من شيطنة الاخر الى السطو على تراثه
حيدر الجراح
2015-02-26 01:02
الاخر الذي لانعرفه نخاف منه، وهو خوف له مايبرره عند جماعة ال (نحن)، لاننا نخاف عادة من كل شيء نجهله، ولا نحاول بذل جهد في التعرف عليه..
من الخوف مايبلغ اقصى درجاته عند الخائف، يلجأ لتطمين مخاوفه من هذا الاخر، الى شيطنته وأبلسته عبر مجموعة من الأساليب والسلوكيات يلجأ إليها الطرف الخائف في ساحة الصراع المتوهم مع الآخر، ودائما ماكان الاخر هو العدو حسب تعبير امبرتو إيكو.
وأسباب الشيطنة متعددة منها محبة الانفراد بالسلطة والثروة والامتيازات، الإحساس بالفشل الشعبي، وضعف التأثير المجتمعي، حيث لا طاقة ولا قبول ولا أتباع.
في الانظمة المستبدة، ولدى التيارات والتوجهات العاملة في المجتمع، ولدى اصحاب المصالح الضيقة، تبرز صناعة هذا العدو المتوهم وشيطنته، واقول صناعة لانها تعتمد بالدرجة الاساس على خلق ورسم صور معينة نحو هذا الاخر، يكون للاعلام دور كبير فيها، من خلال
استخدام أساليب التأليب والسخرية والتسخيف والتشويه وتأجيج الأفراد المختلفين في التوجه.
يقود ذلك الى إزالة الطرف غير المرغوب فيه وإبعاده عن التأثير داخل المجتمع. والعمل على الاصطفاف وراء تكتلات تصنف حسب الفكر والتوجه، وهي حالة يغيب فيها العقل وتتحكم فيها الأهواء والرغبات.
بالعودة الى انظمة الحكم المستبدة وصناعتها لصورة الاخر – العدو، تؤدي تلك الصورة بالنسبة لصانعيها عددا من الوظائف منها:
تضفي على المستبد شرعيته السياسية في سلوكه اتجاه خصمه. وتغذي مكونات هذه الصورة وترعاها القوى الاجتماعية المختلفة والطبقات وجماعات المصالح التي تجد فيها تبريراً لمصالحها المادية، وللسياسة التي تتوخاها مع هذا الآخر واستغلاله أو الهيمنة عليه أو حتى تدميره. فصورة الآخر تفيد في تنظيم الخصومة وإضفاء الشرعية عليها.
مواجهة أزمات المجتمع: حيث تلجأ الانظمة المأزومة الى توظيف العدو لمواجهة أزمات المجتمع حيث عادة يتم تأجيل البحث عن حل داخلي للأزمة وترحيلها الى عدو خارجي أو مختلف عن المجموعة.
مواجهة الأزمات السياسية والعقيدية الأيديولوجية: يخلق العدو توحداً للجبهة السياسية الداخلية في مواجهة خطر العدو الذي يهدد الوجود. وعادة ما يتم إضفاء سمات عقيدية عدائية على الآخر في هذه الحالة.
تلك المقدمة يرى كاتب السطور انها ضرورية على ضوء ما أدلى به هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، لصحيفة (جمهوري اسلامي) الايرانية، والتي ذكر فيها (إن القيادة في إيران في المستقبل يمكن أن تكون عبر شورى الفقهاء، بدل الولي الفقيه).
ويرى رفسنجاني أن الحل لقيادة ايران بعد رحيل الولي الفقيه الحالي، هو (أن تكون القيادة بيد هيئة من الفقهاء، بدل فقيه واحد)، وتلك الفكرة حسب المتحدث، كانت قد طرحت في العام 1990 بعد رحيل الخميني..
لكن هذه الفكرة ليست كما يدعي المتحدث، وليدة العام 1990 ، بل هي تعود لاعوام اسبق من ذلك، حين اقترحها الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) من خلال نظريته (شورى الفقهاء المراجع) وعمل على التأصيل النظري لها سنوات طويلة، لما كان قد توقعه من ان سلطة الفقيه الواحد المتسيّد على بقية الفقهاء تقود حتما الى نوع من الاستبداد والتفرد في القرار.
وتلك النظرية، اضافة الى غيرها من اسباب رفض للكثير من السياسات) كانت السبب في قمع تحركات الامام الراحل والمحسوبين عليه، عبر فرض الاقامة الجبرية على تحركاته، ومحاصرة انشطته المجتمعية، مع صناعة صورة له واعتباره عدوا للثورة الايرانية ودولتها.
تلك الثورة وعلى لسان المتحدث نفسه، في ذكراها السادسة والثلاثين، أكد أن (الأوضاع الآن ليست كما كنا نأمل)، وفی رده على أسباب انطباعه من الفشل في تحقيق (أهداف الثورة) قال: (هذه الأمور واضحة جداً ولا تحتاج إلى شرح مني. الجميع يعرفها ويعرف كيف تسير الأمور، وكيف ندير القضاء وقضايانا الاقتصادية، هذه تختلف عما يريده الإسلام).
حديث رفسنجاني والذي تأخر طيلة هذه السنوات، قد يكون محاولة لتصحيح مسار النظام السياسي في ايران، او قد يكون وسيلة من وسائل المحافظة على السلطة بيد مجموعة معينة، الا انه لايفتقر صدق الاعتراف بالخطأ الذي تم ارتكابه، وان كان صدقا يضمر مصاديق اخرى، كان الاحرى به تسميتها، ونسبتها الى اصحابها الحقيقيين، فشورى الفقهاء المراجع، هي نظرية الحكم الرشيد التي طرحها الامام الشيرازي الراحل، ولا يستطيع الاخرون ادعاءها لأنفسهم، فلا قوة يمكن لها ان تبتلع التاريخ وان تمحو اسماء صانعيه.