صحافة الأفكار وصحافة الأخبار
علي حسين عبيد
2015-02-03 09:09
ربما لم يتنبّه بعضهم الى الدور الكبير الذي تلعبه الصحافة على صعيد الفكر، ولعلّ الكثير من اصحاب المهنة المتعبة والخطيرة ركَّزوا كل جهودهم على الصحافة الخبرية، وبذلك تم إقصاء الفكر من ساحة الفعل الصحفي، وأظن أن معظم من عمل في الصحافة لم يكن يقصد هذا الإقصاء ولم يتعمده، لكن الاوساط المستقبِلة هي التي غالبا ما ترغب بالخبر السهل والمثير الذي يشبع رغبتها في الاطلاع او التحري او نقل المعلومات عن حوادث وامور تهم حياة الناس، لاسيما في الجوانب المادية كزيادة الرواتب او تخفيض الضرائب او المنح الدراسية وما شابه من اخبار، فبقيت صحافتنا أسيرة التسطيح، وغاب العمق الفكري عنها.
هناك مؤسسات اعلامية، ومواقع وشبكات الكترونية (لكنها نادرة)، لها مواقع ثابتة في منظومة الانترنيت وتصدر عنها صحف ورقية ودوريات ومجلات، أعطت للفكر دوره الأساس في الصحافة والكتابة، ومن النماذج التي يمكن الاستدلال بها عن هذا الموضوع، مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، التي تحدّث يوميا وعلى مدار الساعة موقعا الكترونيا بعنوان (شبكة النبأ المعلوماتية)، فقد اهتمت هذه المؤسسة من خلال نوافذها وأدواتها الاعلامية كافة (صحف ومجلات رقية، مراكز بحوث ودراسات متنوعة)، ولكن اخص بالذكر فيما يتعلق بالجانب الصحفي، فإن (موقع شبكة النبأ المعلوماتية)، اعتمد منذ تأسيسه قبل ما يقارب العقدين من السنوات، ولا يزال حتى الآن، مبدأ الصحافة الفكرية، وركّز هذا الموقع على نشر الأفكار التي تطور عقلية الانسان ورؤيته، أكثر بكثير من تركيزه على الجوانب الخبرية كونها لا تطور مستوى تفكير الانسان، خاصة أن مجتمعاتنا بحاجة قصوى لصناعة الفكر وتطويره حتى تتاح لها فرص اللحاق بالعالم المتقدم.
إن صحافة الأفكار كما نرى، هي الصحافة الحقيقية، وليس صحافة الأخبار السريعة، وقد مرّت الصحافة عبر مراحلها بأنواع كثيرة من اصناف الكتابة الصحفية، فهناك صحافة الاثارة، وثمة الصحافة الصفراء، وغيرها الصحافة الفضائحية او صحافة التسقيط والابتزاز وما شابه، ولكن كل هذه الانواع والمشابهة لها لا تعدو كونها صحافة استهلاك عابرة، لا يمكن ان تترك أثرها الجيد على المجتمع، ولا يمكن أن تسهم في صناعة عقول منتجة للافكار، علما أننا نتفق وفقا للتجارب والشواهد الدامغة، أن الافكار هي السبب الرئيس والأول في تطوّر الانسان والمجتمعات، وعندما يضمحل الفكر يضمحل الفرد والمجتمع.
من هنا كانت (شبكة النبأ المعلوماتية) ولا تزال تنتهج مبدأ الصحافة الفكرية، وصناعة صحافة الرأي، كما أكد على ذلك الكاتب المعروف الأكاديمي في الاعلام الدكتور كامل القيم، الذي أكد في إحدى الحلقات النقاشية التي عقدتها مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام مؤخرا، على أننا (بأقصى الحاجة الى الصحافة الفكرية وصحافة الرأي)، وأثنى القيّم على شبكة النبأ المعلوماتية ودورها في بث وترويج الصحافة التي تبث الافكار وتسهم في نشرها وإيصالها الى العقول كافة، المتخصصة منها أو العامة.
لذلك فإن الصحافة الحقيقية هي التي تحلل وتحاور وتناقش، ومن ثم تقرأ وتستكشف ما وراء السطور، وما يدور في الكواليس، من خطوات وعمليات تتعلق بالسياسة وسواها، وتحاول بكل السبل أن تضع الانسان والقارئ بكل مستوياته امام التحديات وجها لوجه، حتى تستفزه للقيام بدوره في التفكير وتحريك الرأي العام حول قضية ما من القضايا التي يعج بها واقعنا المأزوم والممتلئ بالتعقيد على الأصعدة كافة، وهذا هو بالضبط دور موقع شبكة النبأ المعلوماتية التي لم تترك شاردة وواردة إلا وتابعتها وألقت الضوء عليها بطريقة التفكير والتقصي، وليس بطريقة العرض الخبري السريع لينتهي كل شيء بنهاية الخبر.
وطالما أننا شعوب ومجتمعات لا تزال تعاني من قضية التأخّر، فإن السبيل الأكثر قدرة على دفعنا الى امام هو الفكر، ولذلك اذا نهضنا بالصحافة الفكرية وأعطيناها الدور الذي يناسب حجمها وتأثيرها في الاوساط المستهدَفة، فإننا نكون قد وضعنا خطواتنا في السكة الصحيحة والجادة الصواب، وهذا بالضبط هو دور صحافة الافكار، حيث صناعة الرأي وتعميق الفكر يشكل هدفا أساسيا لها.
ولعل الحجب الذي يتعرض له هذا الموقع من بعض الدول الاسلامية والعربية، يؤكد هذا المنهج الذي يعتمده هذا الموقع في اثارة بركة الافكار الساكنة لدى القراء وتحريكها، بما يتناسب والدور الصحفي الريادي الهادف الى تثوير الافكار ورفع مستوى مجتمعاتنا وشعوبنا، لكي تكون قادرة على محاسبة الحكومات التي تقصّر معها، أو تتجاوز على حقوقها، فالعالم اليوم لم يعد عالم حكام متجبرين، او عالم حكومات فاسدة، إنه عالم الشعوب المتحررة القادرة على التفكير وصناعة الرأي المضاد لكل من يقف بالضد من تطلعاتها.
هذه هي السياسة الفكرية الصحفية لموقع شبكة النبأ المعلوماتية، وهذا هو هدف المؤسسة الام (مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام) التي تسعى على نحو مستمر ومتصاعد، لصحافة تطور الفكر، وتصنع الرأي الضاغط، كون هذا الاسلوب الاعلام أثبت قدرته على نقل شعوب ومجتمعات ودول كثيرة، من مستوى رديء متدنٍ، الى مستوى الارتقاء الذي يليق بالانسان.