإنسانية
الدكتور علاء إبراهيم الحسيني أستاذ جامعي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"الحكم الإسلامي له نظره خاصة باعتبار أنه ينبع من شرعية إسلامية أو من منهج أقره القران الكريم والسنة النبوية، شرعية الحكم في عصرنا الحالي تأتي من قبول المواطن بها إذا ما وجد هذا القبول وبني على إرادة حرة صحيحة للأفراد فالحكم شرعي أما خلاف ذلك فيعتبر الحكم غير شرعي، وهذا ينطبق حتى على الحاكم فإذا جاء الحاكم من طريق يرتضيه الأفراد سوف يكون حاكما مرضيا، وكذلك فيما إذا خالف الإرادة الشعبية سواء ابتداء أو استمراراً باعتبار أن الإرادة الشعبية ليست محصورة على الابتداء وإنما هي بقاء واستمرار، والشرع المقدس لم يخرج من هذا الإطار العام والقران الكريم رسم بعض الأسس فمن قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهنا يرسم الولاية العامة أو الشكل العام للنظام فيما يخص الأمة الإسلامية فالله سبحانه وتعالى وبعده النبي وبعده الذين آمنوا، والحاكم كلما كان أقرب لهذه الصفات الحميدة التي يتميز بها الذين آمنوا على حد تعبير الآية فهو يقترب من الشرعية بصورة وأخرى على خلاف الذين لا يتمتعون بهذه الصفات والمميزات، فمعايير الشرعية معايير إنسانية بحتة بالدرجة الأساس تقوم على قبول الآخرين وعلى صفات ذاتية يتمتع بها الحاكم وهذه الصفات تؤهله ليكون أهلا لتولي المسؤولية وبعكس ذلك يكون هذا الشخص غير مؤهل لأن يقود أو يمثل الإرادة العامة أو يسهر على المصلحة العامة باعتبار أن الحاكم مؤتمن على المصلحة العامة، ولذلك السيرة العابرة لأمير المؤمنين (ع) لم نجد أنه ميز بين المواطن وغير المواطن في مفهوم المواطنة بالشريعة الإسلامية، وأن المبادئ الديمقراطية والنظم الديمقراطية قائمة على مبادئ ولم تقم على أشخاص والحكم الديمقراطي الحقيقي واحدة من أهم أركانه هو التداول السلمي للسلطة وفق أسس ومبادئ قائمة على أساس أن الإنسان كلما اقترب من الفضيلة كلما كان أصلح للتصدي لأمور العامة والشأن العام".
رفض الاستبداد والظلم من خلال اختيار الحاكم
حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
"خرج الإمام الحسين (ع) ضد الاستبداد وهو ما أشار إليه بقوله (إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم) وهي إشارة منه للمحكومين على اختيار الحاكم الذي يمثل طموحهم وتطلعاتهم في تسيير أمورهم بعيداً عن الاستبداد وبحرية تامة، وهي بطبيعة الحال إشارة إنسانية من الإمام الحسين (ع) للمحكومين باختيار حاكميهم بشكل صحيح بعيداً عن المصلحة الشخصية والمطامع".
التغيير المعياري بين الزمن والمكان
محمد الصافي باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات:
"المعايير التي تحدد شرعية الحكم والحاكم متغيرة في كل مجتمع كذلك الزمن يلعب دور في تحديد هذه المعايير المتغيرة في تحديد شرعية الحكم والحاكم، وأن التجارب البشرية متغيرة عبر الأزمان رغم أن شكل وإطار الدولة لم يتغير كثيرا من قبل 500 سنة من أيام الحكم العثماني، وأن الدول تدفع الناس نحو معايير معينة للتغير بتفويض من الناس بالنهاية، وهناك مبادئ وقيم أساسية تبنى عليها شرعية الحاكم وتعتبر العدالة من القيم الأساسية التي يجب أن تبنى عليها الدول ولو بالحد الأدنى من الدولة الفاضلة والحكم الفاضل، وأن خطاب الحسين (ع) كان يتضمن القيم الأساسية التي من أساسها العدالة لدى الحاكم والحرية للأفراد في اختيار هذا الحاكم على أساس دون إجبارهم بقوة السلاح والاستبداد".
وقد توصلت الورقة البحثية لعدد من الاستنتاجات لعل من أبرزها:
1- الإمام الحسين (ع) يرفض الطائفية بل كان رمزاً للوحدة الإسلامية ولم يسجل عن أي قول أو تصرف طائفي بل كان مشروعا إسلاميا أصيلا. لذلك كل شخص يمارس الطائفية فهو خارج منهج الإمام حتى وأن أدعى التشيع ظاهراً.
2- الإمام الحسين (ع) يرفض العنصرية، بل كان رمزاً للإنسانية، لذلك كل شخص يعتمد العنصرية ويعمل على الازدراء من الآخر، هو خارج منهج الإمام.
3- الإمام الحسين (ع) يرفض الظلم، لذلك كل شخص يظلم ويمارس الظلم تجاه أهل بيته أو تجاه الآخر المختلف، هو خارج منهج الإمام.
4- الإمام الحسين (ع) يرفض قتل الأبرياء مهما كانت المبررات. لذلك كل شخص يقتل الأبرياء باسم الدين خارج منهج الإمام.
5- الإمام الحسين (ع) يرفض توظيف الدين، فهو يؤمن بأن الحلال بين والحرام بين. لذلك كل شخص يوظف الدين فهو خارج منهج الإمام.
6- الإمام الحسين (ع) يرفض التكبر والتعالي، كونه يمتلك الأخلاق والتواضع وهي قيم إنسانية نبيلة قبل أن تكون قيم إسلامية أصيلة، لذلك كل شخص يتكبر أو يتعالى هو خارج منهج الإمام.
7- الإمام الحسين (ع) يؤمن بالمبادئ الصادقة والثابتة ويرفض البراغماتية المصلحية، لذلك كل شخص يحاول أن يتخلى عن المبادئ الإسلامية الأساسية والقيم الأخلاقية تحت مبرر السياسية هو خارج منهج الإمام.
8- الإمام الحسين (ع) منهجه لا يختلف عن منهج النبوة، فهو حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وتربى في حجره وترعرع في بيته، لذلك كل من يدعي حبه للنبي من باب أولى أن يحب آل بيته الأطهار ويتبع سنتهم ومبادئهم وأخلاقهم".
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة حيدر الاجودي، بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع.