العدالة كإنصاف
حيدر الجراح
2015-02-22 12:16
العدالة مبدأ مناف لمبدأ الظلم، وقوامه الحق. والحكم بالعدل معناه احقاق الحق بابطال باطل. لكن ما الحق؟ وما الباطل اجتماعيا؟ هنا يطرح مبدأ التوازن او التوازي الاجتماعي بحدود العلاقات ومفردات المعاملات، اكثر مما يطرح بحدود المساواة العددية الوهمية. فالعدل الاجتماعي نسبي، تناسبي، تعادلي، تحكمه شروط الافرقاء وموازين القوى المتغالبة.
يعبر مفهوم الحق عن قيم أخلاقية إنسانية أساسية كالعدالة والواجب والحرية والمساواة والإنصاف، يندرج مفهوم الحق والعدالة ضمن المجال الإشكالي للمشروعية السياسية، تحكم هذه القيم (الحق والعدالة، الحرية، المساواة…) دولة الحق في مبادئها ووظائفها وغاياتها.
لا يمكن فصل مفهوم الحق عن أشكال تجسيداته داخل الدولة، وممارسته والعمل على أرض الواقع… فهو قيمة إنسانية، أخلاقية، اجتماعية، سياسية أساسية، هو شرط تحقيق إنسانية الإنسان، لأنه يتضمن كل القيم المثلى، والفضائل وتطلعات الإنسان وآماله في الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية والإنصاف.
إن الحق يعبر عن العدل والقانون والمشروعية في مقابل الظلم والعنف والطغيان والاستبداد.
يقال عدل تبادلي على العدالة، التي تتحكم بالعلاقات التعاقدية، التي تلزم الاطراف المتعاقدة بتنفيذ ماتعهدت به. الا ان التعاهد او التعاقد قد يكون ناشئا من مبدأ ظلم، تفاوت او لا تكافؤ بين اطراف متغالبة، لاتتسالم الا بتسوية، وفي كل تسوية، هناك رابح نسبي وخاسر نسبي، لذا يطرح مبدأ العدل التوزيعي القائم على مفهوم الثواب والعقاب، المكافأة والجزاء.
والعدالة وضع اجتماعي يتساوى فيه في الحقوق والمعاملة كل الأفراد والفئات دون مراعاة العرق أو الجنس أو أي عامل آخر من العوامل التي تؤدي إلى الظلم والإجحاف.
وهي ايضا، تشكل معنى الحياد التام وعدم التحيز ويقوم على إعطاء كل ذي حق حقه وعدم الاعتداء على الآخرين.
إذا كانت العدالة تسعى إلى تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع فهل تستطيع إنصاف كل الناس؟
حسب الفيلسوف الأمريكي جون رولز، تقوم العدالة على قاعدة أو مبدأ الإنصاف، وهي قاعدة تقضي من جهة حق كل الأفراد في الاستفادة بالتساوي من نفس الحقوق الأساسية، ومن جهة ثانية عدم وضع عوائق أمام أولئك الذين بحكم مواهبهم الطبيعية أو ظروفهم، يوجدون في وضع أحسن، شريطة أن يكون لباقي الأفراد حق الاستفادة أيضا من هذا الوضع.
اما ماكس شيلر الفيلسوف الألماني فيتحدث عن المساواة الجائزة، لأن العدالة المنصفة هي التي تراعي اختلافات الناس وتمايز طبائعهم وقدراتهم واستعداداتهم ومؤهلاتهم، فالناس يتفاوتون فيما بينهم تفاوتا إيجابيا وخلاقا، ومن الجور حسب شيلر الإقرار بمساواة مطلقة، كما تنادي بذلك الأخلاقيات الحديثة.
لا تعنى العدالة أن يتساوى الجميع في الدخل والثروة. ولكن ما تعنيه هو أن أي فوارق في الدخل والثروة لابد أن تكون لها أسباب وجيهة ومعروفة للجميع. فما يجعل التفاوت في الثروة والدخل مشروعا هو أن تكون له فائدة للمجتمع ككل، كأن يكون حافزا للتقدم والعمل والمبادرة، وليس أن يكون ناتجا عن أوضاع موروثة ومستمرة ولا يمكن تغييرها في المستقبل. فالأصل في المجتمع هو أن يتساوى الجميع في فرص العيش وفرص التقدم بقدر المستطاع.
فالعدالة تقوم على فكرة المساواة ولكن بمعناها الإيجابي. فالمساواة هنا لا تعنى فرض التساوي بين الجميع في الدخل والثروة، ولكن إتاحة الفرص المتساوية لهم في حرية الحركة والمبادرة.
الفيلسوف الامريكي جون رولز والذي تناول نظرية العدالة في أهم مؤلفاته: (نظرية العدالة - الليبرالية السياسية - قانون الجماعات البشرية - العدالة كإنصاف).
يرى رولز ان السمة الاولى للعدالة تتعلق بكون أن اختيار مبادئ العدالة يتم خلف حجاب من الجهل؛ يعني ذلك أن لا أحد بإمكانه أن يوجد في موقع يكون أفضل من موقع الآخر عند اختيار هذه المبادئ. ففي حجاب الجهل تقصى الصدفة الطبيعية، كما تقصى احتمالات الظروف الاجتماعية في عملية الاختيار هذه. فجميع الناس يجدون أنفسهم، في الوضع الأصلي ضمن وضعية متشابهة. وهذا يشير إلى أن مبادئ العدالة لا تصاغ ليستفيد منها البعض فقط، فهي نتاج اتفاق يقوم على الإنصاف. في إطار هذا الوضع الأصلي تكون العلاقات بين المشاركين في صياغة هذه المبادئ علاقة إنصاف بين ذوات أخلاقية وعقلانية لها القدرة على تحديد معنى العدالة. وهنا بالضبط تكون العدالة مماثلة تماما للإنصاف.
إن الوضع الأصلي الذي يتحدث عنه رولز هو أكثر قربا من النظام التعاوني القائم على الإرادة، والحرية في اتخاذ قرار بصدد الاتفاق حول مبادئ تأسيسية تقوم قبل كل شيء على الإنصاف بحيث تكون الإلزامات التي يخضع لها هؤلاء المشاركون في هذا الوضع منهم أنفسهم.
السمة الثانية للعدالة عند رولز باعتبارها إنصافا تتعلق باعتبار المشاركين في الوضع الأصلي كائنات عقلانية لا تحركهم المصالح الشخصية ما دام الاتفاق حول المبادئ يحصل داخل وضعية من المساواة. ومن تم فإن راولز يرى بأن المبدأ النفعي لا يتلاءم مع تصوره للتعاون الاجتماعي الذي يقوم بين أشخاص متساوين يتعاونون في سبيل مصالحهم المتبادلة. داخل الوضع الأصلي، إذن، يتم الاتفاق حول مبدأين. ويقدم راولز صيغا كثيرة لهما يعرضها في أكثر من موقع من كتابه هذا. يقول عن العرض الأول لهما
يعتقد جون رولز ان (إنتاج مزيد من خيرات ما بدون التقليص من إنتاج خيرات أخرى، يمكن استعمال كم الخيرات لتحسين ظروف بعض الأشخاص دون التقليص من تحسين ظروف عيش الآخرين). ويقدم لذلك مثالا يتعلق بتوزيع ادخار ثابت بين شخصين مستنتجا المميزات التالية:
1- إن مبدأ الفعالية ضروري ليكون هناك توزيع فعال، غير أنه لا يكفي، إذ لا بد أيضا من حضور مبدأ العدالة، لأن مبدأ الفعالية لا يكفي وحده لتطبيق مبدأ العدالة.
2- لا تعطى الأولوية لاعتبارات تتعلق بالفعالية في التوزيع الفعال، وإنما تعطى هذه الأولوية لمبدأي العدالة القائمين على نظرية العدالة باعتبارها إنصافا.
3- يكون تنظيم التوزيع فعالا إذا لم تكن هناك أية وسيلة لتعديله بشكل يزيد في منظورات البعض دون أن يقلص من منظورات البعض الآخر. في هذه الحالة يكون التنظيم الفعال تنظيما عادلا.
4- يكون تنظيم الحقوق والواجبات في البنية الأساسية للمجتمع فعالا إذا وفقط إذا كان من المستحيل تعديل القواعد، وإعادة تحديد نسق الحقوق والواجبات بكيفية تزيد في انتظارات فرد واحد دون أن تقلص من انتظارات فرد آخر في هذه البنية، مع ضرورة أن يتوافق هذا التعديل مع مبادئ أخرى، كأن لا ينتهك مبدأ الحرية أو ينتهك مطلب المحافظة على المواقع المفتوحة أمام الجميع. فما يمكن تعديله هنا هو كيفية توزيع مواقع السلطة والمسؤولية وعملية توزيع الموارد والثرة فقط.