رسالة عاشوراء: ابعاد الخدمة الحسينية
باسم حسين الزيدي
2019-09-11 05:00
(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله ألا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)
(التوبة: 32)
عندما قال الامام الحسين (عليه السلام) مقولته العظيمة "إني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه واله وسلم) أريد أن أمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي"، فأنه قد أعلن عن ثلاثة اهداف رئيسية لنهضته الخالدة:
1. الإصلاح في الامة
2. الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
3. السير على خطى جده وابيه
وبالتأكيد فإن لكن هدف من هذه الأهداف الثلاثة الكثير من المعاني الظاهرة والمستترة التي تحتاج الى المزيد من بذل الجهد في البحث والتنقيب لتبيان محاسنها وخفاياها لإثراء الإنسانية بمعانيها الخالدة على مر العصور، ولعل أيام وليالي محرم الحرام وصفر الخير الأنسب في الإعلان عنها ونشر الثقافة الحسينية بين الناس، وقد أشار المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي الى هذا الامر بالقول "أن يكون المحرم منطلقاً مناسباً لإبلاغ أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) إلى البشرية المتعطشة، حيث أن الإسلام دين عالمي لإنقاذ جميع الناس من الظلمات إلى النور، وليس دين ألف مليون مسلم فقط".
الخدمة الحسينية
ان أي شخص يسعى لتبيان هدف او أكثر من ابعاد النهضة الحسينية بحسب الطريق الذي يسلكه او يكون قادراً على سلوكه، فهو محسوب على طريق "الخدمة الحسينية" التي لا يقتصر ولا ينحصر سلوكها في طريق او طريقة معينة، بل يتسع مداها بمدى الكون الفسيح، فالكل يمكن ان يستلهم من هذه النهضة ما يعينه على اكمال مسيرة حياته لأنها بمجملها تملك التأثير المباشر على كل من يطلع عليها، بغض النظر عن انتمائه الديني او المذهبي او العرقي.
وهذا التأثير هو المطلوب في تغيير السلوك او تصحيحه، وهو الهدف الذي انطلق منه الامام الحسين (عليه السلام) في مخاطبه الناس، وكما قال السيد الشيرازي: "تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلون سلوك الناس وأخلاقهم في ظل النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار بما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام (عليه السلام) بنهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جده الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) وقدمها إلى البشرية ودعا الناس للتخلق بها في كل مراحل الحياة".
مظاهر الخدمة الحسينية
قد يعتقد البعض ان الخدمة الحسينية او قل خدمة القضية الحسينية تقتصر على توزيع الطعام والشراب والسكن أيام عاشوراء والأربعين، وإظهار الحزن والبكاء واقامة مواكب العزاء وغيرها من الاعمال التي اندرجت تحت مسمى الشعائر الحسينية.
ان ما سبق هو بعض مظاهر هذه الخدمة وليس كلها، وان كانت على جانب كبير من الأهمية كونها دافع وحافز قوي نحو التفاعل المباشر مع القضية الحسينية كما هو الحال مع قضية المنبر الحسيني، على سبيل المثال، والتي تعتبر واحدة من ابرز الاعمدة في هيكل الخدمة الحسينية لما تقدمه من رسائل ودروس وحماسة وتوضيح وتذكير للقضية الحسينية وابعادها المختلفة.
وقد دعا السيد الشيرازي الى الاستفادة منها وتنظيمها بصورة افضل لتتحقق منها اقصى الفوائد المرجوة: "هناك تجمع وتنظيم أساسي لا يمكن التغافل عنه، وعلينا أن نعيره أكبر اهتمامنا ألا وهو (التنظيم الحسيني) فمجالسنا الحسينية التي يقيمها أبناء الشعب في أيام عاشوراء وأربعين الإمام الحسين (عليه السلام) ووفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والصديقة الطاهرة (عليها السلام) ومجالس الوفيات للأئمة عليهم السلام والمجالس الأسبوعية والشهرية التي تقام في المساجد والمدارس والبيوت هذه المجالس يجب أن تكون ضمن تنظيم حسيني في كل مدينة وفي كل قرية، وتكون هناك قيادات منتخبة وتنسيق بين المجالس في اختيار الخطباء، وتنظيم المواكب العزائية واختيار الشعارات الإسلامية التي تنمي في نفسية الشعب روح الحركة والاندفاع".
أنواع الخدمة الحسينية
لخدمة النهضة الحسينية طرق شتى، يمكن من خلالها نشر أهدافها وتوضيح ابعادها بحسب القدرة على ذلك والايمان به، ويمكن ان نحدد ستة أنواع او ابعاد يمكن من خلالها نصر القضية الحسينية وايصال رسالتها الى كل بقاع العالم:
1. البعد المادي: توفير الأموال هو المحرك الأساسي لباقي الابعاد او اغلبها، فمواكب العزاء وتقديم الخدمات للزائرين ونقل الحدث عبر الفضائيات وتأليف الكتب وكتابة المقالات وغيرها لا يتم الا عبر توفير الدعم المالي اللازم لها، وبذلك يعتبر هذا البعد حيوي لديمومة واستمرار باقي الابعاد.
2. البعد الخدمي: الخدمات المقدمة للزائرين، من مأكل ومشرب وسكن وخدمات أخرى، أصبحت مضرب الامثال في الكرم وبذل الغالي والنفيس للتسابق في خدمة وارضاء الوافدين الى كربلاء المقدسة في أيام محرم وصفر، بل وتعداها الى باقي المناسبات الدينية في المدن المقدسة الاخرى، وهذا ما يدلل على مدى اتساع التأثر والحب والتفاعل مع هذا العطاء الحسيني المنقطع النظير.
3. البعد الفكري: من اهم الابعاد الحسينية التي أشار اليها السيد محمد الشيرازي بالقول: "أنه فيما يرتبط بشهر محرم الحرام، وخاصة يوم عاشوراء الدامي، وكذلك أيام الأربعين، هناك موضوعان في غاية الأهمية، يجب أخذهما بنظر الاعتبار، وهما:
۱- وجوب تطبيق كل الأحكام الشرعية وجميع القوانين الإسلامية الثابتة عن طريق القرآن والسنة المطهرة.
۲- وجوب هداية الناس جميعاً، وخاصة غير المسلمين، إلى الإسلام، وعلى المسلمين عامة، والخطباء والمبلغين وأصحاب القلم والمنبر خاصة، التحدث بهما والكتابة عنهما، حتى ينتشر ذلك في المجتمع الإسلامي، ويتعرف عليه جميع المسلمين".
فأصحاب القلم او "المفكرين" لهم دور كبير في صياغة اهداف النهضة الحسينية واستخراج النفائس منها ونشرها بين الناس لتكون نبراساً يستضيء به الانسان امام الظلام والجهل والتخلف وكل الآفات الشيطانية.
4. البعد الثقافي: التعريف بالثقافة الحسينية، فالحسين (عليه السلام) عندما خرج لم يكن يسعى الى امر مصلحي او لخلق فتنة، بل خرج ضد الظلم والاستبداد خط بخروجه ثقافة حسينية قائمة على رفض الذل واستعباد الانسان من قبل الحكام الجائرين وأصحاب النزوات والفاسدين، وهذا ما أكده في شرح سبب خروجه عندما قال: "إني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً"، وعلى هذا الأساس، فإن توضيح هذه الثقافة التي تحرر الانسان من قيود الخضوع والمهانة يمكن ان يحدث تأثيراً كبيراً في مختلف المجتمعات الإنسانية التي تعاني الظلم والاستبداد.
5. البعد الأخلاقي (السلوك): فلا يكفي ان نقول اننا على أثر الامام الحسين (عليه السلام) ونهضته الخالدة مالم نجسد السلوك الأخلاقي الذي دعا اليه الامام الحسين (عليه السلام) وطبقه حتى اخر لحظة من لحظات حياته المباركة.
6. البعد الإعلامي: هذا البعد على درجة عالية من الأهمية، كون الاعلام من اهم الطرق الناقلة لتفاصيل النهضة الحسينية ونشرها بين الناس وايصالها الى مختلف مناطق العالم، ويمكن ان يمارس الاعلام دوراً عكسياً في نشر المفاهيم الخاطئة عن القضية الحسينية، وبالتالي الإساءة بصورة ماشرة او غير مباشرة للإمام الحسين (عليه السلام)، لذا فإن الاعلام يضطلع بدور مهم في نشر حقيقة القضية الحسينية وابعادها المختلفة من جهة، والتصدي للإعلام الذي يحاول ان ينال من رفعة وسمو هذه النهضة بطريقة او بأخرى.