اسواق الفن.. استثمار الأغنياء والاسعار الخيالية

عبد الامير رويح

2015-05-16 08:36

عالم الفن بمختلف أنواعه، لا يزال يحمل الكثير من المفاجآت والأسرار خصوصا فيما يتعلق بسوق الفن والمزادات، وما تحويه من كنوز وأعمال قيمة حيث شهدت السنوات الأخيرة كما يقول بعض الخبراء إقبالا متزايدا على شراء التحف و اللوحات الفنية للمشاهير والعظماء، التي وصلت الى أسعار خيالية، وبحسب بعض التقارير الخاصة بالمؤسسة الأوروبية للفنون التشكيلية TEFAF وكما تنقل بعض المصادر، فان مبيعات الفنون واللوحات والأثريات حققت العام الماضي رقما قياسيا غير مسبوق من قبل حيث بلغ اجمالي المبيعات نحو 51 مليار يورو(53.3 مليار دولار)، موزعة على عمليات بيع تمت بين مئات من بيوت المزادات وصالات العرض في جميع أنحاء العالم.

وابرز ما جاء بالتقرير هو نمو سوق الفن على الانترنت، حيث سجلت مبيعات و تجارة الفنون عبر الانترنت نحو 6% من اجمالى المبيعات بما يوازى 3.3 مليار يورو(3.5 مليار دولار). و هذا الرقم يعنى الكثير خاصة و ان تجارة الفنون الالكترونية تعد أحدث أنواع التجارة الالكترونية . وتزايد الاهتمام بتجارة الفنون عبر الانترنت ، يشير الى إضافة ‘طبقة جديدة من الشركات’ المتعاملة مع القطع الفنية إلى السوق الفنون عامة، والتي تشمل كلا من شركات التجزئة التي تبيع منتجات الفنون مباشرة إلى المشترين على الانترنت، وكذلك طبقة الوسطاء الذين اصبحوا لاعبين اساسيين في هذه التجارة المربحة والذين يوفروا منبرا لصالات العرض التقليدية وبيوت المزادات لدخول لعبة البيع عبر الانترنت.

بصفة عامة وكما تنقل مصادر اخرى فان حجم الأموال التي يستثمرها الأغنياء في الاعمال الفنية بات لافتا للنظر والمزادات التي تبيع لوحات بأكثر من مائة مليون دولار تشير الى فقاعة لامعة في عالم الفن, في الوقت الذي تعاني فيه بقية المجتمعات من الركود او التراجع. واللافت للنظر ايضا تحول البنوك تجاه سوق الفن والاستثمار فيها، واذا تم تطبيق النظرية الاقتصادية على الفن, يمكن القول بأن الأغنياء يزدادون ثراء والاستثمار في الأعمال الفنية يزيدهم ثراء.

رقم قياسي

وفي هذا الشأن فقد اعلنت مجموعة ارتبرايس ان رقم اعمال المزادات العلنية للاعمال الفنية بلغ في 2014 مستوى تاريخيا بزيادة نسبتها 26 بالمئة على مدى عام مع ارتفاع كبير للمبيعات التي تجاوزت قيمتها المليون دولار. واحتفظت الصين بالمرتبة الاولى في هذا المجال متقدمة بفارق طفيف عن الولايات المتحدة في سوق تشهد تزايدا في عدد المتاحف، حسب هذه المجموعة الرائدة في المعطيات في هذا المجال.

وبلغ رقم اعمال هذه المزادات 15,2 مليار دولار مقابل 12,5 مليار في 2013 الذي كان بحد ذاته رقما قياسيا. وقال رئيس ومؤسس "ارتبرايس" تييري ايهرمان انها "نتيجة مذهلة.. ارتفاع بنسبة 300 بالمئة خلال عقد واحد". واضاف ايهرمان الذي وضع تقريره بشراكة مع المجموعة الصينية ارترون ان هذا الازدهار الكبير رافقته نسبة تبلغ 37 بالمئة في الغرب و54 بالمئة في الصين من القطع التي لم تبع. ولا تشمل هذه المعطيات القطع اثرية والمنتجات الثقافية التي لا يعرف مؤلفوها وقطع الاثاث. بحسب فرانس برس.

وقال التقرير ان العام 2014 شهد ايضا رقما قياسيا في المزادات التي بلغت قيمتها مليون دولار او اكثر، وهو عدد اكبر باربع مرات مما سجل قبل عشر سنوات. وقد بيع 125 عملا بعشرة ملايين دولار او اكثر، مقابل 18 في 2005. وتبقى الصين في الطليعة في هذا القطاع برقم اعمال بلغ 5,6 مليار دولار (بما في ذلك هونغ كونغ وتايوان)، بتراجع نسبته 5 بالمئة عن 2013. ومع ذلك بقيت متقدمة على الولايات المتحدة "لانها تملك اكبر سوق للاعمال القديمة"، كما قال تياري ايهرمان. وكانت 2014 سنة استثنائية في الولايات المتحدة حيث شهدت ارتفاعا بلغت نسبته 41 بالمئة لتصل قيمة المزادات الى 4,8 مليار دولار.

اسعار خيالية

من جانب اخر اصبح عمل لبيكاسو اغلى لوحة تباع في مزاد بعدما بيعت بمبلغ 179,36 مليون دولار خلال أمسية استثنائية شهدت تسجيل عشرة أسعار قياسية عالمية لدى دار كريستيز في نيويورك. وكان سعر لوحة "نساء الجزائر (النسخة صفر)" مقدرا ب140 مليون دولار. وقد تنافس عليها اربعة الى خمسة مزايدين وحطمت بسهولة السعر القياسي السابق الذي سجلته لوحة ثلاثية لفرنسيس بايكن بعنوان "ثلاثة دراسات للوسيان فرويد" وكان 142,4 مليون دولار لدى دار كريستيز في نيويورك العام 2013. وقد دامت المزايدات 11 دقيقة ونصف الدقيقة وانتهت وسط التصفيق الحار.

وهي أغلى لوحة يتم بيعها في تاريخ المزادات للأعمال الفنية. ولم تكشف دار كرستيز عن اسم أو أسماء الزبائن الذين اقتنوا اللوحة، عدا أنهم من القارة الآسيوية. وكان أغلى عمل فني من هذا النوع هو لوحة ثلاثية لفرانسيس بيكون التي بيعت بـ 142.4 مليون دولار في كريستيز في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

و"نساء الجزائر" لوحة غنية بالالوان يبلغ طولها 1,14 متر وعرضها 1,46 متر وتمثل مشهدا في حريم نساء. واللوحة هي الاخيرة من سلسلة انجزها الفنان الاسباني بين عامي 1954 و1955. وقد استوحى بيكاسو اعماله هذه من الرسام الفرنسي من القرن التاسع عشر اوجين دولاكروا. واراد من خلال هذه السلسلة توجيه تحية الى هنري ماتيس الذي توفي في تشرين الثاني/نوفمبر 1954. وقالت دار كريستيز ان اللوحة هي ايضا من آخر الاعمال الكبيرة لبيكاسو التي لا تزال ضمن مجموعة خاصة. وكانت لوحة "نساء الجزائر (النسخة صفر)" بيعت لدى دار كريستيز في العام 1997 بسعر 32 مليون دولار.

الى جانب ذلك بيعت لوحة "ممر اليسكان" للرسام فان غوخ بسعر 66 مليون دولار خلال مزاد في نييورك وهو السعر الاعلى للوحة لهذا الفنان الكبير منذ العام 1998 على ما ذكرت دار سوذبيز. وكان سعرها مقدرا في الاساس باكثر من اربعين مليون دولار وقد اشتراها مواطن اسيوي بعد مواجهة محتدمة بين خمسة مزايدين. والسعر القياسي لاحدى لوحات فان غوخ لا تزال مسجلة باسم "بورتريه الطبيب غاشيه" (1890) التي بيعت ب82,5 مليون دولار خلال مزاد نظمته دار كريستيز في نيويروك العام 1990. بحسب فرانس برس.

ومن القطع الاخرى الملفتة خلال مزاد لوحة من سلسلة "النيلوفر" للرسام الفرنسي الانطباعي كلود مونيه التي بيعت بسعر 54 مليون دولار في حين كانت دار سوذبيز تقدر سعرها بين 30 و45 مليون دولار. وتنوي دار سوذبيز خلال مزادات الفن الانطباعي والحديث عرض 69 عملا للبيع يقدر سعرها الاجمالي باكثر من 270 مليون دولار من بينها ست لوحات لكلود مونيه.

معرض ارابسك

على صعيد متصل تحل عبقرية ماتيس ضيفا على قصر كيرينلي في روما حتى 21 حزيران/يونيو بمناسبة معرض يستعيد تأثير الشرق على اعمال هذا الفنان، وهو احد الفنانين الفرنسيين الاكثر انجذابا الى الثقافات الاخرى. المعرض بعنوان "ماتيس ارابسك" ويضم للمرة الاولى في روما اكثر من 100 عمل مأخوذ من اهم المجموعات في العالم من بينها مجموعة "تايت غاليري" في لندن و "متروبوليتان ميوزيوم" ومتحف الفن الحديث في نيويورك ومتحف بوشكين في موسكو ومركز بومبيدو ومتحف كاي برانلي في باريس.

وقد كتب هنري ماتيس في العام 1947 الى الناقد الفني غاستون دييل "اتاني الوحي من الشرق". ولم يكن ذلك مجرد وحي بل كان تأثرا ثقافيا متعاظما نراه يتطور في لوحات الفنان من خلال التجول في قاعات قصر كيرينالي المقر السابق للبابوات والذي يضم الان رئاسة الجمهورية. هو شرق يوحي بفضل زخارفه والوانه النابضة بالحياة، بفضاء اوسع يحرر الاعمال من قيودها. وتبدأ الزيارة بلوحة لمنظر طبيعي "اروم ايريس وميموزا" التي تمهد لسحر الالوان لدى الفنان مع لوني الازرق والاخضر اللذين يذكران ببلدان المغرب العربي ليتواصل بعد ذلك في اعمال مستوحاة من التيار البدائي في الرسم الذي نشأ في روسيا. وتصبح هنا الالوان قاتمة والاشكال اكثر بساطة وهندسية كما هي الحال في لوحات "بورتريه ايفون لاندسبرغ" و"الايطالية" و"الشقيقات الثلاث".

ينتقل بعدها الزائر الى اعمال مستوحاة من آسيا مع لوحات من مجموعة انييلي مثل لوحة "غصن شجرة الخوخ، خلفية خضراء". في القاعات الاخيرة تتجلى اجواء المتوسط بكل الوانه من خلال لوحة "زهرة على الشرفة" و "المغربي بالاخضر"، ليحل بعدها سحر الجاريات مع "جارية زرقاء". ومن بين التحف الاخرى المعروضة "راقصات اسبانيات". وتختتم لوحة "اسماك حمراء" الشهيرة المحفوظة في متحف بوشكين في موسكو، المعرض.

وكان الفنان الفرنسي اكتشف الثقافة الشرقية خلال انتشار الفن الافريقي الشمالي والياباني في باريس في نهاية القرن التاسع عشر ومن ثم بمناسبة المعرض العالمي في العام 1900 خلال زيارته لاجنحة تركيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر. وقام الفنان بعد ذلك بزيارات كثيرة الى منطقة المغرب العربي والى آسيا وروسيا ايضا والتي جلب منها الكثير من القطع الفنية مثل الخزفيات والسجاد والتماثيل الصغيرة. بحسب فرانس برس.

واوضحت استير كوين استاذة الفن المعاصر في جامعة اكويلا ومنظمة المعرض "لهذا السبب يتضمن المعرض الكثير من القطع الشرقية التي اعرنا اياها بغالبيتها متحف كاي برانلي في باريس. وقد عرضت قبالة اللوحات وهي سجاد واقنعة وكنوز اخرى تتجاذب وتتواجه عاكسة بشكل مثالي اعجاب ماتيس بالشرق في كل مرحلة من مراحل حياته". واعتبر فابيو ايسمان الناقد الفني والكاتب الايطالي "في هذا المعرض الاستعادي الامر لا يتعلق بالفن فقط بل بربط الفن بقطع ثقافية عزيزة على ماتيس. العمل الذي قام به المنظمون استثنائي. وعبقرية ماتيس الملونة تفعل فعلها".

احكام قضائية

في السياق ذاته قضت محكمة فرنسية بإعادة نحو 300 من أعمال بابلو بيكاسو إلى عائلة الفنان الراحل بعد أن رفضت شهادة عامل سابق قال إن آخر زوجات بيكاسو أعطته إياها هدية قبل أكثر من 50 عاما. وصدر حكم بالسجن لعامين مع وقف التنفيذ بحق فني الكهرباء المتقاعد بيير لو جوينيك (75 عاما) وزوجته دانييل (71 عاما) لتعاملها في بضائع مسروقة. كما أمرتهما المحكمة بتسليم 271 عملا بقيمة تتراوح بين 60 و120 مليون يورو (64 و128 مليون دولار) لورثة بيكاسو الذي توفي في 1973 .

وقال لو جوينيك -الذي وظفه بيكاسو للعمل في اخر منزل أقام به في موجان بجنوب شرق فرنسا- للمحكمة في جراس إن جاكلين بيكاسو قدمت له صندوقا يحتوي على مجموعة غير موقعة من الأعمال التي تضمنت رسوما ولوحات بموافقة زوجها في 1971 أو 1972 . وقال في شهادته "في إحدى الليالي استدعتني السيدة إلى الردهة بينما كنت أغادر المكان وقالت لي.. هذا لك."

وظل الصندوق في مأوى سيارات لو جوينيك قرابة 40 عاما قبل أن يجلبه الثنائي إلى باريس لمعرفة قيمته المالية في 2010. وبعد اكتشاف الخبيئة تواصل ورثة بيكاسو مع السلطات التي فتحت بدورها تحقيقا في الأمر. وعبر كلود رويث بيكاسو أحد أبناء بيكاسو عن ارتياحه للحكم وقال إن المجموعة -التي يعتقد انها ترجع للفترة بين 1900 و1932- تتضمن أعمالا مهمة ويمكن عرضها الآن.

من جانب اخر رفضت قاضية بمحكمة اتحادية في نيويورك دعوى بقيمة 40 مليون دولار رفعها جامعو فنون ضد مؤسسة الرسام الراحل كيث هارينج والتي وصفت 80 عملا يقتنيها هؤلاء الجامعون بأنها مزورة. وقدمت قاضية المحكمة الجزئية الامريكية دينيس كوتي اقتراحا برفض الدعوى ضد مؤسسة كيث هارينج والتي رفعتها العام الماضي اليزابيث بيلينسكي ومقتنون آخرون كما اشارت وثائق المحكمة. ورفضت كوتي مزاعم بانتهاك قوانين منع الاحتكار والدعاية الزائفة. كما رفضت دعاوى منفصلة قدمت بموجب قانون ولاية نيويورك.

وقال مقتنو الاعمال الفنية انهم اشتروا هذه الاعمال من أصدقاء هارينج الذي توفي عام 1990. وركزت اعماله على ثقافة الشارع في الثمانينات في نيويورك وغالبا مع رسائل سياسية أو اجتماعية. وتحوز هذه المؤسسة اعمالا رسمها هارينج تقدر بنحو 25 مليون دولار في 2011 وفقا لقرار كوتي الذي جاء في 35 صفحة. وزعمت الدعوى القضائية ان المؤسسة رفضت اصالة هذه الاعمال التي يقتنيها جامعو الأعمال الفنية منذ 2007 ورفضت مراجعة دليل جديد قدمه في وقت لاحق جامعو الاعمال الفنية قبل وصفها بأنها زائفة. بحسب رويترز.

وعرض نحو 80 عملا قيل أن هارينج رسمها في ميامي في مارس آذار 2013. وبعد يومين رفعت المؤسسة دعوى قضائية لإغلاق المعرض بدعوى أن هذه الاعمال مزيفة. ودفعت الدعوى بأن منظم المعرض وافق على رفع الاعمال من المعرض واخفق الجامعون في بيع اي من هذه الاعمال. وقالت ان المبيعات في معرض ميامي كانت ستحقق 40 مليون دولار على الأقل. وقال جامعو الاعمال الفنية إن المؤسسة ترغب في ان تحافظ على عدد اعمال هارينج المتحقق من صحتها منخفضا من اجل ان تزيد من قيمة الاعمال المتحقق من اصالتها الموجودة في حيازتها.

امريكا والمانيا

الى جانب ذلك قالت وزارة الخارجية الأمريكية ومؤسسة (مونيمنتس من) إن الولايات المتحدة أعادت إلى ألمانيا خمس لوحات مفقودة منذ الحرب العالمية الثانية حتى تصل إلى ملاكها المستحقين. وقالت المؤسسة -التي تهدف إلى استعادة الأعمال الفنية المفقودة منذ الحرب- إن هذه الخطوة جاءت بناء على وصية عائلات الاشخاص الذين كانوا يستحوذون على اللوحات.

واللوحات من بين آلاف الأعمال المفقودة التي تأمل المؤسسة باستعادتها عبر خط ساخن خاص تأسس بعد اطلاق فيلم (ذا مونيمنتس من) في 2014 الذي تناول فرق تحالف قوى كلف باستعادة الأعمال الفنية المسروقة. وقالت فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية للصحفيين "اللوحات .. تمثل جزءا مهما من التاريخ الثقافي الألماني. لها تاريخ طويل." وأضافت "اختفت مع نهاية الحرب وعادت للظهور في الولايات المتحدة."

وثلاثة من اللوحات -التي تعود اصولها إلى معرض فني بمدينة دساو في ألمانيا- فاز بها جندي امريكي في لعبة قمار وارسلها عبر البريد إلى زوجته. وقالت المؤسسة إن اللوحات التي تعود للفنانين فرانز فرانشتين الثالث وكريستيان فيلهلم ارنست ديتريتش وفرانز دي بولا فريج كانت مخبأة في منجم للبوتاسيوم للحفاظ عليها أثناء الحرب. وجاءت لوحة من الاثتنين المتبقيتين -والتي تعود للأميرة فيكتوريا ابنة الملكة فيكتوريا- من قلعة قريبة من فرانكفورت صادرتها القوات الامريكية وحولتها إلى ناد للضباط. بحسب رويترز.

واشترت هذه الأعمال -التي تشمل لوحة لوجه الأميرة فيكتوريا وهي طفلة تحملها أمها- امرأة خدمت كأمينة مكتبة للخدمات الخاصة الأمريكية في عام 1945. وقال روبرت ايدسل -مؤسس مؤسسة (مونيمنتس من)- إن الفيلم المأخوذ عن كتاب له بنفس الاسم ساهم في استعادة الاعمال.

ثروة بـ( 175) دولارا فقط

من جهة اخرى باع فلسطيني بوابة منزله الذي تهدم في الحرب الأخيرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في قطاع غزة إلى فنان محلي ليدرك لاحقا وسط ذهوله أن الفنان العالمي الشهير بانكسي رسم عليه لوحة برذاذ الطلاء تساوي ثروة صغيرة. وقال ربيع دردونة وهو أب لستة أولاد من شمال غزة إنه باع بوابة منزله المهدم المصنوع من الحديد والقرميد إلى فنان فلسطيني دفع له 700 شيقل (175 دولارا) في المقابل.

وزار بانكسي - المعروف برسمه جداريات ساخرة في أماكن غير متوقعة - غزة في وقت مبكر من هذا العام ورسم برذاذ الطلاء على بوابة منزل دردونة مشهد إلهة تسند رأسها على يدها من بين عدة جداريات لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة رسمها في غزة. وقال دردونة "لم يكن لدي أي فكرة عن قيمة اللوحة ولا عن من هو بانكسي... لو كنت بعرف ما كنت بعت الباب بهذا الثمن الرخيص."

وتباع رسوم بانكسي في العادة بأكثر من 500 ألف دولار. وفي عام 2013 بيع رسم جداري على واجهة متجر في لندن عام 2013 في مزاد خاص بمبلغ 1.1 مليون دولار. ولم يعلن بانكسي وهو من بريستول في غرب انجلترا أبدا عن هويته الحقيقية. وقال دردونة إنه شعر بأنه تعرض للاحتيال وحاول الاتصال بمشتري البوابة لاسترجاعها لكنه لم يرد. وأكد "بدي استرجع الباب وبعدين ممكن انظر في العروض الي راح تقدم لي... المرة القادمة سوف أبيعها كلوحة لبانكسي وليس كباب قديم." بحسب رويترز.

لكن رسام الجرافيتي والصحفي بلال خالد قال إنه لن يعيد البوابة لدردونة أو يبيعها في الوقت الحالي. وأضاف "لقد اشتريت الباب حتى أحافظ على اللوحة وأحميها من الإزالة أو التلف أو التدمير" مشيرا إلى أنه تتبع نشاط بانكسي الفني لعدة سنوات واستلهم أعماله. وتابع "منذ أن بدأت كرسام جرافيتي كان لدي حلم هو أن اقتني أي عمل فني من أعمال بانكسي." وأشار خالد إلى أنه أبلغ دردونة بأن الرسم على بوابة منزله لبانكسي لكن لم يبد أن للأمر أي أهمية لديه. وقال ردا على سؤال عما إذا كان يريد بيع اللوحة "أنا لا أفكر في بيعها حاليا. سوف أنظر في أي عروض من أجل عرض اللوحة في معارض دولية لكي تتحدث عن المعاناة في غزة وعذابات الحرب."

نيويورك ولوس انجليس

في السياق ذاته تشهد الساحة الفنية في لوس انجليس فورة كبيرة بسبب موجة من الفنانين وقاعات العرض الفنية التي تهجر نيويورك لانها اصبحت مكتظة وغالية جدا للفنانين الشباب. وصرح فيليب فيرن مدير متحف الفنون المعاصرة (موكا) في المدينة أن "عددا كبيرا من الفنانين يأتون للاستقرار في لوس أنجليس". ولفت إلى أن "مجال الفنون يشبه مجال العقارات، فينبغي تتبع الفنانين لتحديد المناطقة المحتملة للنمو".

وأصبحت "قوة لوس أنجليس في فنانيها والكليات التي خرجت أجيالا من الفنانين"، على حد قول مارتا كيرسزنباوم مديرة مركز فارنهايت للفنون الذي فتح أبوابه قبل سنة في منطقة مزدهرة في وسط لوس أنجليس. وتتضمن لوس انجليس كليات فنون هي من الأعرق في البلاد، بما فيها "كال آرتس" وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس (يو سي ال ايه) وجامعة كاليفورنيا الجنوبية (يو اس سي).

وأصبحت مقرا لكبار الفنانين المعاصرين، من أمثال جون بالديساري وكاثرين أوبي وكريس بردن وبربرا كروغر وإد راشا. وراحت قاعات العرض الفنية تنتشر فيها بسرعة فائقة، مع ان عددها قليل بالمقارنة مع مئات الصالات المتمركزة في نيويورك. وقالت كارولينا دانكوو مديرة قاعة "كارما" التي تتخذ في زوريخ مقرا لها والتي فتحت قبل فترة قصيرة فرعا في لوس انجليس إن "نيويورك باتت تعاني من تخمة في صالات العرض ... في حين أن الوضع يتطور" هنا. وأضافت " الكل يعلم أن قاعات العرض الكبيرة تنتقل إلى هنا"، من قبيل غافن براون وماثيو ماركس.

كذلك باتت المهرجانات الفنية تنظم دوراتها في قلب لوس انجليس، حتى أن القيمين على المعرض الدولي للفنون المعاصرة (اف آي إيه سي) الذي يعد من أكبر معارض الفن المعاصر في العالم يتباحثون في فكرة تنظيم دورة في لوس أنجليس. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا عن هذه الظاهرة جاء فيها أن سكان نيويورك باتوا ينتقلون الى مدينة كانوا يهزأون منها في السابق، نظرا للايجارات الخيالية في نيويورك والبرد القارس في الشتاء والاستياء العارم.

والرزنامة الفنية حافلة على ساحل الولايات المتحدة الشرقي مع فعاليات من قبيل "ارموري شوو" في نيويورك وآرت بازل في ميامي. ولهذا السبب يعتبر الانتقال الى ساحل الولايات المتحدة الغربي "امرا منطقيا" بحسب جان دانيال كومباين اوف ريد منظم المعرض الدولي للفن المعاصر وملتقى باريس للتصوير. ومما لا شك فيه على صعيد المؤسسات، انه يصعب التخلي عن نيويورك خصوصا مع متاحف فنية ذائعة الصيت عالميا بينها متحف الفن الحديث و"متروبوليتان ميوزيم" للفنون و"ويتني" و"غوغنهايم" و"ديا آرت فاونديشن". وأضاف فيرن "اننا لا نملك لوحة آنسات أفينيون ضمن مجموعة دائمة هنا"، في اشارة الى اللوحة الشهيرة التي رسمها بيكاسو سنة 1907 ويعرضها متحف الفن الحديث في نيويورك.

من ناحيته صرح مايكل غوفان مدير متحف "آل ايه كاونتي ميوزيم أوف آرت" (آل ايه سي ام ايه) الذي يحتفل بعيده الخمسين "نحن في بعض الأحيان متأخرون 100 سنة مقارنة مع بعض المؤسسات على الساحل الشرقي". وتابع قائلا "لدينا مجموعة رائعة، لكننا نحاول بطرق عديدة تعويض ما يفوتنا"، لافتا الى أنه تلقى تبرعات بأعمال لإدغار ديغا وآندي وارهول وكلود مونيه لمناسبة معرضه "50 فور 50".

واشار غوفان إلى وجود "عدد أقل من الأسماء الكبيرة الرائجة التقليدية هنا"، لكن "نتمتع بمنزلتنا كمتحف بعيد قليلا عن المركز، وبالنسبة لي فإن الاستمتاع بمشاريع ومواضيع جديدة أمر مسل اكثر". ومن حيث عدد الزوار، يستقبل متحف "ال ايه سي ام ايه" في لوس انجليس 1,2 مليون شخص سنويا، وهو معدل ارتياد أدنى بكثير من ذلك الذي يسجله متحف الفن الحديث في نيويورك الذي يفتح أبوابه لـ2,5 مليون شخص كل عام. لكن عدد زوار متحف لوس انجليس تضاعف خلال السنوات الثماني الاخيرة.

كذلك لفت غوفان إلى أن متحفه استضاف عرضا لعمل للمخرج تيم بورتون كان سابقا في متحف الفن الحديث، اضافة الى معرض استعادي للفنان الأميركي جيمس توريل انتقل بعدها إلى آسيا. وقال "لقد جعلت نقل عروضنا الى مناطق اخرى من اولوياتنا الرئيسية لأنني أعتقد أن لوس أنجليس وكاليفورنيا عموما لديها الكثير لتقوله". بحسب فرانس برس.

في هذا الوقت، يستمر التوسع الفني الى لوس انجليس بزخم كبير: إذ أن إيلي وإديت برود المعروفين بأعمالهما الخيرية سيدشنان متحفا في أيلول/سبتمبر لعرض مجموعتهما المؤلفة من الفي قطعة فنية بما في ذلك أعمال لفنانين كبار من أمثال وارهول وجان ميشال باسكيا وروي ليختنشتاين وسيندي شيرمان. كذلك يعمل المصممان الفرنسيان من أصل مغربي موريس وبول مارسيانو، الاخوان اللذان جمعا ثروة كبرى بفضل العلامة التجارية "غيس"، على مشروع متحف لعرض مجموعتهما الخاصة.

