الحسين عليه السلام أسوة
المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي
2020-08-29 05:26
من هو الحسين (عليه السلام)؟
الحسين عليه السلام حفيد رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن خليفة رسول الله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بنت رسول الإسلام (عليها السلام) وأخوه سيد شباب أهل الجنة الحسن الزكي (عليه السلام)، وأبو أئمة تسعة، هم: علي زين العابدين (عليه السلام)، محمد الباقر (عليه السلام)، جعفر الصادق (عليه السلام)، موسى الكاظم (عليه السلام)، علي الرضا (عليه السلام)، محمد الجواد (عليه السلام)، علي الهادي (عليه السلام)، الحسن العسكري (عليه السلام)، الحجة القائم المهدي (عليه السلام).
وكان ميلاده على المشهور يوم ثالث شعبان، واستشهد دفاعاً عن الدين والفضيلة، يوم عاشوراء، عاشر محرم الحرام في كربلاء المقدسة، ودفن فيها حيث مرقده الآن. والحسين (عليه السلام) كأبيه وأخيه وأبنائه التسعة، إمام مفترض الطاعة من قبل الله تعالى، فقد عيّن رسول الإسلام هؤلاء الأئمة الاثنى عشر خلفاءً له من بعده بأمر الله تعالى، ورسول الإسلام وبنته الزهراء وهؤلاء الأئمة الاثنى عشر، كلهم معصومون منزّهون عن كل خطأ وإثم.
كيف قتل الحسين (عليه السلام)؟
انتقلت الخلافة الإسلامية، تحت ضغط الإرهاب والسيف إلى (يزيد بن معاوية) وهو غير لائق لأن تسند إليه أقل وظيفة في الدولة الإسلامية، لأنه كان كافراً في الباطن وإن تظاهر بالإسلام، وكانت الكلمات الكافرة تطفح من قلبه على لسانه أحياناً، كما أنشد ذات مرة:
لعبت هاشم بالملك فلا-----خبر جاء ولا وحي نزل
بالإضافة إلى أنه كان فاسقاً ماجناً، فكان يشرب الخمر، ويلعب بالقمار، إلى غيرها من الموبقات والآثام كما كان يلعب بالقرود والفهود، وكان يستهين بالإسلام ويستبد في الحكم، ويسفك الدماء المحترمة، وبالجملة فهو من جهة الإسلام كافر مستهتر، ومن جهة الحكم دكتاتور مستبد، وكانت الأصوات في عهده مخنوقة والحريات مكبوتة والأمة في اضطهاد، لذا ثار الإمام الحسين (عليه السلام) وخرج من الحجاز مع عائلته وأصحابه، قاصداً أرض العراق للإصلاح في الأمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي أرض كربلاء المقدسة، اصطدم بالجيش الأموي، المعرج من قبل (ابن زياد) والي (يزيد) على الكوفة، في معركة حامية، حيث قتل الإمام وأهل بيته وأصحابه، وقد كان الجيش الأموي يزيد على مليون نسمة ـ كما في بعض التواريخ ـ وجيش الإمام أقل من مائة شخص، كما أن الجيش الأموي أبدى كل نذالة ورذيلة في المحاربة، فقد منعوا الإمام وأهله عن الماء، ولم يمهلوه للصلاة، وقتلوا حتى طفله الرضيع، وأكثروا من السباب له والوقيعة في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وداست الخيل جثته الكريمة بعد القتل، وقطعوا رأسه الشريف ورؤوس أصحابه، ورفعوها على القناة، وأحرقوا خيامه وسبوا عائلته، ونهبوا أمواله، وقيّدوا بالحبال والسلاسل أولاده وأهله، وأركبوهم على نياق هزال بغير وطاء ولا غطاء، تلفحهم حرارة الشمس، ويؤذيهم البرد. ومنعوهم عن الطعام والكساء، وكلما دمعت منهم عين أقرعوهم بالمقرع، وساروا بهم سيراً عنيفاً نحو الكوفة حيث أهانهم ابن زياد هناك في مجلسه العام، وأمر بسجنهم ثم ساروا بهم نحو دمشق ـ مقر حكومة الطاغية يزيد ـ فأسكنهم في الخربة، وأحضرهم في مجلسه وأكثر من إهانتهم، وأخذ يضرب ثنايا (الرأس المطهر) بخيزران له وينشد:
ليـــت أشياخي ببدر شهدوا-----جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واســـتهلــوا فـــرحاً-----ثـــم قــالوا يــا يــــزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ســاداتهم----- وعــــدلنــاه بــبـدر فــاعتــــدل
وبعد هذه المأساة الأليمة، أمر يزيد باستباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام، وبعد ذلك أمر بهدم الكعبة في قضايا مفصلة، ذكرتها التواريخ.
إنجازات الحسين (عليه السلام)
لقد زلزل الإمام الحسين (عليه السلام) باستشهاده عرش يزيد الأثيم فما أن قتل الإمام، حتى اضطربت أطراف البلاد وأخذت الثورات تتوالى من هنا وهناك لإنهاء حكم أمية وأخذ يزيد يرتطم في أوحالٍ عفنة ولم تمتد حياته الجانية أكثر من ثلاث سنوات، حتى هلك، ثم لم تمتد دولة بني أمية، إلا بمقدار عمر إنسان واحد أو أقل حيث زالت عن الوجود، بانتفاضة عامة المسلمين ضدها بعد سلسلة من الانتفاضات والثورات هنا وهناك، والأعظم من ذلك كله أن الإمام ألفت الأنظار ـ باستشهاده ـ إلى نقاط انحراف الدولة عن الإسلام وأسّس للأجيال الآتية خير مرقب يراقبون به الانحرافات، لا الانحرافات التي تقع داخل إطار الإسلام فقط، بل وحتى الانحرافات التي تقع في الإطار الإنساني العام! كما أن نهضة الإمام كانت درساً لمن يريد الحياة الإسلامية للمسلمين، بل لمن يريد حياة البشر، كيف ينهض؟ وكيف يضحي؟ ولذا ينقل عن (غاندي) الزعيم الهندي المشهور، أنه قال: (تعلّمت من الحسين (عليه السلام) كيف أكون مظلوماً فأنتصر) والإسلام والمسلمون إلى يوم القيامة هما رهينا خدمات الحسين (عليه السلام) بقاءً كما كانا رهيني إنشاء الرسول ومعاضدة الإمام المرتضى (عليهما السلام) ابتداءً.
كيف تستثمر ثورة الحسين عليه السلام
الشعائر الحسينية
إن ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة وقتية لتموت بعد زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من الضروري، امتداد هذه الثورة مادامت الدنيا باقية، ومادام يتقابل جيشا الحق والباطل والهداية والضلالة، وهذا هو سرّ تحريض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الكرام المسلمين على الاحتفال بذكرى عاشوراء طول الدهر، ومنه اتخذ المسلمون مجالس العزاء والحفلات التأبينية بمختلف أشكالها، طول الزمان، وإلى هذا يشير ما ينقل من أنه: (كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء).
أما ألوان العزاء وكيفيات الذكرى فليست شيئاً محدداً، فلمن شاء أن يتخذ الشكل المناسب على شريطة أن لا يكون هناك نص خاص من الشريعة الإسلامية على تحريمه فمثلاً لا يحق للإنسان أن يتخذ الانتحار سبيلاً لذكرى الثورة ـ كما يتخذه البوذيون أحياناً للوصول إلى أهداف دينية، أو وطنية ـ لأن الإسلام نهى عن قتل النفس، أما ما لم يكن فيه نص خاص على التحريم، فذلك جائز بل مستحب لأنه من مصاديق قوله سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)(1). أما استهزاء بعض الناس على بعض الشعائر، فغير ضار، فإن الناس استهزأوا بجميع الأنبياء كما في القرآن الحكيم: (يا حسرةً على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون)(2).
المنبر الحسيني
من وسائل امتداد ثورة الحسين (عليه السلام) وتركيز مبادئه في النفوس على طول الخط: (المنبر) ولذا اتخذه المسلمون، بعد استشهاد الإمام مباشرة إلى هذا اليوم وسيلةً لبث هذه الذكرى، ونعمت الوسيلة، لكن من الضروري أن نذكر لزوم توسعة المنابر وتعميقها، أما التوسعة: فذلك لأن البلاد الإسلامية كلها متعطّشة إلى من يفهّمها الإسلام ويبيّن لها مزاياه وخصوصياته، وذلك ليس في وقت خاص، بل في دائم الأوقات، فإن النفوس تحتاج إلى الغذاء المستمر، كما أن الأبدان تحتاج إلى الغذاء كل يوم.. والمقدار الموجود ـ في الحال الحاضر ـ من المنابر لا يكفي لسدّ عشر هذا الفراغ، ولذا يجب على كافة المسلمين التعاون في إيجاد خطباء واعين وتكوين مجالس كثيرة في طول البلاد وعرضها لأداء هذه المهمة الحيوية.. وذلك لأن الإمام الحسين (عليه السلام) إنما قام بنهضته المقدسة للإسلام وإعلاء كلمة الله، ومن المعلوم أن ذلك لا يتم إلا بأن يبين الخطيب ما يتصل بالإسلام من عقيدة، وتفسير، وتاريخ، وأحكام، وأخلاق، مبيناً منهج الإسلام في الجوانب المختلفة من الحياة من سياسة، واقتصاد وثقافة، وتربية، ومعاشرة، وأسرة، وما إليها كل ذلك مقروناً بالأدلة المعقولة الدالة على أفضلية الإسلام من سائر الأديان والمبادئ، والمناهج، والقوانين، وبمثل هذا يمكن رفع مستوى المسلمين كما يكون المنبر مؤدياً مهمته إذا روعي فيه هاتان الجهتان، وإنا إذ نكبر أهالي المنبر الأعاظم الذين يراعون هذه الجهة بكل دقة وإخلاص، نكتب هذا راجين أن يقتدي المبتدئون من أهل المنبر بهؤلاء.
استخدام الأجهزة الحديثة
لقد كانت وسيلة الثقافة سابقاً منحصرة في (المدارس الدينية) و(المنابر) و(الكتب) وكلها كانت مصبوغة بصبغة الإسلام، فكان المجتمع يتلقّى التعاليم الإسلامية من هذه الوسائل تلقائياً. أما اليوم فقد زيدت على تلك الوسائل السابقة، (المدارس الحديثة) و(الإذاعة) و(التلفزة) و(العارضة) و(الجرائد) و(المجلات) و(الاجتماعات الأخرى) فمن الضروري على المسلم أن يهتم لإدخال برامج الإسلام والمبادئ التي استشهد في سبيل تطبيقها الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه الوسائل الحديثة، حتى تنتشر تلك المبادئ والأهداف في كل مدينة وقرية، ودار ومدرسة، ومعمل وثكنة.. فإن مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام) خير من آراء (فرويد)، وثورته المقدسة أفضل من الثورة الفرنسية، إلى غيرهما مما أُقحِمَ في حياة المسلمين، وصبغت المناهج بصبغتها، ومن الغبن أن يستفيد الإنسان من الصناعات الحديثة مادياً، ولا يستفيد منها معنوياً.
المآتم الحسينية
من الواضح أنه تلزم المناسبة بين المظاهر والمقاصد فقد ورد: (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم)(3) وعلى هذا فمن اللازم أن تتصف المآتم الحسينية والقائمون بها ـ بمختلف أنواع القيام من أصحاب المجالس، والعمال فيها، والمستمعين وأفراد المواكب، والقائمين بالهيئات، وغيرهم ـ بما أمر الإسلام إيجاباً، أو ندب إليه استحباباً من التحلي بالآداب الإسلامية، بإتيان الواجبات وترك المحرمات، والتخلّق بالأخلاق الفاضلة وتنزيه المجالس عن الوساخة والأشياء المزرية وتجنيب المواكب عن الأمور المنافية، وتنظيف المآتم وممر المواكب عن المنكرات، كالنساء المتبرجات والفتيات السافرات، والمواظبة على عدم قذارة الشوارع ومحلات مياه الشرب وأكواب الشاي والمبردات، وظروف الأطعمة وما إلى ذلك.. فإن الحسين (عليه السلام) إنما استشهد للإسلام، ولسان حاله: (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني).
وفي إحدى زياراته المقدسة: (أشهد أنك طهر طاهر مطهر، من طهر طاهر مطهر طهرت وطهرت بك البلاد وطهرت أرض أنت بها وطهر حرمك) كما أن اللازم الاقتداء بالحسين (عليه السلام) في المواظبة على مواقيت الصلوات فلا يمتد المجلس أو الموكب بحيث يضر بالصلاة في أول الوقت، فقد قام الحسين (عليه السلام) لصلاة الجماعة، يوم عاشوراء، والسهام تترامى عليه وعلى أصحابه كرشق المطر. ومن الضروري تجنيب المواكب والمجالس وما إليها من أسباب التفرقة والشحناء والتباغض، فقد قال ســـبحانه: (أشداء على الكـــفار رحماء بينهم)(4) وقال: (واعـــتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا)(5).
خدمة الإسلام بخدمة الحسين (عليه السلام)
يلزم على المسلم أن يخدم الإسلام بخدمة الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه وسيلة لنشر الإسلام، لو عرفنا كيف نستفيد من هذه الطاقة الهائلة، فإن الروحية التي تبعثها معنوية الحسين (عليه السلام) أكثر من كل طاقة روحية عرفتها البشرية من آدم أبي البشر إلى هذا اليوم ـ وهذا غير مقام الأفضلية التي تجعل الحسين (عليه السلام) في الدرجة الخامسة منها ـ ألا ترى أن المسلم يتمكن أن يجمع الناس حول مظلومية الحسين (عليه السلام) بنحو لا يتمكن أن يجمعهم باسم من عداه، فإنك لو ذكرت قصة الطفل الرضيع (عبد الله) لأقسى الناس قلباً، وأبعد الناس عن الإسلام ونبي الإسلام، لابد وأن يرقّ قلبه وتجري دمعته، وفي هذه الحالة تؤثر العِظة والإرشاد فإن القلب إذا لان كان قابلاً لكل هداية وإصلاح، وقد حدّثني أحد تجار أفريقيا، وكان خطيباً في نفس الوقت أنه مر ذات يوم من أيام محرم، بقرية من تلك القارة فرأى مأتماً منعقداً ولما تبين الأمر ظهر أنهم عبّاد صنم وإنما يعقدون شبه مأتم لذكرى الحسين تقليدياً، قال: فصعدت المنبر، وقلت لهم:
إن الحسين جاء إلى هذه القرية لكن جد الحسين ومبادئه لم يأتيا إلى هذه القرية، فهيا بنا نجعل الحسين واسطة مجيء جده ومبادئه.. ثم شرعت في بيان التوحيد والنبوة والمعاد، وسائر أصول الإسلام وفروعه، وببركة الحسين (عليه السلام) انقلبت القرية مسلمة بعد أن كانت كافرة.
ونرى أن غير المسلمين يحضرون مجالس العزاء وأحسن شاهد لذلك، المآتم المنتشرة في الهند وباكستان وأفريقيا وما إليها.. وقد نقل لي أحد علماء (كراجي) أن قسيساً قال له: (لو كان لنا حسينكم فقط، لتمكّنا من تنصير العالم تحت لوائه. بأن نرفع علماً باسم الحسين في كل مكان ونجمع الناس حوله، ثم نبشّرهم بمبادئنا، لكنكم معاشر المسلمين لا تعرفون كيف تستفيدون من الحسين في الغايات التبشيرية).
ومثلنا مثل تاجر له ملايين الدنانير، لكن لا يعرف كيف يتّجر وإن مثل مأساة الإمام ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ كمثل معدن زيت تحت الأرض، لا يستفيد الإنسان منه، ويبقى في الظلمة طول ليله، ولعل المقدار الذي مستفاد منه في الأغراض التبليغية من مأساة الإمام أبعد في النسبة من الواحد إلى المليون.
عطلة عشرة محرم
ينبغي للمسلمين أن يتخذوا عشرة محرم تعطيلاً عاماً وأحزاناً، اقتداءً بالأئمة الطاهرين، كما في بعض الأحاديث ـ فيجعلوا البلاد الإسلامية قطعة من السواد والأعلام والمصابيح الحمر والمآتم والمواكب وما أشبه، كل ذلك بقصد غرس الإسلام ونشر أحكامه وتركيز العقيدة في نفوس المسلمين وجلب انتباه غير المسلمين إلى ما للإسلام من مبادئ حيّة ومزايا ـ وأخيراً جلبهم إلى حوزة المسلمين كما نرى المسيحيين يفعلون ذلك بالنسبة إلى (عيد الميلاد) ومن المعلوم أن تأثير الأحزان في النفس أكثر من تأثير الأفراح ـ كما ثبت في علم النفس ـ وحيث أدرك هذه الحقيقة الملحدون والمستعمرون فإنهم أرادوا بكل وسيلة القضاء على هذه الشعائر والمآتم، ففي جملة من الأقطار الإسلامية منعوا هذه الأمور قبل نصف قرن تقريباً ـ على أيدي عملائهم ـ كما أن أحد كبراء زعماء الإلحاد لما قيل له: (إن جلاوزته تمكنوا من القضاء على عشرات المئات من الخطباء ورجال الدين) قال: (هذا لا يفيد، وإنما المفيد القضاء على كربلاء فما دام الحسين موجوداً في النفوس يتكون الخطباء والوعّاظ، ويبقى الإسلام والعقيدة).
كربلاء المقدسة
إن كربلاء المقدسة ـ بما أنها مدينة الحسين (عليه السلام) ـ يجب أن تكون شعلة من العلم والثقافة والعمل والجهاد، والفضيلة والأخلاق والطهارة والنظافة وحسن المعاشرة والمعاملة والتبشير والتبليغ والإرشاد والهداية، حتى تحكي عن مبادئ الحسين (عليه السلام) وأهدافه، وحتى تكون مدينة مثالية تقتدي بها سائر المدن، ولذا يجب أن تتعاون القوى في داخل البلدة وخارجها لطهارة البلدة معنوياً وتعميرها وتجميلها مادياً، بما يليق بكرامتها، فقد ورد في الحديث: (إن الله جميل يحب الجمال)(6).
ثم بعد ذلك يأتي دور تقوية المرافق العلمية والدينية لتكون مشعلاً للعلم والدين، وتليها النجف الأشرف مدينة الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) جامعة الإسلام الكبرى، وموئل العلماء والمفكرين.
فإن المرافق الموجودة فعلاً لعلها تكون أقل من العشر بالنسبة إلى المقدار اللائق بمثل هذه المدينة المقدسة.. أما المرافق الموجودة فعلاً فهي: (1) عشرون مدرسة دينية. (2) عشر نشرات شهرية. (3) ما يقارب السبعمائة من أهل العلم بما فيهم العالم والخطيب، وإمام الجماعة والمؤلف والشاعر، والأديب، والطالب والمدرس ومن أشبه (4) زهاء أربعين مكتبة للمطالعة ـ بما فيها الكبيرة والصغيرة ـ. (5) زهاء ثلاثين مكتبة للبيع. (6) ما يقارب مائتي مسجد. (7) أكثر من مائة حسينية. (8) ما يقارب الألف وخمسمائة من تلاميذ المدارس الأهلية بما فيهم حفّاظ القرآن الحكيم والحافظات وطلاب مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام). (9) عدد لا بأس به من حلقات التجويد والمسائل والجمعيات والهيئات وما أشبه. (10) جملة من المشاريع الأخرى كهيئة التبليغ الإسلامي السيار، ودار النشر والتوجيه الديني والمؤسسات الثقافية ورابطة النشر الإسلامي والنشرات التي تصدر في المناسبات ومجالس العزاء الكثيرة التي تعقد طول السنة بكثرة هائلة والاحتفالات الدينية التي تقام بالمناسبات وفي مقدمتها الحفلة الكبرى التي تعقد سنوياً بمناسبة ميلاد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في ثالث عشر رجب ومجالس الإرشاد والتي تتكون بمناسبة الزيارات إلى أمثال هذه الأمور.
ومن المعلوم أن هذا القدر قليل بالنسبة إلى المدينة التي هي مثوى سيد الشهداء وأهله وصحبه الكرام ومدفن أبطال الولاء والعلم والجهاد كابن فهد والوحيد والمجاهد وشريف العلماء والشيرازي وأضرابهم. بالإضافة إلى أنها مختلف الزوار من كثير من الأقطار.. حتى يصل عدد الوافدين إليها في بعض الزيارات إلى المليون نسمة (كما في بعض الإحصاءات) ومورد علاقات مسلمي العالم البالغ عددهم ثلاثمائة مليون أو أكثر... فمن اللازم الاهتمام لترفيع هذا المستوى أداءً لبعض حق الإمام (عليه السلام) ووفاءً لشيء من الواجب الإسلامي والمسؤول منه سبحانه أن يوفّقنا جميعاً للخدمة بكل جد وإخلاص واستمرار إنه هو المستعان.