فقر الإبداع

علي حسين عبيد

2023-01-15 05:31

بدءًا لابد أن نعرف ما هو المقصود بالإبداع، لاسيما أن هذه الكلمة تعدّدت معانيها، وتضاربت تفاسيرها، وكثرت تعاريفها، لكنها تكاد بالمجمل تعني (الشيء المختلف عن السائد والمألوف)، فالإبداع هو كل شيء جديد لم يسبق لأحد أن قاله أو كتبه أو فعله.

أما أهل التخصص فقد قالوا عن الإبداع بأنه من الممكن تعريفه إجرائياً أو شرطياً، بأنه إنتاجي جديد ومفيد وأصيل ومقبول اجتماعياً، ويحل مشكلة ما منطقياً .

وهناك تعريفات أخرى للإبداع منها، أن الإبداع هو الإتيان بجديد أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة. وكذلك يعني الإبداع التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة. كذلك الإبداع هو القدرة على تكوين وإنشاء شيء جديد، أو دمج الآراء القديمة أو الجديدة في صورة جديدة، أو استعمال الخيال لتطوير وتكييف الآراء حتى تشبع الحاجيات بطريقة جديدة أو عمل شيء جديد ملموس أو غير ملموس بطريقة أو أخرى.

ويرى بعض المهتمين بأن الإبداع هو المبادرة التي يبديها الشخص بقدرته على الانشقاق من التسلسل العادي في التفكير إلى مخالفة كلية بما لا يدع مجالا للتشابه مع السابق او مع السائد، وهذا ما يُقصَد به الاختلاف عن المألوف أو المتوقَّع، فالإبداع يزع الدهشة في المتلقي بسبب تفرّده، كما أنه يؤدي إلى نتائج جديدة لم يعهدها المستقبلون للإبداع.

كيف نتخلّص من فقر الإبداع؟

لهذا يصنَّف الفرد غير المبدع بأنه إنسان عادي، لا ميزة له، يأتي الحياة ويغادرها دون أن يترك بصمته فيها بما يشير له بعد رحيله، أما أولئك المبدعون الأغنياء بإبداعهم ومنجزاتهم، فإنه في حياتهم متميزون، وبعد رحيلهم مخلّدون في ذاكرة القادمين.

يحث هذا الواقع الملتصق بالإبداع الجميع، على الابتعاد عن فقر الإبداع، فهذا النوع من الفقر يقتل الإنسان وطاقاته، ويجعله فقيرا حتى لو كان ذا ثروة هائلة، لأن غباءه الإبداعي سوف يجعله يفقد كامل ثروته مع مرور الزمن بسبب فقدانه للإبداع في تعامله مع موارده، وهذا يمكن أن ينسحب إلى عموم المجتمع، فيصبح فقيرا لأنه مجتمع غير مبدع.

من مزايا الإبداع إنه متاح للجميع، لأن الإنسان خُلِق ومعه ميزة التخيّل، أي بإمكانه أن يتخيل الكثير من المجسَّدات المختلفة سواء في العلوم أو في الآداب وغيرهما، وقد قيل إن الابداع خيال، والخيال متاح للجميع. لذا على كل فرد أن يفهم هذه الخاصية المتاحة له، والموجودة في شخصية، وهي التي تشكل الفارق أو الاختلاف بينه وبين الإنسان العادي، لذلك نجد صاحب الإبداع ذا خيال متوهّج يخلصه دائما من رتابة الواقع المملّة.

المتردّدون لا يبدعون، لأنهم يخشون من الإقدام على اتخاذ خطوة مبدعة، وهذا التردد مصدره خوف مجهول، وعجز، وعدم قدرة على المجازفة المحسوب، فلا إبداع من دون إقدام وجرأة مع تشغيل طاقة الخيال من دون خوف أو تردد، لأن الخوف يقتل الإبداع، وبالتالي يزرع الفقر الابداعي في شخصية الإنسان، مما يجعله إنسانا عاديا وغير فاعل.

ما المستلزمات المطلوبة للإبداع؟

يقول دوستوفسكي (روائي روسي من رواياته المهمة الجريمة والعقاب): (إن القيام بخطوة جديدة أو التلفّظ بكلمة جديدة هو أكثر ما يخشاه الناس)، هل هذا القول واقعي؟، ألا يحمل كثيرا من الغرابة، لماذا يخشى الناس أن ينطقوا كلمة جديدة، ولماذا يترددون من اتخاذ خطوة جديدة في اتجاه معيّن؟.

إن الخطوة الجديدة تعني أنها لا تتشابه مع غيرها، أي أنها مجهولة النتائج، وهذا يعني أنها محاولة لخلق إبداعي جديد، قبل معرفة النتائج، أما إذا كانت متشابهة مع غيرها فلا نطلق عليها إبداعا، ولا تستحق هذا التوصيف، وتكون غير معروفة المخرجات.

لهذا يخشاها الناس، ودائما ما يكون المبدع جريئا في إبداعه المختلف المتجدّد، لأنه وضع الخشية جانبا، واقتحم بخياله وإبداعه ما خطط له ورسمه ومن ثم انطلق إليه بمهارة إبداعية لا تعرف التردد ولا الخوف.

فقر الإبداع غير مخصص لفئة معينة من البشر، وليس هناك إنسان يمكنه احتكار الإبداع دون غيره، من حسن حظ البشر أنهم جميعا يمكنهم أن يكونوا مبدعين، فـ (الإبداع لا وطن له) كما قال الكاتب والفنان أندريه (1869 - 1951).

وإذا حاول الإنسان أن يتخلص من فقر الإبداع، عليه أن يفهم ما هو الإبداع، وكيف يمكن تحقيقه، وما هي المستلزمات المطلوبة، وعليه مسح التردد من أعماقه تماما، وعليه أن يتعامل مع واقعه المألوف بأسلوب غير مألوف ولا يتشابه في هذا الجانب مع الآخرين.

إن الإبداع كما قال أهل الإبداع.. هو النظر الى المألوف بطريقة غير مألوفة. وهذا ما يفعله الناس المتميزون المبدعون، والمجتمعات المتمسكة بالإبداع والتي لا تعاني فقرا إبداعيا بسبب قدرة أفرادها على تشغيل المخيلة واقتحام أسوار الجديد المجهول دائما.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم