الفدرالية المستحيلة، أم الاقاليم الممكنة؟
حيدر الجراح
2015-02-09 08:36
الدول العربية بشكلها الحالي هي خرائط سايكس بيكو على أنقاض الدولة العثمانية العليّة، والخلافة الاسلامية...
وجميع الدول العربية التي تحررت من الاستعمار، هي موحدة قسريا تبعا لتلك الخرائط السابقة بحكم الانظمة السياسية التي حكمتها وحاولت ان تصهر جميع مكونات بلدانها في هوية وطنية واحدة، جامعة مانعة، الا ان هذا الجمع الموحد غابت عنه مفردة اساسية من مفردات بناء الدولة الوطنية وهي المساواة..
الخلافة الاسلامية فكرة مركزية في المخيال الاسلامي، وتوحيد الاجزاء تحت راية الدين والدولة هو دأب كل الحكام الذين حكموا تلك الامبراطوريات منذ العهد الاموي وحتى نهاية الدولة العثمانية..
بالتالي تلك الفكرة استمرت مركزيتها بما الت اليه اشكال الدول التي رسمتها خرائط الاخرين، وكان القمع هو الصوت الوحيد الذي يعلو اذا حدث الاختلاف بين الاطراف والمركز..
ماعلاقة تلك الفكرة المركزية بالفدرالية؟
من المعروف بان الفدرالية كشكل من انظمة الحكم بما الت اليه في دساتير بعض الدول، هي مفهوم حقوقي ونظام سياسي، ترسخ في بنية تلك الانظمة السياسية، الا انها بالمقابل ايضا
بنية اقتصادية واجتماعية وثقافية، عملت تلك الانظمة على ترسيخها في مجتمعاتها، لكننا حتى الان في مجتمعاتنا لم نستطع من بلورتها كبنية اصيلة في شكل الدولة الحالية، رغم الفقرات الدستورية والحديث السياسي المتكرر عنها..
الفدرالية في احد تعريفاتها تعني (المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة، وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وشعوب وأقوام، أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات أو أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، والدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية مع الالتزام بتطبيقها وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد).
فشلت الدولة الوطنية على كافة الجوانب، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يعود ذلك في الجانب الاقتصادي، الى ان السياسات الاقتصادية لم تبلور حلولا ناجحة لاقتصاد مركزي موروث عن الانظمة السابقة التي حكمت الدول والعراق منها، وكانت فيه الدولة وبتعبير ادق سلطة المركز هي الموجه لدفة الاقتصاد الوطني عبر سياساتها الاشتراكية المستعارة من اشتراكيات شيوعية، واعتمادها على اقتصاد ريعي سلعته الاساس هي النفط..
في الجانب الاجتماعي، لم تستطع الدولة المركزية، وانا اتحدث هنا عن العراق، رغم التشابه بينه وبقية البلدان العربية، لم تستطع تلك الدولة وعلى مدار تاريخها منذ التأسيس والتشكيل القسري ان تتعامل مع مكوناتها المجتمعية بعدالة او مساواة، مما ادى الى خلق تفاوت كبير بين المناطق المختلفة التي تفرش عليها الدولة سلطتها، وهي ايضا لم تكن قادرة على ادارة التغييرات الاجتماعية والتي عادة ماتكون مفاجئة لها، وهي ايضا لم تحقق نوعا من الاندماج الاجتماعي بين المكونات وتكوين هوية وطنية واحدة بعيدا عن الشعارات المركزية الداخلية او الشعارات القومية التي تتناغم مع المحيط الاقليمي.
في الجانب الثقافي، وسمت تلك العقود الطويلة من الخلل الاقتصادي والاقصاء الاجتماعي، بنية السلطة السياسية، بما هي التعبير الفج عن الاستبداد والذي تتيح له المركزية الناشبة في كل مفاصل الحياة من التمدد والانتشار والترسيخ، لتصبح المركزية هي الحاضر الابرز وعبر دلالات فرعية موازية (الاب – شيخ العشيرة – الرئيس- القائد) حتى انعكست تلك الصورة على التنظيمات الاجتماعية والسياسية كالنقابات والمنظمات والاحزاب، وحتى المؤسسات الثقافية.
في بنية ثقافية مثل التي توجه التفكير والسلوك لدى افراد المجتمع العراقي، تقوم على الاقصاء والالغاء والتغالب، لايمكن للفدرالية ان تنجح على مساحة العراق كله، لان واحدة من معاني الفدرالية هي التوليف او التوفيق بين ماهو متناقض في بعض المفاهيم وفي عناصر بنية النظام، اي توليف بين الاستقلالية والاندماج، وبين المركزية واللامركزية، وبين التكامل والتجزئة، وهو على مدار تاريخنا السياسي الحديث منذ تشكل الدولة العراقية لم نستطع ان نرتقي اليه.
اضف الى ذلك، ان الفدرالية تتطلب (تعاوناً وثيقاً بين سائر المؤسسات والجماعات والافراد في الكيان الاتحادي، وبما يضمن تعزيز وتطوير الاتحاد من جهة واعتماد قوانين وآليات تؤمن الحفاظ على هوية وحقوق الاطراف المكونة للاتحاد).
السنوات السابقة لم تستطع ان تقدم لنا ومن خلال الاداء السياسي اي ملمح من ملامح التأسيس الممكن لفدرالية فيها تعاون او تعزيز او تطوير، ولم تستطع ان ترتقي بمسؤولياتها الى الحفاظ على هوية وحقوق المكونات المختلفة..
لايمكن ان يعتد بالتجربة الكردية في هذا المجال، فهي في حقيقتها تُنشأ مركزية جديدة مقابل مركزية الدولة، وتستأثر بالسلطة داخل حدودها الجغرافية، جماعة واحدة، لاتؤمن بحق الاخرين بمشاركتها، وهي ايضا لم تستطع ان تتبنى منهجا اقتصاديا يمكن ان يتيح لها الاستقلالية الناجزة، فهي تعتمد على الميزانية المركزية، وتعتمد على سرقة ثروات مشتركة لجميع المكونات الاخرى..
ماهو الافق المتاح امام السياسيين العراقيين، خاصة وان المكونات الاجتماعية قد تجاوزت الفدرالية بشكلها الدستوري واصبحت تطالب بالاقلمة وفقا لتكويناتها الطائفية، وليس الاقاليم ضمن وحدة سياسية واحدة هي الدولة الفدرالية الاتحادية؟
انه قسرية جديدة تحاول الاستفادة من هذا التشطير والتشظي الذي وصلت اليه المكونات العراقية، قومية ودينية ومذهبية، تأخذ في الحسبان مصالحها الفئوية الضيقة، لتزيد من تكريس الانقسامات والتشطير والتشظي، حتى داخل المكون الواحد.
يتجه العراق على مدى خمس سنوات الى عشر، الى التقسيم من خلال اقاليم قومية ومذهبية، ارهاصاتها موجودة على الارض، من خلال مناطق ذات مكون واحد بعد ان تم تهجير بقية المكونات المختلفة منها، وجميع السياسيين العراقيين أصبحوا مقتنعين بهذه النهاية المؤجلة، وكثير منهم يتردد في الاعلان عنها، بانتظار معجزة مستحيلة.