شوارع طهران

من جانب اخر فوجئ سكان العاصمة الايرانية باستبدال اللوحات الاعلانية في الشوارع باعمال فنية لرسامين ايرانيين او غربيين مثل بيكاسو وماتيس وفان غوغ تشكل لهم معرضا فنيا يخفف من وطأة الازدحام المروري. وتقول ليلى محمدي وهي طالبة في الرابعة والعشرين "انه امر رائع ان نشاهد كل هذه اللوحات بدل اعلانات تجارية لهذه العلامة او تلك". وفيما تغرق طهران بالزحام المروري والتلوث اللذين يحيلان حياة سكانها صعبة للغاية، تؤدي هذه الاعمال الفنية مهمة الترويح عن سكان العاصمة البالغ عددهم اكثر من 12 مليونا.

فقد بات بامكان السائقين وركاب السيارات العالقة في الاكتظاظ المروري ان يتأملوا لوحات لفان غوغ وهنري ماتيس وغيرهم من الرسامين الغربيين، اضافة الى لوحات لرسامين آسيويين ومحليين. وفي الاجمال، وضعت نحو مئتي لوحة لرسامين غربيين وآسيويين الى جانب 500 لوحة لرسامين ايرانيين، حولت طهران الى ما يشبه معرضا فنيا كبيرا يمتد على عشرة ايام.

ومنعا لاثارة اي جدل، قررت القيمون على المشروع عدم اختيار اي لوحة لفنانين ما زالوا على قيد الحياة، ولاسيما من الرسامين الايرانيين. وكان الثورة الاسلامية التي تولت مقاليد الحكم في البلاد في العام 1979 حظرت كل انواع الدعاية الاعلانية، بداعي مكافحة الثقافة الاستهلاكية المادية، لكن الاعلانات بدأت تظهر شيئا فشيئا منذ التسعينات، على جدران العاصمة وكذلك على شاشات التلفزيون.

وقال حامد رضائي المسؤول في هيئة تجميل العاصمة "تعود جذور هذه الفكرة للنحات سعيد شهلبور قبل نحو عشرة اعوام". وقبل اسابيع، انطلقت العملية بما يراعي القيود التي تفرضها السلطات الاسلامية في اختيار اللوحات. ورحبت ليلي غولستان التي تدير معرضا فنيا في طهران بهذه المبادرة ورأت انها "تدل على توجه ثقافي مثالي". وقال محسن مسلمي، وهو سائق سيارة اجرة "زبائني كلهم مسرورون لانهم يتعرفون على الرسامين الايرانيين والاجانب".

واضافة الى الاعلانات التجارية، كانت جدران طهران تكتظ باللوحات الدعائية الرسمية التي تنطوي على تذكير بالقيم الاخلاقية والمبادئ الدينية، اضافة الى لوحات تحمل عبارات العداء للولايات المتحدة. ويقول جمال كامياب مدير منظمة تجميل العاصمة "ان مشاهدة لوحات فنية في مكان هادئ لا شك انه مؤثر اكثر، لكن كم هي نسبة الاشخاص القادرين على الذهاب الى المتاحف والمعارض الفنية؟ اردنا بهذه المبادرة ان نجلب الفنون الى متناول الناس". وتنفي السلطات وجود اي خلفية سياسية لهذه المبادرة. بحسب فرانس برس.

ويقول رضائي "استغرب كثيرا ان يفكر البعض بهذه الطريقة، ليس هناك اي دوافع سياسية لهذا الامر، كل ما نريده هو تحسين المستوى الثقافي للمواطنين". ويضيف "لقد حققت هذه المبادرة نجاحا كبيرا سيدفعنا الى تكرارها مرتين او ثلاث مرات سنويا". ولكن لا شك ان هذه العملية الثقافية ستكون مفيدة لرئيس بلدية طهران المحافظ محمد باقر قاليباف البالغ من العمر 54 عاما، والذي سبق ان كان في ضابطا رفيعا في الحرس الثوري وقائدا للشرطة الوطنية، في حال قرر خوض الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2017، بعدما فشل في ذلك في العامين 2005 و2013. وقد ضاعف قاليباف المشاريع الثقافية والعمرانية في طهران في السنوات القليلة الماضية وانشاء الحدائق وشق الطرقات وبناء الجسور.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي