الى فريد زكريا... "العراق لن ينهار"

باسم حسين الزيدي

2015-06-09 03:09

يعتبر المحلل السياسي الامريكي "فريد زكريا"، من الوجوه الاعلامية الامريكية البارزة المتخصصة في الشؤون السياسية، و"زكريا" مهتم بشكل خاص بالشأن العراقي وتطورات الاحداث فيه، وله في هذا المجال العديد من الدراسات والآراء الخاصة... كان اخرها ما تنبأ به من "انهيار العراق" في برنامجه الشهير (GPS) الذي تبثه قناة (CNN) الامريكية... بعد ما حدث مؤخرا من تداعيات امنية ادت الى سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة "الرمادي" ومعظم ارضي محافظة "الانبار" التي تشكل ثلث مساحة العراق وتحتل الصحراء ثلاث ارباع مساحتها الواسعة.

لكل شخص الحق في بيان رأيه وتوقعات بشأن مستقبل العراق المفتوح على كل الاحتمالات... مثلما للآخرين الحق في الاقتناع او الرفض بفكرة الكاتب... او الرد عليها... ان كان الاخرون يمتلكون اراء اخرى، او حججا مغايرة.

نعم ما حدث في العراق مؤخرا من انتكاسات اصابت "المؤسسة العسكرية" في الصميم... كانت تنطوي على الكثير من النتائج الكارثية... وهي في حقيقة الامر عكست الفشل في بناء جيش عراقي يحمل "عقيدة" عسكرية واضحة الملامح... اضافة الى فشل ادارة هذا الجيش وصولا الى "نقطة الصدام" التي بانت في مدينة "الرمادي" مثلما بانت من قبل في مدينة "الموصل" ربما بشكل اكثر وضوحا ومنطقية.

في صراحة الامر لا يهمني الحديث عن خلفيات هذا الفشل والاسهاب في تفاصيل قد تعني خبراء اكثر دراية في الشأن العسكري... لكن ما يهمني الوقوف عند كلمة "العراق انهار" التي اشار اليها الكاتب والمحلل السياسي "فريد زكريا" في معرض حديثه عن المؤسسة العسكرية العراقية بعد ازمة "الرمادي"، والتي تناول فيها تصريح وزير الدفاع الامريكي "آشتون كارتر"، عندما ذكر إن "الجيش العراقي فقد رغبته بالقتال"، معلقا بالقول ان "وزير الدفاع الأمريكي نسي إضافة كلمة القتال من (أجل العراق) لينهي جملته، فهناك العديد من الأطراف التي تقاتل بشدة في العراق وأبدت استعدادها للقتال بشجاعة، فالأكراد يقاتلون بضراوة من أجل كردستان، والشيعة يقاتلون بقوة من أجل ابنائهم، والسنة أيضا، ولكن لا أحد يبدي الرغبة بالقتال من أجل العراق، وعلى الجانب الآخر يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقاتل من أجل أفكاره"، واضاف "المشكلة الحقيقية هو ليس أن الجيش العراقي فقد رغبته بالقتال، بل أن (العراق انهار)، وتنظيم داعش في معركة قوية مع الحكومة، ولكن لا يوجد ميليشيا تصل إلى هذه النجاحات دون وجود نوع من الدعم محلي من قبل سكان هذه المناطق، والتنظيم يستغل شعور أبناء السنة في كل من العراق وسوريا حول التهميش الذي يتعرضون له من قبل الحكومة الشيعية والعلوية".

ولا اعرف كيف ربط "زكريا" الامور بعضها بالبعض الاخر... ليفسر الامر ببساطة على انه "انهيار للعراق"... بالرغم من وجود الكثير من التصريحات والتوقعات لمسؤولين وكتاب وخبراء بارزين... والتي سبق اصحابها الكاتب في اضافة الطابع التشاؤمي لمجمل الوضع العراقي... لكن اغلب كلماتهم كانت تقف عند حدود ان العراق وصل الى "حافة الانهيار"... اما "زكريا" فاعتقد انه سبق الجميع في الحكم مسبقا على بلد ما زال يدفع ضريبة ثباته حتى الان.

بحسابات المنطق البسيط... لا تعني الهزيمة في معركة او اثنين ان بلدا كاملا سينهار في لحظة فارقة من الزمن... ولو قرأت تاريخ العراق جيدا لوجدت ان اغلب الصراعات، (الدينية والسياسية والقومية)، التي تجري داخل العراق لم تكن وليدة الاحداث الاخيرة... ولم تكن مجرد صدفة... بل ان اغلبها موغلة في القدم... وصولا الى تاريخ العراق الحديث... فالأكراد لديهم تطلعاتهم التاريخية في الانفصال... والصراع المذهبي لم يأتي نتيجة لتهميش السنة في العراق على يد الشيعة... ولا اعرف عن اي "ابناء" يقاتل الشيعة "بقوة" تنظيم "داعش" في "الرمادي" و"الكرمة" و"بيجي" و"العالم"... مثلا.

المشكلة الحقيقية... اعمق من ذلك بكثير... وهي مشكلة لا تخص العراق فحسب بل يمكن تعميمها على منطقة "الشرق الاوسط" مع التحفظ على بعض الاستثناءات البسيطة... حتى لا نجحف الاخرين حقهم.

العراق لم يفقد الامل تمام في الصمود بوجه "الارهاب"... وهو قادر على تجاوز المحنة بعد ان واجه مختلف التنظيمات والحركات المتطرفة (2003-2015) التي ضربت الجميع في الداخل... وحين تستمع الى احاديث المجتمع العراقي في التجمعات العامة والخاصة، تعرف معنى الدمار الكبير الذي اصاب بلدهم... لكن لا احد منهم يتحدث او يتوقع ان "ينهار العراق" ببساطة... لانهم "ببساطة" ايضا يحبون بلدهم وسيحافظون عليه، مثلما حافظوا على نظامهم "الديمقراطي" وضحوا بالكثير في سبيله... وسط محيط ملي بالحكام من الذين لا يحبذون هكذا انظمة... وربما سيسعد الكثير منهم برؤيته عندما "ينهار" امام اعينهم.

الاحكام المسبقة عن "العراق" والتي يطلقها المحللون "عن بعد" قد لا تنطبق بالضرورة وطبيعة ما يعيشه سكانه او ما يشعر به مواطنيه تجاه بلدهم... على الاقل قبل ان اطلق هكذا رؤية... احاول ان اشارك ابناء "وادي الرافدين" البعض من تحديات هذه المرحلة... على ارض الواقع... وفي العراق... بين افراده ومجتمعاته وفي ساحات القتال.

وحتى ذلك الحين... فكر مرة اخرى يا "زكريا"... قبل ان تطلق هذه العبارات النارية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا