أربع سنوات على ثورة دوار اللؤلؤة... شعب ينبض بالحرية

باسم حسين الزيدي

2015-02-15 12:46

بالأمس مرت الذكرى الرابعة لانتفاضة 14 فبراير/شباط عام 2011، والتي اختار فيها شعب البحرين حق التعبير عن رأيه والمطالبة بحقوقه المشروعة في اصلاح نظام الحكم وتعديل القوانين المنحازة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، إضافة الى رفع القيود المفروضة على الحريات العامة وعدم التضييق على النشطاء السياسيين وأصحاب الرأي، وتصدر المواطنون الشيعة معظم المظاهرات والاحتجاجات التي غطت المملكة (بمساحتها الصغيرة) بأنهار من المحتجين الغاضبين خرجوا من جميع قرى ومدن وقصبات البحرين، وسبب حراجة كبيرة لنظام (ال خليفة السني الذي حكم المملكة منذ العام 1782 بعد ان قبل بشروط الاحتلال البريطاني ووقع عدة معاهدات معه) بعد ان وضعت شرعية النظام والحكم على المحك بخروج "الأغلبية" المطالبة بالإصلاحات السياسية والمعترضة على طريقة إدارة البلاد والتمييز بين مواطني المملكة على أساس ديني او عرقي او طائفي.

وبعد اسابيع قليلة من بداية الاحتجاجات التي جاءت متزامنة مع احتجاجات (تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، السعودية) اخرى في بلدان عربية، عانت من أنظمة استبدادية وظالمة لشعوبها (عرفت لاحقا بثورات الربيع العربي، وتأثرت بها العديد من شعوب دول الشرق الأوسط وبعض شعوب الدول الغربية التي اقامت حركات احتجاج واسعة للمطالبة بالإصلاحات السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية)، إدراك النظام الخليفي ضعف موقفه وعجزة عن تحقيق المطالب الشعبية التي تمحورت حول تعديل نظام "الملكية المطلقة" الى "ملكية دستورية" للحد من السلطات الواسعة التي تتمتع بها عائلة "ال خليفة" المالكة، إضافة الى المطالب الشعبية الأخرى، فكان رد الفعل الرسمي يعتمد على ثلاثة اتجاهات:

1. انهاء رمزية "دوار اللؤلؤة" بتفريق المعتصمين والخيم التي نصبوها حول النصب، بالقوة المفرطة، والتي تناقلتها جميع وسائل الاعلام العربية والغربية، وسط ادانه دولية واسعة، بعد ان استخدمت فيها القوات الأمنية أسلحة محرمة دوليا، وأدت الى مقتل وجرح العشرات من المتظاهرين والمحتجين بصورة سلمية.

2. الاستعانة بقوات "درع الجزيرة" بمساندة من السعودية (إضافة الى الامارات والكويت)، التي أرسلت أكثر من 1000 جندي بكامل عدتهم ومعداتهم الثقيلة (طبعا بطلب رسمي من نظام ال خليفة)، خلال ساعات وعبر الجسر الرابط بين السعودية والبحرين، والذي شيدته السعودية على نفقتها الخاصة، تحسبا لمخاطر كالتي حدثت في ربيع البحرين.

3. اعلان قانون "السلامة الوطنية"، او قانون الطوارئ، والذي عادة ما يبيح للحكومات المستبدة جميع المحظورات الدولية، بالإضافة الى شن حملات امنية واسعة (على مدى الأربع سنوات الماضية)، اعتقلت خلالها الالاف وحاكمت المئات بالسجن المؤبد او الإعدام، كما نفت وسحبت جنسيات العشرات من المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي.

فيما يتعلق بالنقطة الثالثة، كانت الحكومة تحتاج الى حجة لإقناع الاخرين (افراد، دول، منظمات حقوقية) بشرعية ممارستها القمعية ضد متظاهرين سلميين، لم يرفعوا بوجه الحكومة سوى اللافتات والشعارات المطالبة بالإصلاح والحقوق، وغالبا ما يستخدم النظام البحريني نفس الحجة القديمة في تبرير مواقفه التي تستهدف شريحة دون أخرى داخل المملكة، وهي اتهام المتظاهرين بالتبعية لجهات أخرى، او تنفيذ اجندات خارجية، والتي يقصد بها "إيران"، والغريب ان النظام قد تناسى الاستفتاء العام الذي جرى قبل عام من استقلال المملكة (1970) تحت اشراف الأمم المتحدة، بعد ان طالبت ايران بحقها في حكم البحرين كجزء من أراضيها، والذي رفضه المواطنون الشيعة قبل السنة (بالتصويت)، وحافظت البحرين على هويتها العربية من خلال هذا الاستفتاء، ولو كانت التهم الحالية التي توجه ضد المحتجين من قبل النظام (التخابر مع دول اجنبية، الطائفية، الإرهاب، تمزيق النسيج الاجتماعي، قلب النظام...الخ) حقيقية، لكان الأولى بهم الذهاب مع انضمامهم لإيران منذ ذلك الوقت.

طبعا النظام البحريني وجد نفسه محاصرا من قبل المجتمع الدولي، الذي وان كان خجولا في ردود افعاله، الا ان الممارسات القمعية والعنف المفرط فاق كل التوقعات واجبر بعض الأصوات الأممية والغربية على الإدانة والاستنكار، وبالتالي حاول التقليل من التداعيات السلبية لانقلاب الرأي العام ضده، فشرع في فتح باب الحوار (بعد قمع الانتفاضة البحرينية) مع القوى السياسية التي تمثل المتظاهرين، وشكل لجنة "تقصي الحقائق" التي تضمنت بمجملها ادانات واضحة للنظام والعنف المفرط الذي استخدم ضد المتظاهرين، إضافة الى توصياتها بإيجاد حلول سياسية لإنصاف المتظاهرين، سيما وانها لم تثبت ان الثورة كانت تابعة لأي جهة ادّعى النظام تبعية المحتجين اليها، لكن الإهمال والتصلب في المواقف كان نصيب هذه التوصيات، وجميع التوصيات السابقة التي وجهتها منظمات اممية ودول غربية وشخصيات عالمية بارزة في مجالات حقوق الانسان، واستمر النظام بالتعدي على المواطنين في البحرين، من اجل تحويل الثورة الشعبية والسلمية في اصلها، والتي نادت بمطالب إصلاحية واسعة، الى ثورة قامت من اجل الطائفية والتبعية لدولة أخرى، وانها تستخدم أسلوب الإرهاب في تنفيذ مطالبها (حتى تبرر ان استخدام القوة جاء كرد فعل)، فشن، في سبيل ذلك، حملة واسعة استهدفت القيادات والرموز الدينية للشيعة، وتهديم ومصادرة عشرات الجوامع والحسينات، ومحاربة الشعائر والطقوس الدينية، ومصادرة الكتب، ونشر الكتابات الطائفية في الصحف والمجلات ومن على المنابر الدينية، وغيرها العشرات من الأساليب الدعائية.

وبالنظر الى تاريخ البحرين الطويل، والمليء بالانتفاضات الرافضة للاستبداد والحكم الديكتاتوري، يمكن على المراقب الاستنتاج بسهولة، ان شعب البحرين ينبض بالحرية، ولا يمكنه ان يقبل القيود او السكوت عن الظلم تحت أي ضغط او قمع، بالمقابل فإن اغلب الحكومات التي مارست القمع والوحشية تجاه شعوبها لم يكتب لها البقاء طويلا، وان النزول عند رغبة الشعب هو الحل الاسلم والامثل في درء المخاطر عن نفسها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي