ما خسرناه من القِيَم في 2014 هل سنربحه في 2015
علي حسين عبيد
2015-01-04 12:57
يتفق العلماء المعنيون بالاجتماع والقضايا الأخلاقية والعرفية وما شابه، على أن الدور الذي تقوم به الأخلاق ومنظومة القيم والأعراف، في ضبط إيقاع حركة المجتمعات، يعد عاملا حاسما، في استقرارها، وابتعادها عن حالات التذبذب بين الفوضى والاستقرار والرسوخ، وهذا سينعكس بدوره على طبيعة المجتمع، ودرجة تقدمه، ومستوى إنتاجيته على الصعيدين المادي والمعنوي، فضلا عن الأفكار والمكتشفات الجديدة التي يمكن أن تحققها كفاءات المجتمعات المستقرة، وبهذا يمكن أن يكون دور القيم والأخلاق حاسما في هذا المجال.
في المجتمع العراقي، وهو المحيط الاجتماعي المستهدّف في هذا المقال، هناك مؤشرات على اهتزازات في بعض القيم المجتمعية، حدثت طيلة السنة الماضية 2014، وهذا لا يعني أنها مبتورة عن الأعوام التي سبقتها، وإنما تشكل امتدادا لما حدث للقيم من تراجع واختراقات في السنوات الماضية، ولكننا اذا بحثنا عما حدث في عام 2014، في هذا الجانب، فإننا سوف نكتشف من خلال الملاحظات والبيانات الدقيقة، أن هناك تراجعا في الجانب الأخلاقي، وهناك خرق لمجموعة الضوابط الاجتماعية المتفق عليها والمعمول بها او في ضوئها، من خلال تسلل بعض القيم المسيئة الوافدة او المصطنعة التي دخلت في سلوكيات وأخلاقيات المجتمع العراقي، فأدّت الى زعزعة القيم الأصيلة السارية وصارت تشكل مصدر تهديد لها، الامر الذي قاد الى خسارة فادحة للمجتمع في المجالين الأخلاقي والقيَمي.
ولاشك أن خسارة المجتمع لجانب أخلاقي ما، من خلال اهتزاز القيم الأصيلة، يمثل ضربة موجعة للنسيج الاجتماعي، ويدفع ذلك المجتمع الى الانحدار والتدهور، كما حدث ذلك فعلا في البنية الاجتماعية العراقية، فقد أصبحت بعض القيم المسيئة ذات مقبولية في المجتمع، و وجدت من يتعامل معها على انها أمر واقع ومقبول، على الرغم من تهديدها الكبير للجانب الأخلاقي وخرقها لمنظومة القيم والضوابط السائدة أو المعمول بها، ومثالنا على ذلك استشراء ظاهرة التجاوز على المال العام بشتى الطرق، بالاختلاس والاحتيال والسرقة المباشرة او غير المباشرة، وعقد الصفقات المشبوهة، والتجاوز على اموال الشعب بما في ذلك الأموال المخصصة للسلة الغذائية التي تعرف بين أوساط المجتمع بـ (البطاقة التموينية)، ولا ننسى استشراء ظاهرة الرشا بأنواعها وأشكالها المختلفة، وقبولها من لدن طرفيّ التعامل (الراشي والمرتشي)، هذه القيم المسيئة، التي شاعت بصورة لافتة في العام الماضي، ينبغي أن يتم تصحيحها بصورة فعالة وتامة.
أما كيف تتم عملية التصحيح، فهذا يتبع بطبيعة الحال اتخاذ الخطوات الإجرائية اللازمة في عامنا الجديد 2015، والتي تقود المجتمع الى كسب ما خسره أخلاقيا، ولا يمكن أن يتم هذا من دون وضع الدراسات الدقيقة التي تنهض بها مؤسسات تابعة للدولة، أو للجهد المدني، من أجل محاصرة القيم الدخيلة، والعمل على إنعاش القيم الأصيلة، لتحقيق النتائج المؤكدة التي تدل أو تشي وتشير الى كسب ما خسرناه في العام الماضي على المستوى القيمي والأخلاقي، ولعلنا سنقترب كثيرا من تحقيق هذا الهدف الجوهري، إذا كانت الجهات المعنية على وعي تام بطبيعة الخسائر التي تعرض لها المجتمع في هذا المجال.
ولعلنا لا نأتي بجديد اذا قلنا أن الخسارة الأخلاقية، لا يمكن تعويضها بالأموال، ولا بالكلام المجرد، أو الدعوات المجردة، بل الأمر برمته يستدعي جهودا استثنائية تحيل خسائرنا الأخلاقية الى أرباح معنوية ومادية في العام الجديد، وهذا يتعلق بصورة فعالة بالإرادة السياسية والتشريعية والتربوية وما شابه، بمعنى أوضح، لكي نحول الخسائر الخلقية الى مكاسب معنوية سلوكية، فنحن بحاجة الى خطوات إجرائية مختلفة تماما عن تلك التي كانت سائدة في العام الماضي، والمثال هنا على المستوى التشريعي، فعندما تم إهمال هذا الجانب سابقا، استفحل الفساد وتهرّأت القيم، وسادت بين أوساط المجتمع قيم هزيلة ودخيلة، منها كما ذكرنا سابقا قيمة (الشطارة) على حساب العدل والحق والسلوك القويم، وعندما أدار المشرعون ظهورهم للانحدار في القيم، تجرّأ الفاسدون، وعاثوا فسادا بالمجتمع العراقي وقيمه وأخلاقياته، فتمادى هؤلاء وألحقوا أضرارا فادحة بالبنية الأخلاقية والعرفية للمجتمع.
المطلوب منا في هذه السنة 2015 أن نستفيد من أخطائنا وخسائرنا التي تعرضنا لها في العام الماضي بمجال القيم والاخلاق الضابطة لإيقاع المجتمع، ولابد من اتخاذ التشريعات اللازمة التي تساند وترسّخ القيم الأصيلة، وتستأصل القيم الدخيلة في الوقت نفسه، ولاشك أن مثل هذه الاجراءات التشريعية والتنفيذية سوف تجعلنا مجتمعا رابحا في هذا العام لما خسره في العام الماضي، كما أنها ستثبت أننا مجتمع ذكي يتعلم من أخطائه ولا ينكفئ او يتهرب من مسؤولياته، لذا ليس امامنا كمجتمع وكمؤسسات وكمنظمات بل وحتى كأفراد، إلا أن نحيل الخسائر الأخلاقية التي تعرضنا لها الى مكاسب، من خلال رفض القيم السيئة، ومساندة القيم الأصيلة، بكل السبل المتاحة، لاسيما التربوية منها، والقانونية التشريعية الرادعة على وجه الخصوص.