صرخة الشباب والمراهقين
علي حسين عبيد
2022-07-06 06:30
كثر الشرائح التي تعرَّضت للظلم من بين العراقيين شريحة الشباب والمراهقين معا، فالشباب يبذل قصارى جهده ويستهلك سنوات طويلة من عمره لكي يؤهِّل نفسه لمهارة أو مهنة معينة أو وظيفة معينة، لكنه لا يعثر عليها لا في قطاع الدولة ولا في القطاع الخاص، فيضطر للبحث عن مهن لا علاقة له بدراسته أو شهادته أو مهارته، أما المسؤولين عنه وعن مستقبله فلا يرفّ لهم جفن، ولا يعنيهم حاضر أو مستقبل الشباب والمراهقين.
الأدلة كثيرة عن هذا الواقع المرير للشباب والمراهقين، اليوم صباحا طلبت من سائق أجرة شاب أن ينقلني إلى مركز المدينة، طلب الأجرة المقررة واتفقنا، في الطريق أثار فضولي سؤال أكرره على جميع سائقي سيارات الأجرة من الشباب، هل هذا عملك الوحيد؟ يجيب السائق الشاب: نعم. فأسأله: ما شهادتك الدراسية؟، يقول: كلية التربية قسم الفلسفة.
أصمت قليلا أتأمل هذا الشاب العميق وأرى فيه فلاسفة نقلوا بلدانهم وشعوبهم من حال إلى حال، أتساءل لماذا نستبدل الفيلسوف صاحب القدرة التربوية بمهنة السائق التي يمكن أن يقوم بها الأمّي أيضا، أكتشف أيضا أن هذا الشاب متزوج وله طفلين أحدهما في بداية مشواره المدرسي الابتدائي، فأحثّهُ على رعاية طفليه وخصوصا الطالب، فيلتفت إليّ ويتعهّد بالقيام بمهمته نحو أطفاله لكنه يشعر بالغبن والحزن والأسف.
أصل إلى مركز المدينة، ادخل أحد المطاعم، أطلب وجبة غداء بسيطة خالية من اللحوم والدسم، يأتيني بها شاب جميل المظهر نظيف، يضع طبق الطعام أمامي، قبل أن يذهب أطلقت عليه سؤالي الدائم، هل أنت طالب، يجيب: تخرجت من الجامعة، آداب انكليزي. لماذا لم تعمل في التدريس أو في الشركات التي تحتاج إلى من يتقن اللغة الانكليزية؟، يجيب: لم أجد فرصة عمل لا في شركات القطاع الخاص ولا في الدولة، اختصاصي النادر أو المهم لا يحتاجهُ أحد.
أتناول طعامي وفكري مشغول بالسائق الفيلسوف، والآن أوجه حالة أخرى مقاربة شاب درس آداب انكليزي لأربع سنوات، ثم يجد نفسه مضطرا للعمل في مطعم، هل أنت متزوج، هكذا سألته، فأجاب: نعم، وهل لديك أطفال؟ قال: نعم في الطريق.
هؤلاء شبابنا يدرسون يتعلمون ويصرف عليهم الآباء دم قلوبهم لينتهوا إلى مهن عاديّة يمكن لغير المتعلمين القيام بها، خرجتُ من المطعم مهموما بهذه الظاهرة التي لا تلتفت لها الدولة ولا القطاع الخاص، قرب المطعم هناك شاب آخر متميز يبيع الشاي، ألقيتُ عليه التحية وطلبتُ منه كوبا من الشاي، وخلال دقيقة وضعه في يدي، فسألته السؤال الذي يملأ فضولي، فأجاب: أنا مهندس زراعي. صدمني بجوابه هذا، فالعراقيون يستوردون معظم محاصيلهم الزراعية من الخارج.
أمثال هذا المهندس يتخذون من بيع الشاي مهنة كي تديم وجودهم، لكنها من المحال أن تبني لهم حاضرا لائقا، فما بالكم بالمستقبل، أظن أن لا أحد يفكر بهؤلاء، أما المسؤولون في الحكومة والوزارات المتخصصة فهم يعيشون في أبراجهم العاجيّة العالية.
بعد ذلك دخلت أحد الأحياء السكنية، فرأيت داراً قيد الإنشاء يقع على قارعة الطريق، يعمل في بنائه مجموعة من الشباب من مختلف الأعمار، عددهم 7 عمّال، شخص واحد منهم في الأربعين، والآخرون من فئة الشباب وجميعهم حصلوا على شهادات بين الإعدادية والجامعية، عرفت ذلك منهم فردا فردا، هؤلاء الشباب لا يختلفون عن سائق الأجرة، ولا عن عامل المطعم أو بائع الشاي.
جميعهم يعملون في مهن لا علاقة لها بدراستهم وتخصصاتهم وشهاداتهم، إذاً لماذا درسوا، لماذا أفنوا قمة أعمارهم في مقاعد الدراسة، لماذا قدمت عوائلهم أموالا طائلة كي تصل بهم إلى نهاية المشوار الدراسي الجامعي، ثم الحكومة نفسها لماذا تفتح المدارس والجامعات للشباب، ثم تلقي بهم إلى الشوارع وإلى مهن لا علاقة لها بما تعلموه في مدارسهم سنوات طويلة؟
هذه الوقائع التي نرصدها بشكل يومي تقريبا نضعها أمام من يهمهم الأمر، من الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات والمؤسسات العلمية وسواها، إننا مطالبون بالقضاء على ظاهرة المهن البديلة ذات الطابع السهل، ولابد من تقديم خطط علمية تضع حدّا لإهدار طاقات شبابنا، فالموارد البشرية ورأس المال الفكري هو العمود الأهم الذي ترتكز عليه الدول والشعوب لبلوغ قمم التطور.
وقبل أن أدون نهاية ما رصدته عيني اليوم، أختم جولتي بعودتي من المدينة إلى بيتي بالصعود في سيارة أجرة يقودها أحد شبابنا أيضا، وعلى الفور سألته ما هو تحصيلك الدراسي؟، فصعقت سمعي صرخة ساخطة وأجابني بيأس: ماجستير علوم كيمياء...