العنف السياسي والتداول السلمي للسلطة
علي حسين عبيد
2015-03-25 09:18
قبل أن نلقي الضوء على مخاطر العنف السياسي، سنحاول أولا، معرفة ماذا يعني العنف عموما، ثم نخصص الكلام عن ظاهرة العنف السياسي، وماذا يعني العنف بصورة عامة، وما هي أسبابه ومخاطره، وكيف يمكن مواجهة هذه المخاطر والتقليل من نتائجها على الدولة والمجتمع؟.
فقد جاء في تعريف العنف على نحو الشمول، أنه لغةً الشدة اللفظية والمادية، إذ يوجد هناك عنف لفظي وسيلته اللغة او الكلام أو اللهجة الدارجة بين أعضاء ومكونات المجتمع الواحد، وهناك عنف مادي وسائله كثيرة ومتعددة، تختلف عن وسائل العنف اللفظي، فالأول ونعني به التعنيف باللغة تنحصر أضراره بالجانبين النفسي والمعنوي، ولكن قد يدفع ذلك بمن يطوله هذا النوع الى التعرض للعنف المادي بالنتيجة. أما العنف المادي فإنه سيُلحق أضرارا واضحة مرئية بجسد الانسان قد تصل به الى فقدان حياته، كما يحصل في المعارك والحروب أو التعذيب الجسدي بأنواعه، وفي المحصلة النهائية يقف العنف بالضد تماما من الرفق واللين، وقد ورد في لسان العرب أن العنف هو الخـُـرق بالأمر وقلــّة الرفق به، وهو ضَّد الرفق.
وعندما نتطرق الى العنف السياسي، فإننا سوف نلامس مشكلة رافقت الانسانية منذ أن بدأت تتشكل فيها السلطة، بدءاً من سلطة (الأب) أو (الأم) في العائلة، صعودا الى الأشكال الاخرى للسلطات، وحتى نكون أكثر وضحا فإننا نتحدث هنا عن العنف السياسي في مجتمعاتنا، فهذا النوع من العنف كما يقول حسنين توفيق إبراهيم في كتابه (ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية)، هو وسيلة للتعبير عن الرأي السياسي والحصول على الشرعية أو هو وسيلة للانتصار السياسي على الخصم. ويضيف الكاتب نفسه، (هو العنف الذي يقوم به فاعله ابتداءً لتحقيق هدف سياسي أو للتعبير عن موقف سياسي، أو يقوم به فاعله رداً على موقف أو حالة أو عنف سياسي مسلح).
ولعلنا كنا ولا نزال نعاني من العنف السياسي في مجتمعاتنا الاسلامية والعربية، وبإمكان المتابع بنظره متفحصة لتأريخنا السياسي المنظور أو الراهن منه، أن يكتشف من دون عناء كبير، ظاهرة العنف السياسي المنتشرة على نحو واسع في بلداننا، وهي ظاهرة تدل على خلل في البُنيات المتعددة لمجتمعاتنا، من النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولكن طالما نحن نخصص مقالنا هذا للعنف السياسي، فإن هذه الظاهرة بدأت واضحة للعيان منذ البوادر الأولية لنشوء الدول العربية والاسلامية في عصرنا الحديث.
على سبيل المثال عندما تأسست الدولة العراقية الحديثة سنة 1921، رافقتها ظاهرة العنف السياسي على نحو دائم، فكانت هناك اضطرابات رافقت الحكم الملكي المسنود من المستعمِر البريطاني، وحتى عندما آلت الامور للحكومات العراقية، لم يستطع المنهج السياسي من ترسيخ مبدأ (التداول السلمي للسلطة)، فانتشرت ظاهرة العنف السياسي على نحو واسع، وازدهرت حقبة الانقلابات العسكرية في العراق، وتصارعت الاحزاب السياسية بوسائل العنف الكثيرة، وانتشر الصراع المسلح بين السلطة السياسية من جهة، وبين الاحزاب والحركات السياسية التي كانت في الغالب تعتمد السلاح ولا تجد في الحوار طريقا مناسبا لها، وأحيانا كانت تدور صراعات مسلحة تقوم بها الاحزاب ضد بعضها، لذلك بقيت ظاهرة العنف السياسي مرافقة لجميع الانظمة السياسية التي حكمت العراق، ولا نأتي بشيء جديد عندما نقول ان معظم الدول العربية والاسلامية، تشابهت مع بعضها في انتشار هذه الظاهرة وان كانت بدرجات متباينة.
أما أسباب العنف السياسي، وضمور مبدأ التداول السلمي للسلطة، فهو يعود الى جوانب متعددة، ولكن يبقى السبب الأساس، هو عدم التأسيس السليم لثقافة (تبادل السلطة وفق دستور دائم)، ينظّم الانتقال السلمي لها، وفق ما تسفر عته صناديق الاقتراع عن طريق الانتخابات الشعبية، ولكن غالبا ما نجد أفرادا يؤسسون احزابا فردية هم الذين يسيطرون على السلطة بالقوة الغاشمة، وليس عن طريق الانتخاب الحر، فكانت الحكومات في الغالب ذات طابع فردي او حزبي فئوي، لا يفكر في بناء أسس الدولة الحديثة ولا يعنيه مصالح الشعب من قريب او بعيد.
لذلك أفرزت هذه الظاهرة مخاطر لا تحصى، لاسيما أن هذا النوع من العنف أبقى على الميدان السياسي مفتوحا على صراعات دائمة، لن تنتهي، كلها تهدف الى السيطرة على مقاليد السلطة من اجل امتيازاتها، وقد رافقت هذه الظاهرة خسائر كبيرة جدا، تحملت أعباءَها المجتمعات نفسها وليس الحكام او حكوماتهم، أول هذه الخسائر الفشل في بناء دولة المؤسسات المدنية القادرة على حماية افراد ومكونات المجتمع كافة.
ولغرض تفادي انعكاسات العنف السياسي، لابد من طرح جملة من البدائل والحلول، تقدمها لجان متخصصة، وتتفق عليها الاحزاب والشخصيات العاملة في الحقل السياسي، وتدعمها ثقافة مجتمعية شاملة، تعمل على ترسيخ منهج التناقل الاستشاري الديمقراطي للسلطة، من هذه الحلول:
- البدء بنشر ثقافة الانصياع لنتائج ومؤشرات صناديق الاقتراع، وما ينتج عنها من تصويت، قائم على النزاهة والانضباط والتنظيم الدقيق.
- اعتراف جميع الاحزاب والشخصيات العاملة بالسياسية بحقوق بعضها البعض، والاتفاق على التنافس الايجابي طريقا أوحد للوصول الى السلطة بالسبل الاستشارية الديمقراطية المتعارف والمتفق عليها.
- نبذ جميع حالات العنف المسلح المتبادَل بين القوى السياسية، وترجيح كفة ما يختاره الشعب من قادة وشخصيات سياسية موثوق بها.
- العمل التخصصي المدروس على وضع التشريعات الدقيقة التي تحجّم ظاهرة العنف السياسي بجميع أشكاله وأنواعه ومصادره.
- منع كل أنواع العنف الصادر من السلطة ضد الشعب، باستثناء ما يقرّه القضاء بقوانينه المعلنة مسبقا.
- عدم المساس بحرية الرأي في أي حال من الأحوال، بما في ذلك حرية الاعلام.
- ترسيخ المنهج التعددي في حكم الدولة والمجتمع، لدرء مضاعفات العنف السياسي.