الإمام الحسين (ع) رمزاً لجميع القِيَم الإنسانية
الشيخ باقر شريف القرشي
2021-08-14 01:56
بقلم: الشيخ باقر شريف القرشي-مقتبس من كتاب حياة الامام الحسين، دراسة وتحليل
ـ 1 ـ
الإمام الحسين (عليه السّلام) من أبرز مَن خلّدتهم الإنسانية في جميع مراحل تاريخها. ومن أروع مَن ظهر على صفحات التاريخ من العظماء والمصلحين الذين ساهموا في بناء الفكر الإنساني، وتكوين الحضارة الاجتماعية، وبلورة القضايا المصيرية لجميع شعوب الأرض.
إنّ الإمام أبا الأحرار من ألمع القادة المصلحين الذين حقّقوا المعجز على مسرح الحياة، وقادوا المسيرة الإنسانية نحو أهدافها وآمالها، ودفعوا بها إلى إيجاد مجتمع متوازن تتحقّق فيه الفرص المتكافئة التي ينعم فيها الناس على اختلاف قوميّاتهم وأديانهم.
لقد كان الإمام من أكثر المصلحين جهاداً وبذلاً وتضحية، فقد انطلق إلى ساحات الجهاد مع كوكبة من أهل بيته وأصحابه مضحّياً بنفسه وبهم؛ ليُقيم في ربوع هذا الشرق حُكم القرآن وعدالة السماء الهادفة إلى تقويض الظلم، وتدمير الجور وإزالة الاستبداد، وإقامة حُكم عادل يجِد فيه الإنسان أمنه وكرامته ورخاءه حسب ما تقتضيه عدالة الله في الأرض؛ ومن ثمّ كانت حياة الإمام في جميع العصور والأجيال رمزاً للعدل، ورمزاً لجميع القِيَم الإنسانية.
إنّ أغلب حياة المصلحين الذين وهبوا حياتهم لاُممهم وشعوبهم، تبقى مشعّة تعطى ثمارها ونِتاجها للناس، ولكن في فترة خاصّة ومحدودة من الزمن، لم تلبث أن تتلاشى كما يتلاشى الضوء في الفضاء.
أمّا حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) فقد شقّت أجواء التاريخ وهي تحمل النور والهدى لجميع الناس، كما تحمل شارات الموت والدمار للمخرّبين والظالمين في جميع الأجيال.
لقد تفاعلت حياة الإمام الحسين مع أرواح الناس وامتزجت بعواطفهم ومشاعرهم، وهي نَديّة عاطرة تتدفّق بالعزّة والكرامة، وتدفع المجتمع إلى ساحات النضال لتحقيق أهدافه وتقرير مصيره.
إنّها مدرسة الأجيال الكبرى التي تفيض بالخير والعطاء على الناس جميعاً متّفقين ومختلفين، فهي تغذّيهم بالوفاء والصبر، وتدفعهم إلى الايمان بالله، وتعمل على توجيههم الوجهة الصالحة، المتّسمة بالكرامة وحسن السلوك، كما تعمل على تهذيب الضمائر، وتكوين العواطف وتنمية الوعي.
فهي أجدر بالبقاء من كل كائن حي، بل أحقّ بالخلود من هذا الكوكب الذي يعيش فيه الإنسان؛ لأنّها إطار لأسمى معاني الكرامة الإنسانية.
إنّ حياة ريحانة الرسول ومثُله ستبقى حيّة وخالدة إلى الأبد؛ لأنّها استهدفت القضايا المصيرية لجميع الشعوب، فإنّ الإمام لم ينشد في ثورته الخالدة أي مطمع سياسي أو نفع مادي، وإنّما استهدف المصلحة الاجتماعية، وعنى بأمر الناس جميعاً؛ ليوفّر لهم العدل السياسي والعدل الاجتماعي، وقد أعلن (سلام الله عليه) أهدافه المشرقة بقوله: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي؛ اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
من أجل هذه المبادئ العليا خُلّدت قصّة الحسين واستوعبت جميع لغات الأرض، وأخذ الناس يقيمون لها الذكرى مقتبسين منها الايمان بالله، ومقتبسين منها العِبَر والعظات التي تنفعهم في جميع ميادين حياتهم... إنّها
من دون شكّ ستظلّ تساير الركب الإنساني وهي ترفع شعار العدل، وشعار الحق، وشعار الكرامة، وتضئ الطريق وتوضّح القصد أمام كل مصلح يعمل من أجل صالح الإنسان.
ـ 2 ـ
وليس في تاريخ الإسلام مَن هو أكثر عائدة ولطفاً وفضلاً على الإسلام من الإمام الحسين (عليه السّلام)، فهو المنقذ والمجدّد لهذا الدين العظيم الذي أجهزت عليه السياسة الاُمويّة، وتركته جريحاً على مفترق الطرق تتحدّاه عوامل الانحلال والانهيار من الداخل والخارج، ولم يعُد أيّ مفهوم من مفاهيمه الحيّة ماثلاً في واقع الحياة العامّة للمسلمين. قد جمدت طاقاته وأخمد نوره وانتُهكت سُننه، ولم يبقَ منه سوى شبح خافت وظِل متهافت؛ قد أعلنت السلطة في منتدياتها العامّة والخاصّة أنّه لا دين ولا إسلام ولا وحي ولا كتاب.
يقول يزيد بن معاوية:
لعبت هاشمُ بالمُلكِ فلا-----خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ
ويقول الوليد بن يزيد:
تلعّب بالخلافةِ هاشميٌ-----بلا وحيٍ أتاه ولا كتابُ (1)
وإذا استعرضنا ما أُثِرَ عنهم في هذا المجال فلا نجد إلاّ الكفر والإلحاد والمروق من الدين، وقلّما نجِد منهم مَن يؤمن بالله واليوم الآخر أو يرجو وقاراً للإسلام. إنّه ـ من دون شكّ ـ لم يدخل أي بصيص من نور الإسلام في قلوبهم ومشاعرهم، وإنّما ظلّت نفوسهم مترعة بروح الجاهلية ونزعاتها، لم تتغيّر فيهم أيّ ظاهرة من ظواهر الكفر بعد إرغامهم على الإسلام، فكانوا يحملون الحقد والعداء للرسول (صلّى الله عليه وآله)، ويكفرون بجميع ما جاء به من هدى ورحمة للناس.
رأى الإمام السّبط الغزو الجاهلي الذي اجتاح العالم الإسلامي، وما مُنيت به العقيدة الإسلامية من أخطار هائلة، تنذر بالردّة الرجعية والانقلاب الشامل، وتخلّي المسلمين عن عقيدتهم ودينهم؛ فإنّ السلطة الاُمويّة كانت جاهدة في مسيرتها، وجادّة في سياستها على استئصال جذور هذا الدين وإزالة ركائزه وقواعده، وقد تحذّر المسلمون بشكل فظيع نتيجة أوبئة الخوف المفزعة التي انتشرت فيهم، وما طعمتهم به السياسة الاُمويّة من روح الخيانة والغدر، فلا صوت يصدع بالإصلاح، ولا طبل يدقّ للحرب، ولا وازع ولا رادع ولا زاجر لِما كانت تصنعه الطغمة الحاكمة من المخططات الرهيبة، الهادفة إلى استعباد المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون.
رأى الإمام أنّه المسؤول الوحيد أمام الله، وأمام أجيال الاُمّة إن وقف موقفاً سلبيّاً تجاه هذه الأوضاع المنكرة، ولم يغيّر ولم يبدّل ولم يفجّر ثورته الحمراء التي تعصف بالاستبداد وتهدم صروح الظلم والطغيان، وتقود الجماهير إلى ميادين الحقّ والعدل.
وقد أدلى الإمام (عليه السّلام) بذلك في خطابه الرائع الذي ألقاه على الحر وأصحابه من شرطة ابن زياد قائلاً: «أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً؛ مستحلاً لحرم الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. ألا إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله» (2).
إنّ هذه العوامل الخطيرة هي التي حفّزت الإمام على الثورة، والخروج على النظام القائم الذي استباح كل ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه.
لقد أمعنت السلطة الاُمويّة في اضطهاد الناس وإرهاقهم، واعتبرت القطّاعات الشعبيّة بستاناً لها تتحكّم في مصائرها ومقدّراتها، وتستنزف ثرواتها فتنفقها على ما يثير الشهوات ويفسد الأخلاق؛ من أجل ذلك ثار الإمام لينقذ الاُمّة، ويعيد لها كرامتها وأصالتها.
ـ 3 ـ
وأهمّ فترة في تاريخ الإسلام السياسي هي الفترة التي عاشها الإمام الحسين (عليه السّلام)، فقد حفلت بأحداث رهيبة تغيّرت بها مجرى الحياة الإسلامية، وامتحن المسلمون بها امتحاناً عسيراً، واُرهقوا إرهاقاً شديداً، قد أخلت لهم الفتن والمصاعب، وجرت لهم الخطوب والكوارث وألقتهم في شرٍّ عظيم، ومن أفجع تلك الأحداث وأخلدها كارثة كربلاء التي هي أخطر كارثة في التاريخ الإنساني، وهي لا تزال قائمة في قلوب المسلمين وعواطفهم تثير في نفوسهم الحزن واللوعة.
ولم تكن هذه الحادثة الخطيرة وليدة المصادفة أو المفاجأة وإنّما جاءت نتيجة حتميّة لتلك الأحداث المفزعة التي أخمدت الوعي الإسلامي، وأماتت الشعور بالمسؤولية وجعلت المسلمين أشباحاً مبهمة، وأعصاباً رخوة خالية من الحياة والإحساس. قد سادت فيهم روح التخاذل والانهزامية، ولم تعُد فيهم أيّ روح من روح الإسلام وهَديه، وأوضح شاهد على ذلك: أنّ ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته يُقتل في وضح النهار، ويرفع رأسه على أطراف الرماح ويُطاف به في الأقطار والأمصار، ومعه عائلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبايا قد هُتكت ستورهن وأُبديت وجوههن يتصفّحها القريب والبعيد، فلم يثِر ذلك حفيظة المسلمين، فيهبّوا إلى الانتفاضة على حُكم يزيد للثأر لابن بنت نبيّهم، ورحم الله دعبل الخزاعي إذ يقول:
رأسُ ابنِ بنتِ محمّدٍ ووصيهِ-----يا للرجالِ على قناةِ يُرفعُ
والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ-----لا جازعٌ من ذا ولا متخشّعُ (3)
إنّ كارثة كربلاء لم تأتِ إلاّ بعد تخذير الاُمّة وتغيير سلوكها، وإصابتها بكثير من الأوبئة الأخلاقية والسلوكية، الناشئة من عدم تقريرها لمصيرها في أدقّ الفترات الحاسمة من تاريخها أمثال: مؤتمر السقيفة والشورى وصفّين.
وعلى أيّ حال، فإنّ الأحداث التاريخية التي عاشها الإمام الحسين (عليه السّلام) يجب أن تخضع للدراسة العلمية المتّسمة بالعمق والتحليل، والتجرّد من العواطف وسائر التقاليد المذهبية التي أوجبت خفاء الحق، وتضليل الرأي العام في كثير من مناحي حياته العقائدية؛ فإنّ التاريخ الإسلامي لم يُدرس دراسة موضوعية وشاملة، وإنّما عرض له أكثر البحّاث بصورة تقليدية، وهي لا تجدي المجتمع ولا تفيده، كما لا تلقي الأضواء على واقع تلك الأحداث التي جرّت للمجتمع كثيراً من الخطوب والمشاكل، وأوقفت مسيرته نحو التطوّر حسب ما يريده الإسلام.
إنّ الذي لا مجال للشكّ فيه هو أنّ لتلك الأحداث كثيراً من المنعطفات التاريخية الخطيرة التي تعمّد بعض المؤرّخين على إهمالها، وعدم الكشف عنها، كما أنّ التاريخ قد خلط بكثير من الموضوعات التي تعمّد بعض الرواة إلى افتعالها؛ تدعيماً لسياسة السلطات الحاكمة في تلك العصور.
وهي مما توجب على الباحث التعمّق والتدقيق فيها؛ حتّى يخلص إلى الحقّ مهما استطاع إليه سبيلاً.
ونحن لا نجد بُدّاً من عرض بعض تلك الأحداث وتحليلها؛ لأنها من وسائل الكشف عن حياة الإمام الحسين (عليه السّلام)، كما أنّها في نفس الوقت من وسائل الوقوف على الحياة الفكرية والاجتماعية في ذلك العصر، الذي تعدّ دراسة شؤونه من البحوث المنهجية التي تكشف عن أبعاد الشخصية وتحليلها حسب الدراسات الحديثة.
إنّي أعتقد أنّه لا يمكننا أن نلمّ إلماماً واضحاً بقصة الإمام الحسين (عليه السّلام)، وما جرى فيها من الأحداث المفزعة من دون أن نكون قد درسنا الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في ذلك العصر؛ فإنّ لها تأثيراً إيجابياً مباشراً في حدوث هذه النكبة.
إنّ التاريخ الإسلامي في حاجة لأن يتحرّر من التقديس، ويكون كغيره من البحوث خاضعاً للنقد والتحليل، والشكّ والرفض، كما تخضع المادة لتجارب العلماء؛ حتّى يستقيم ويزدهر، ويؤتي ثمراً ممتعاً.
إنّ السلطات السياسية في تلك العصور أخذت على المؤرّخين أن يضعوا التاريخ تحت تصرّفهم فلا يكتبون إلاّ ما فيه تأييد للسلطة السياسية، وبذلك فقد حفل التاريخ بكثير من الموضوعات التي تكلّف أصحابها على وضعها وجعلها جزءاً من تاريخ الإسلام، وقد شوّهت واقعه، وحادت بكثير من بحوثه عن الواقع.
إنّ الأقلام التي تناولت كتابة التاريخ الإسلامي في عصوره الاُولى لم تكن نزيهة ولا بريئة على الإطلاق، فكانت تخيّم عليها النزعة المذهبية أو التزلّف إلى السلطة الحاكمة، فلا بدّ إذاً أن يخضع لمجاهر الفحص وأضواء الدراسة والنقد.
ـ 4 ـ
لا أحسب أنّ هناك خدمة للاُمّة أو عائدة عليها بخير تضارع نشر فضائل أئمة أهل البيت (عليهم السّلام)، وإذاعة سيرتهم ومآثرهم؛ فإنّها تفيض بالخير والهدى على الناس جميعاً ففيها الدروس الحيّة، والعظات البالغة التي تبعث على الاستقامة والتوازن في السلوك، وهي من أثمن ما يملكه المسلمون من طاقات نديّة حافلة بالقِيَم الكريمة والمثُل العليا، التي هي السِّر في أصالة هذا الدين وخلوده.
وحياة الإمام الحسين (عليه السّلام) من أروع حياة الأئمة الطاهرين؛ فقد تخطّت حدود الزمان والمكان، وتمثّلت فيها العبقرية الإنسانية التي تثير في نفس كل إنسان أسمى صور الإكبار والتقدير. فقد تجسّد في سيرته ومقتله أروع موضوع في تاريخ الإسلام كلّه؛ فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم من القِيَم الإنسانية مثل ما ظهر من الإمام على صعيد كربلاء.
فقد ظهر منه من الصمود والإيمان بالله، والرضى بقضائه والتسليم لأمره ما لم يشاهده الناس في جميع مراحل تاريخهم، وكان هذا الإيمان الذي لا حدّ له هو الطابع الخاص الذي امتاز به أهل بيته وأصحابه على بقيّة الشهداء؛ فقد أخلصوا في دفاعهم لله، وأخلصوا في نضالهم للحق، ولم يكونوا مدفوعين بأيّ دافع مادّي.
فالعباس (عليه السّلام) الذي كان من أقرب الناس للإمام الحسين وألصقهم به لم يندفع بتضحيته الفذّة بدافع الأخوّة والرَحم، وإنّما أقدم على ذلك بدافع الإيمان، والذبّ عن الإسلام، وقد أعلن (سلام الله عليه) ذلك فيما أثر عنه من رجز، ظلّ يهتف به وينشده شعاراً له في تلك المعركة الرهيبة، بعد أن يرى القوم يمينه قائلاً:
واللهِ إن قطعتمُ يميني-----إنّي اُحامي أبداً عن ديني
وعن إمامٍ صادقِ اليقيني-----نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ
ومعنى ذلك ـ بوضوح ـ أنّ تضحيته لم تكن مشفوعة بأيّ دافع من دوافع الحبّ أو العاطفة، أو غيرها من الاعتبارات التي يؤول أمرها إلى التراب، وإنّما كانت من أجل الذبّ عن دين الله، والدفاع عن إمام من أئمة المسلمين فرض الله طاعته وولاءه على جميع المسلمين.
وكثير من أمثال هذه الصور الرائعة الخالدة في التاريخ الإنساني ظهرت من الإمام الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته وأصحابه، وهي بحقٍّ من أثمن الدروس عن الإيمان والوفاء والتضحية في سبيل الله، وأنّ أيّة بادرة من بوادر يوم الطفِّ لتَرفع الحسين وأهل بيته وأصحابه على جميع شهداء الحق والعدل في العالم.
لقد رفع الإمام الحسين (عليه السّلام) راية الإسلام عاليةً خفّاقة، وحرّر إرادة الاُمّة العربية والإسلامية، فقد كانت قبل واقعة كربلاء جثّة هامدة لا حراك فيها ولا وعي، قد كبّلت بقيود الحكم الاُموي، ووضعت الحواجز والسدود في طريق حريتها وكرامتها، فحطّم الإمام بثورته تلك القيود، وحرّرها من جميع السلبيّات التي كانت مُلمّة بها، وقلب مفاهيم الخوف والخنوع التي كانت سائدة فيها إلى مبادئ الثورة والنضال.
لقد عملت نهضة الإمام على تكوين الحسّ الاجتماعي، وخلق الشخصية الاجتماعية، فقد انطلقت الاُمّة كالمارد الجبار ـ بعد تخديرها ـ وهي تنادي بحقوقها، وتعمل جاهدة على إسقاط الحكم الاُموي الذي جهد على إذلالها واستعبادها، وهي تقدّم القرابين تلو القرابين في ثورات متلاحقة حتّى أطاحت بذلك الحكم، واكتسحت مشاعر زهوه وطغيانه وجبروته.
لقد كانت ثورة أبي الأحرار (عليه السّلام) من أعظم الثورات التحرّرية في الأرض، فقد حملت مشعل النور والفكر في الأرض، وسجّلت شرفاً للإسلام وشرفاً للإنسانية، وأعطت الدروس المشرقة عن العقيدة التي لا تضعف، والإيمان الذي لا يقهر، وستظل مصدر عزّ وفخر وشرف للمسلمين في جميع أجيالهم.