الفقر العاطفي

علي حسين عبيد

2022-09-04 07:05

ليس المعني بالفقر العاطفي قلّة هذه الحالة الذهنية عند الإنسان، فالعاطفة موجودة لدى الجميع، لذلك فإننا نعني بالفقر العاطفي عدم قدرة الإنسان على استخدام عاطفته بشكل جيد أو صحيح، فحين يخطئ أحدهم في استخدام عاطفته، يشكل هذا الأمر فقرا عاطفيا لديه، تماما كالتصرف العقلي الخاطئ، فكل إنسان له عقل لكن ليس جميع الناس يستخدمون عقولهم بالشكل الصحيح والمفيد بنفس الدرجة.

العاطفة في التعريف العام، هي حالة ذهنية كثيفة تظهر بشكل آلي في الجهاز العصبي وليس من خلال بذل جهد مُدرَك، وتستدعي إما حالة نفسية إيجابية أو سلبية. ولذا يستلزم التفرقة بين العاطفة والشعور. وهذا يعني أن الناس أينما كانوا فإنهم يمتلكون العاطفة بغض النظر عن طبيعة البيئة التي يتواجدون فيها، فالبيئة الاجتماعية الغنية أو الفقيرة ليس لها علاقة بطبيعة العاطفة التي يتحلى بها الإنسان.

متى يكون الإنسان فقيرا عاطفيا، وما هي النتائج التي تترتب على الفقر العاطفي، بالطبع قلة العاطفة ليست في صالح الإنسان، لأن ذلك يتسبب بما يسمى بالجفاف العاطفي، وهذه الحالة (قلة العاطفة، أو الجفاف العاطفي) إذا أصابت الإنسان لأي سبب كان، فإنها تجعل منه إنسانا قاسيا، خشن الطباع، وحاد السلوك، حتى في ألفاظه يكون قاسيا بسبب الفقر العاطفي الذي يصيبه.

مواقف خاطئة ومتسرعة

كذلك كثرة العاطفة عند الإنسان ليس في صالحه، فحين يُكثِر أو يُفْرِط الإنسان في العاطفة، يتعارض ذلك مع حالة التوازن المطلوبة بين الوعي والعاطفة، فالإنسان السليم هو الذي تتوازن لديه العاطفة مع الوعي، أي أنه يستخدم عاطفته بالتلازم مع الوعي الذي يجعل من عاطفته سليمة متوازنة لا تقوده إلى مواقف خاطئة ومتسرعة.

كلنا سمعنا عن (ثقافة القطيع)، وهي ثقافة جماعية ينتظم فيها عدد كبير من الناس، تصدر عنهم مواقف معينة دونما تفكير مستقل، أي أنهم ينساقون إلى هذه المواقف المتسرعة بسبب الفقر العاطفي الذي يعانون منه، فتتشكل مواقف الخاطئة المنفعلة المتسرعة ليس على ضوء الموقف العقلي ولا على درجة الوعي، وإنما يكون للعاطفة المتسرعة دور واضح في اتخاذ المواقف (القطيعية) الانفعالية الخاطئة.

هل هناك جماعات فقيرة عاطفيا؟، الجواب نعم توجد مثل هذه الجماعات، ويمكن أن تكون سياسية كبعض الأحزاب التي يغلب عليها التصرف العاطفي، فينقاد هؤلاء بشكل طوعي جمعي لا وجود للتفكير الفردي السليم أي دور في هذه الحالة، فالفقر العاطفي هنا يدفع بالجماعة إلى اتخاذ مواقف سببها العاطفة المعزولة عن الوعي، فتأتي المواقف متسرعة متشنجة، لا تقوم على العقلانية ولا على العلمية المنطقية.

الأمثلة كثيرة على مثل هذه الجماعات الفقيرة عاطفيا، بل هنالك شعوب ومجتمعات ينخرها الفقر العاطفي، فتكون مواقفها (وثقافتها) قائمة على التسرع والتشنج واللاعقلانية، وهذا كله بسبب الاستخدام الخاطئ للعاطفة التي غالبا ما تكون منفلتة في مثل هذه الحالات، أي أن الوعي غائب عن العاطفة، فتستند المواقف إلى (ثقافة القطيع) وليس إلى العاطفة الموزونة بالوعي الجيد.

حاجتنا للعاطفة الثرية

لماذا يحتاج الفرد إلى العاطفة الثرية؟، وكيف يمكنه الحصول عليها؟، وهل يمكن صناعة المجتمع الثريّ عاطفيا؟، هذه مجموعة أسئلة في غاية الأهمية، لابد من الاجابة عنها بشكل دقيق وصحيح لكل فرد ولكل مجتمع.

الإنسان الفرد يحتاج العاطفة حتى لا يكون قاسيا ويفقد إنسانيته في تعاملاته مع الآخرين، فالعلاقات الاجتماعية وحتى الأسرية تقوم على العاطفة الغنية، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى أهمية أن يكون الوعي ملازما للعاطفة، حتى لا تسقط في الإفراط والتسرّع والانفلات ومن ثم تُصاب بالفقر العاطفي بسبب عدم استخدام العاطفة بشكل متوازن.

بالنسبة للمجتمعات، تحتاج أيضا إلى العاطفة المتوازنة مع الوعي، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال مغادرة الاعتماد على ثقافة القطيع التي تهيمن على المجتمعات المصابة بقلة وسطحية التفكير، والاعتماد على العاطفة المتسرعة المتشنجة، ولأن المجتمع هو حاصل جمع الأفراد، فإن الحاجة للفرد العاطفي المتّزن بالوعي تكون كبيرة، وتشكل المحصلة لصناعة المجتمع المتوازن عاطفيا وفكريا.

سبل تحقيق هذا الهدف متوافرة لكنها ليست سهلة المنال، فهي لا تتحقق من دون تصدي النخب كافة للقيام بدور التثقيف القائم على العمق، ومغادرة سطحية التفكير، ومحاربة (ثقافة القطيع) عبر خطط عملية تنظيمية تخطط لها وتنفذها النخب القادرة على قلب ثقافة القطيع إلى ثقافة الوعي والتفكير السليم العميق.

بهذه الطرائق العملية المدروسة نكون قادرين على صنع المجتمع المتوازن في العاطفة والوعي والتفكير، والمحمي من وباء (ثقافة القطيع) التي تلغي العقل، وتنمّي العاطفة الفقيرة المتسرعة عند الفرد ومن ثم المجتمع، لذا الجميع (الأفراد، والمجتمعات) في حاجة دائمة إلى تجنب العاطفة الفقيرة، من خلال تجنب قلة الوعي وسطحية التفكير.

ذات صلة

مقام التسليم والرضا والعبودية لله تعالى، علماء وعالمات جبل عامل نموذجاًفي ذكرى مولدها السعيد: السيدة زينب ورؤيتها المستقبليةالنظام الحزبي والديمقراطيةآليات مناقشة وتقييم بحث الترقية للقاضي بين الماضي والحاضر؟حياتنا بحاجة لهذه القرارات