فقر الذوق

علي حسين عبيد

2022-12-14 06:23

الذوق ينقسم إلى قسمين، ذوق عضوي أو تحسّسي يتم بحاسة التذّوق عند الإنسان عبر اللسان، والنوع الثاني من الذوق له علاقة مباشرة بطبيعة سلوك الإنسان قبولا أو رفضا.

أما الذوق في اللغة: فهو (اسم) جمعهُ أذواق ومصدرهُ ذاقَ، والذَّوْقُ هو الحاسَّة التي تُميّز بها الذَّوْقُ خواص الأجسام الطَّعْمِيَّة بواسطة الجهاز الحِسِّي والفم، ومركزه اللسان. كذلك فإن الذَّوْقُ هو آدابُ السلوك التي تقتضي معرفة ما هو لائق أو مناسب في موقف اجتماعيّ معيّن قلّة/ حَسَنُ الذوْق. وقليل الذَّوْق هو خشن المعاملة. أما الذَّوق العامّ فهو مجموعة تجارب الإنسان التي يُفسِّر على ضوئها ما يُحسّه أو يُدركه من الأشياء.

ما يعنينا في هذا المقال ليس التذوق التحسسي عبر اللسان، وإن كان مهما، لأن الأهم من هذا النوع هو التذوّق السلوكي، فبهِ ترتقي الناس، وتُسعَد البشر، وتتقدم المجتمعات والأمم، كونه يتواشج مع الكيفية التي يتعامل بها الشخص مع الآخرين، في علاقاته وتعاملاته المختلفة، فهو يمكن أن يكون بلا ذوق فيكون فظا غليظ اللسان والفعل، ويمكن أن يكون ذان ذوق رفيع فيكون ذوقه السلوكي مكتملا تبعا لذوقه الأخلاقي.

هناك سؤال يُثار دائما، لماذا يحتاج الإنسان والمجتمع إلى الذوق في التعامل المتبادَل، ولماذا قيل إن (الكلمة الطيبة صدقة)، ولماذا ركز كثير من المعنيين بالاجتماع والعلاقات بمختلف أنواعها على حسن التعامل والسلوك، ثم لماذا يجب أن يهتم المجتمع والدولة وكل الجهات المعنية بصناعة (الشخص الذوّاق)؟

صناعة الشخص الذوّاق

هنالك أسباب كثيرة تجعل من صناعة الشخص الذواق هدفا مهما للأمم وللدول على حد سواء، فبهذا النوع من الأشخاص ترتقي الأمم، وتتطور المجتمعات، وتُسعَد وتستقر وتتقدم وتنشغل بما هو مفيد، بعيدا عن الترّهات وتضييع الوقت والجهد في صراعات مجانية تشبه صراعات الدِيَكة التي لا طائل من ورائها كما يقول رسول حمزاتوف.

من المشكلات العصيبة التي تنتج عن انعدام الذوق، أو قلّته، أو سوء الذوق، تسبّبه في صنع الجريمة ومضاعفتها، لأن قلة أو انعدام الذوق تؤدي إلى سلوك سيّئ للإنسان، والأخير يدفع به لارتكاب الجرائم وكأنها سلوك لا غضاضة فيه، أو أنه سلوك طبيعي، حيث يقتنع الإنسان حين يكون فقيرا في ذوقه بأن ارتكابه للجريمة أمر غير مرفوض.

ولهذا قال الخبير المتخصص دوماريست (إن الذوق السيّئ يقود إلى الجريمة).

ومن الأمور الغريبة التي تتعلق بفقر الذوق، أنه يؤدي إلى رداءة الإنتاج من أي نوع كان، سواء كانت المنتج فكريا أو ماديا سلعيّا، فـ (الذوق الرخيص يخلق الإنتاج الرخيص) كما يؤكد ذلك جلال أمين، والأمر واضح في هذا الجانب، فالعامل أو المدير أو المعلم الذي يفتقر للذوق ماذا نتوقع أن ينتج منه؟

فالعامل بلا ذوق يُنتِج سلعة رديئة بغض النظر عن نوعها أو طريقة استعمالها، والمدير إذا فقد ذوقه تنتج عنه إدارة سيئة وفاشلة للعاملين بأمرته، فتفشل المؤسسة أو الدائرة التي يقودها أو يديرها، وماذا عن المعلّم إذا كان بلا ذوق؟، إنه لا ريب سوف يخرّج طلابا عديمي الذوق، وبالتالي قد يتحول كل واحد منهم إلى عبء على المجتمع، حين يصبح مجرما أو لصا أو متجاوزا على حقوق الآخرين دون أن يرى ضيرا في ذلك.

الذوق يعني الاحترام والتعاون

تكمن أهمية الذوق في كونه عنصرا فاعلا في بناء الأشخاص الفاعلين المؤثرين، وبالتالي فهو عنصر أساس لبناء المجتمع، ويمكننا أن نتصور ما الذي يجري في مجتمع بلا ذوق، كون الذوق يعني الاحترام والتعاون والإنصاف، وكل القيم الصالحة لها علاقة لصيقة بالذوق، إذا لا يمكن لفقير الذوق أن يكون منصفا، أو يحترم الناس في تعاملاته.

كل إنسان يمتلك الذوق بالفطرة، أي أن الإنسان يولد وهو ليس فقيرا من حيث الذوق، كونه قضية فطرية يمتلكها الإنسان في تكوينه، ولكن هناك عوامل كثيرة تؤثر على الذوق الفطري، لذا يحتاج الإنسان، وحتى المجتمع إلى أن يحصل ويستزيد من المنابع التي تمنحه الذوق، كي يحمي نفسه ومجتمعه من مشكلات قلّة أو فقر الذوق.

ختاما يقول ألبرت هادلي: (قد يكون الذوق – وهو نوع بدائي من الأسلوب – فطريًا، لكنني أعتقد أن الذوق الواعي يتم تعلمه، نتيجة السفر والخبرة والمعيشة والتعليم).

لهذا يحتاج كل إنسان أشدّ الحاجة إلى الذوق الواعي، وهي حاجة ماسة للأسرة، وللمجتمع برمّته، كونها يمكن أن تحتمي بالذوق من مشكلات كثيرة، منها الجرائم كما قلنا سابقا، مع ازدهار مستمر للقيم الصالحة في ظل غنى الذوق وليس فقره.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم