الاصلاح يبدأ من التعليم..

كيف نعالج ظاهرة تسرب التلاميذ من المدارس؟

علي حسين عبيد

2015-09-27 08:49

في هذا الباب الجديد، سوف نتطرق في سلسلة من المقالات، لأثر التعليم في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد اكد الخبراء المعنيون على أن التعليم بأنواعه المعروفة، هو الأساس القوي الذي يستند عليه بناء الدولة، لدرجة أن الإصلاح لا يمكن أن يؤتي أوكُله ما لم تكن هناك بنية تعليمية قوية يستند إليها العاملون في قيادة الدولة والمجتمع، لهذا ركّزت الدول الطامحة الى التطور والتقدم، على إصلاح الأساس العلمي لشعبها.

هناك ظواهر تجعل التعليم ضعيفا، أو انها تضعف العملية التربوية برمّتها، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على البنية السياسية والاجتماعية، فإذا كان التعليم محاطا بالظواهر السيئة، لا يمكن أن نتأمل منه المشاركة في تحديث الدولة، من هنا ينبغي أن يبدأ المسؤولون، بمعالجة الظواهر التي تجعل التعليم اقل تأثيرا، ومن هذه الظواهر، وهي كثيرة كما نلاحظها في واقع المجتمعات والدول المتخلفة، ظاهرة تسرب التلاميذ من المدارس.

هذه الظاهرة كيف نعرّفها، ثم لماذا تحدث في التعليم، ولماذا تعاني منها المدارس، أي ما هي أسباب التسرب، او تلك التي تساعد على انتشار هذه الظاهرة المسيئة للعملية التربوية، وبعد ذلك كيف يمكن للمعنيين أن يعالجوا تلك الأسباب من أجل القضاء على هذه الظاهرة، لإتاحة الفرصة امام التعليم كي يؤدي دوره بشكل صحيح وقوي في عملية البناء، لاسيما أن عملية التعليم تقسم في جميع الأمم المتحضّرة وكما تذكر المصادر إلى نوعين، التّعليم العام والتّعليم الفنّي أو المهني، ويعرّف التّعليم العام بأنّه هو المنهج والاسلوب الذي يهتمّ بإعداد مواطنين لهم القدرة على المعرفة والاستنارة وتحمّل المسؤوليّة، كما يعمل هذا النّوع من التّعليم على نقل الثّقافة المشتركة من جيل إلى جيل، مثل التّعليم في المراحل الابتدائيّة، صعودا الى المراحل الاخرى، كالإعدادية والجامعية، واخيرا الدراسات العليا.

وعندما ندقق النظر في التعليم وقدرته على بناء المهارات المختلفة، ونقل الخبرات من الاجيال السابقة الى اللاحقة، فإننا سوف نفهم بالضبط الخطورة التي تنطوي عليها ظاهرة تسرب التلاميذ، فكل تلميذ لا يكمل تعليمه بصورة صحيحة، سوف يصبح حجر عثرة امام تطور البلد، وسوف يخسر المجتمع طاقة رجل يمكن أن يسهم في البناء بصورة فعلية، وعندما تزداد حالات التسرب فهذا يعني خسارات اضافية لموارد للدولة، يمكن تجنبها بإصلاح نظام التعليم

ما هي أسباب التسرّب؟

يعزوا المختصون تسرب التلاميذ الى جملة من الاسباب، تتعلق بإدارة التعليم والعملية التربوية كلها، منها على سبيل المثال، عدم توفير الاجواء الدراسية الملائمة، وعدم توصيل المعلومة الدراسية بأريحية، وتراجع الأساليب الدراسية بسبب عدم مواكبتها للتطور الكبير الحاصل في التعليم، وقلة وسائل الايضاح وغيرها من الأسباب الادارية.

يُقصَد بالأجواء الدراسية توفير عدد المقاعد ضمن الصف الواحد وفقا للعدد المقرر علميا، ولا يجوز زج عشرات الطلاب في صف نصابه لا يتجاوز عشرين طالبا، فعندما يصل عدد الطلاب في الصف الواحد الى خمسين طالبا او اكثر، فإن توصيل المعلومة لجميع الطرب بصورة جيدة يغدو أمرا مستحيلا.

وعندما يأتي الطالب الى الصف ويقضي فيه نصف نهار، ثم يخرج من الصف خالي الوفاض، من دون أن يحصل على علم، فإنه لا يجد ما يشجعه على الاستمرار في دخول الصف طيلة عام دراسي كامل، إن الامر يبدو له غير ذي جدوى او انه يصبح عملا تافها في نظره، لماذا عليه ان يستيقظ مبكرا ليأتي الى صف يقضي فيه ساعات طويلة، ثم يخرج منه من دون ان يفهم شيئا، هذا الامر يشكل سببا واضحا في مضاعفة ظاهرة التسرب.

وعندما يجلس الطالب في صف رديء، مقاعده الخشبية معطوبة، وجدرانه معتمة وسخة، ونوافذه بلا زجاج يحمي من البرد شتاءً، ومن لهيب الحر صيفا، ولا توجد فيه وسائل ايضاح، فضلا عن غياب التكييف، حرارة او تبريدا، فإن الامر يصبح في غاية السوء لطفل او مراهق او شاب في مقتبل العمر، يجد نفسه محشورا في صف رديء الى هذا الحد، لذلك فإن التعليم المناسب ينبغي أن يتم في المكان المناسب له، وفي حالة العكس سوف تكون النتيجة هروب التلاميذ من صف كهذا بصورة تدريجية، حتى يصبح الصف خاليا تماما او يبقى فيه بضعة تلاميذ.

من الأسباب ايضا، فشل المعلم في التعليم، فبالاضافة الى معاناة الطلاب من رداءة الصف، هناك الاسلوب الفاشل للتعليم، لدرجة أن هناك معلمين يكون سببا مباشرا في تسرب التلاميذ بسبب طريقة تدريسهم التي لا تنطوي على التحفيز، والاثارة العلمية التي تشد الطالب الى موضوع الدرس، فضلا عن اسلوب إلقاء المحاضرة، الذي قد يكون باردا آليا، لا جديد فيه، وهو ما يبث الملل في نفوس التلاميذ ويجعلهم غير مهيئين للتفاعل مع المعلم ودرسه، وثمة اسباب فرعية اخرى يعرفها المعلمون جيدا والمهتمون بالتعليم.

هل توجد معالجات جذرية؟

في حواضن التعليم المتطورة، ليس هناك عملا عشوائيا، بل هناك مراكز بحوث تقدم معلومات لاصحاب القرار، تستند الى استبيانات دقيقة، تقدم النصح المطلوب لمعالجة الخلل في عملية التعليم، بالنسبة لنا نحتاج بقوة الى مثل هذه المراكز ومثل هذه الاستبيانات والمعلومات الميدانية الدقيقة التي تتعلق بظاهرة التسرب.

ولابد من الشروع الفوري في المعالجات الصحيحة، بعد وضع اليد على الجرح كما يُقال، إن رداءة الصف التي تسهم في انتشار التسرب يمكن أن يعالجها المعنيون، عندما يعملون بجدية على أن يكون الصف نموذجيا، بمعنى عندما نصلح الصف فإننا نصلح مجتمعا كاملا ونبني دولة سليمة، نعم إن تحويل الصف من رديء الى جيد تشبه بالضبط عملية تحويل مجتمع رديء الى جيد، هذه هي بالضبط أهمية اصلاح التعليم.

كذلك عندما يتم تطوير اساليب التدريس وتوصيل المعلومة الى الطلاب، من خلال ادخل المعلمين في دورات تطويرية داخل وخارج البلاد، فإن هذه العملية سوف تساعد المعلم على ان يقدم درسه للتلاميذ بطريقة تشد انتباههم، وتساعدهم على استقبال المعلومة بشغف كبير، كذلك سوف يكون هناك تأثير لشخصية المعلم على الطالب بالاتجاه السليم، وسوف ننتظر شخصية مبنية بصورة جيدة قادرة على المساهمة في البناء الجيد للمجتمع.

في الخلاصة، اصلاح التعليم هو اصلاح للدولة، ومعالجة ظاهرة التسرب، هي جزء يسير يصب في صالح بناء الدولة والمجتمع، وقد اصبحت الاسباب واضحة، والمعالجات معروفة ايضا، يبقى الجانب التطبيقي والتنفيذي للقضاء على اسباب ظاهرة التسرب، وهو أمر ليس بعسير او مستحيل، بعد تأشير الاخطاء ووضع الخطط العملية اللازمة للاصلاح، فقط توافر ارادة التنفيذ هي التي سيكون لها القول الفصل في هذه المسألة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا