بين يدي السيدة فاطمة المعصومة(ع)
وجدي المبارك
2017-01-15 05:00
▪️ تعتبر السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) أشهر بنات الأئمة الطاهرين، وأفضل بنات الإمام موسى بن جعفر (ع)، فأمّها أمّ ولد تكنّى بأمّ البنين وقد ذكر لها العديد من الأسماء كنجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وعليه استقرّ اسمها، وتشترك مع الإمام علي الرضا (ع) في أمّ واحدة.
▪️ ولدت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) بناء على أكثر الروايات التاريخية في المدنية المنورة في غرة شهر ذي القعدة من عام 173هـ للهجرة، وقال بعض المؤرخين إنّها وِلدت سنة 183 هـ، وهو تاريخ غير دقيق ولايميل للصحة، لأنها السنة التي استشهد فيها أبيها الإمام موسى الكاظم (ع) الذي استشهد في سجن السندي، وتوفيت في العاشر، وقيل الثاني عشر من شهر ربيع لعام 201هـ.
▪️ نشأت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) في كنف ورعاية تحت رعاية أخوتها بسبب وجود أبيها الإمام موسى الكاظم (ع) في سجن هارون الرشيد، لذلك تعلقت وارتبطت روحها بأخيها الإمام علي الرضا(ع).
▪️ بالرغم من كثرة أبناء الإمام موسى الكاظم (ع) فلم يكن من بينهم أفضل منها بعد الإمام علي الرضا(ع) مثل هذه السيّدة الجليلة فاطمة (ع)، لأنها النسمة التي رضعت من ثدي الإمامة والولاية، ونشأت وترعرعت في أحضان الإيمان والطهارة.
▪️ مما يدل على عظم قدسية ومكانة السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) أنها الشخصية التي بشر بميلادها الإمام جعفر الصادق (ع) حيث ورد في عنه أنه قال: إن لله حرماً وهو مكة، إلا أن لرسول الله (ص) حرماً وهو المدنية، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم تُقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى بن جعفر وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم.
▪️ سميت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر باسم فاطمة لأن الأئمة الطاهرين كانوا على علم بمكانة أئمهم فاطمة الزهراء(ع) لذا حرصوا على تسمية بناتهم باسمها، بل أوصوا شيعتهم ومحبيهم بتسمية بناتهم باسمها.
▪️ لقبت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) بعدة ألقاب ومنها: العالمة والراوية والمحدّثة، والشفيعة، والعابدة، والمقدامة، وأما أشهر ألقابها: كريمة أهل البيت(ع) والمعصومة.
▪️ لم تنل السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) لقب العابدة والمقدامة إلا لكونها الفتاة العابدة المقدّسة المباركة المنقطعة والمتواصلة مع الله بحيث كانت في غاية الورع والتقوى والزهد والعفّة والطهارة، والقوّة والحقّ والغلبة والكمال مجتنبة الذلّ والخذلان، والخوف والاستسلام فأصبحت نسخة مصغرة من أبيها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) الملقب براهب آل محمد.
▪️ عرفت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) بثلاثة ألقاب تدل على مكانتها العلمية بين أهل البيت (ع) التي يصل إليه أحد في زمانها وهي: العالمة والراوية والمحدّثة، فكانت من العالمات المحدّثات المهاجرات اللاتي اختصهنّ الله تعالى بملكة العقل والرشاد والإيمان والثبات، والعزيمة والفداء والتضحية.
▪️ مما يدلل على مكانة السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (ع) العلمية عند أهل البيت (ع) الحادثة التاريخية التي أجابت فيها -وهي سن لم تبلغ فيه سن البلوغ -على أعقد المسائل العقائدية والفقهية التي جاء بها مجموعة من شيعة أبيها من بلدان بعيدة قاصدين المدينة المنورة، فلم يجدوه ولم يجدوا أخيها الرضا(ع)، حينها قامت السيدة فاطمة المعصومة (ع) بكتابة الإجابة إليهم وقدّمتها لهم، فغادروا المدينة فرحين مسرورين، والتقوا بالإمام الكاظم (ع)خارجها، وقصّوا عليه ما جرى معهم، وأروه ما كتبته ابنته السيّدة فاطمة(ع) فسرّ الإمام موسى الكاظم (ع) بذلك وقال: "فداها أبوها"!!.
▪️ لقبت السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم (ع)بالمحدّثة والراوية، كونها حدّثت عن أبيها وآبائها الطاهرين (ع)، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث، وأثبت لها أصحاب السنن والآثار روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين الخاصّة والعامّة، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد.
▪️ يرجح تلقيب السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم(ع) بلقب المعصومة لكونها الفتاة المتمتعة بالطهارة والعفاف أوصلتها لحد العصمة الذاتية (الاختيارية) من الذنوب التي تثبت لكبار أولياء الله تعالى المقدّسين المطهّرين، والتي تختلف عن العصمة (الثابتة) للأئمّة المعصومين(ع).
▪️ أما السبب الثاني الذي يرجح تلقيب السيدة فاطمةبنت الإمام الكاظم(ع) بلقب المعصومة فهو سبب مرتبط بطهارتها وصفاء روحها الملائكية، لكونها الفتاة التي لم يتجاوز عمرها الثلاثين على أكثر الروايات التاريخية، فأطلق الإيرانيّون لقب "معصومة فاطمة" أو "معصومة قمّ" عليها بعد وفاتها، لأنّ معصوم بالفارسيّة بمعنى البريء، وعادة ما يوصف بها الطفل البريء الذي يتمتع بالطهارة الذاتية والصفاء الروحي الملائكي المتسم بالبراءة.
▪️ أما السبب الثالث الذي يرجح تلقيب السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم(ع) بلقب المعصومة هو السبب الذي يؤيد السببين السابقين، بل ويبين استحقاها للقب المعصومة بجدارة، لكون الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادق والرضا والجواد (ع) أكدت على استحباب زيارتها في قم، وهذا إن دل على عِظم قدرها ومكانتها عند أهل البيت (ع)، ومنزلتها الرفيعة عند الله.
▪️ ارتبط لقب كريمة أهل البيت (ع) بفاطمة بنت الإمام الكاظم(ع) بعد وفاتها لكونها الباب الإلهي الذي يلجا له الموالون في قضاء حوائجهم ومعضلاتهم، لأنها الكريمة من أصل الكرماء التي لا ترد من طرق بابها.
▪️ ذهب اليعقوبي أن السيدة بنات الإمام موسى الكاظم (ع) بمافيهن السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم(ع) لم تتزوج بأحد من رجال زمانها، لكون الإمام موسى بن جعفر (ع) أوصى ألّا تتزوّج بناتهمن بعده، وهو رأي لا يمكن القبول به بوجه من الوجوه، فكيف يمنع الإمام الكاظم (ع) بناته من الزواج وهو شرع الله الذي حثّ عليه الإسلام وندب إليه؟ لذا يتضح أن وصيّة الإمام موسى الكاظم(ع) لم تنص على منع بناته من الزواج، وإنّما نصت بجعل أمر زواج بناته بيد أخيهم الإمام الرضا (ع).
▪️ بالرغم من أن للإمام موسى الكاظم (ع) إحدى وعشرين بنتاً بما فيهن السيدة فاطمة (ع) لكنهن لم يتزوجن، ورجح البعض سبب ذلك كون الإمام لم يجد الكفؤ لهن، ورجح البعض الآخر ذلك نتيجة الضغوطات العنيفة والممارسات التعسفيّة التي كانت السلطة العبّاسيّة تنتهجها تجاه الأئمّة (ع) وشيعتهم، بحيث لم يكن أحدٌ ليجرأ أن يتقدّم من الإمام ليطلب كريمته خوفاً من بطش السلطة العباسية ونقمتهم عليه، بل لم يكن الشيعة قادرين في فترات مختلفة من الزمن على السلام على الإمام موسى الكاظم(ع) أو الاقتراب من داره، فما حال من كان يريد مصاهرته؟!!.
▪️ تعتبر السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم(ع) عقيلة من عقائل الدوحة العلويّة النقيّة الطاهرة المطهّرة، وحفيدة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) ومن أجل بناتها الطيّبات العفيفات.
▪️ شابهت السيدة فاطمة المعصومة (ع) عمتها السيدة زينب الحوراء (ع) بعدة نواحي منها: اشتراكهما في النسب العلوي والفاطمي، وكونهما أختين لإمامين معصومين، وشدة ارتباطهما بأخويهما، فكما ارتبطت روح السيدة زينب(ع) بأخيها الإمام الحسين (ع)، كذلك ارتبطت روح السيدة فاطمة المعصومة (ع) بأخيها الإمام علي الرضا(ع)، وكما خرجت السيدة زينب (ع) مع أخيها الإمام الحسين(ع) لكربلاء، كذلك خرجت السيدة فاطمة المعصومة (ع) إلى خراسان في طلب أخيها الإمام علي الرضا (ع).
▪️ تنقل الكتب التاريخية أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) خرجت إلى خراسان في طلب أخيها الإمام علي الرضا(ع) في عام 200 هـ، حتى وصلت إلى منطقة تسمى ساوة، فمرضت هناك، فسألت عن المسافة التي تفصلها عن قم فقيل لها: تبعد عشرة فراسخ، فأمرت خادمها بنقلها إليها، واستقرت في بيت الموالي موسى بن خزرج، وبقيت فيه ستة عشر يوماً إلى أن فارقت الحياة.
▪️ بينما ينقل بعض المحدثين والمؤرخين أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) خرجت إلى خراسان بناء على أمر من أخيها الإمام علي الرضا(ع) في عام 200 هـ، حتى وصلت إلى منطقة تسمى ساوة، فمرضت هناك، فلما سمع آل سعد بذلك خرج موسى بن خزرج في طلبها، وأخذ بزمام ناقتها وجرها إلى داره، فاستقرت بها ستة عشر يوماً إلى أن فارقت الحياة، فغسلت وكفنت، ودفنها موسى بن خزرج في بستان له، وهو مكان مدفنها المبارك في قم المقدسة.
▪️ أقامت السيدة فاطمة المعصومة(ع) في دار لموسى بن خزرج الذي عُرف في الوقت الحالي ببيت النورب (ميدان مير)، وكان اسمها سابقاً (الستية)، وقد تحولت هذه الدار إلى مسجد كبير من أجل الحفاظ عليه وعلى قدسيته، وتتوسطه غرفتها التي هي محل عبادتها، فيأتون الناس اليوم إلى ذلك المكان ليصلوا فيه ويتبركوا به.
▪️ يميل بعض العلماء والمحققين أن السيدة فاطمة المعصومة (ع) ماتت مسمومة، وهذا ماذهب مجموعة من المحققين والعلماء منهم: الميرزا المحقق القمي المعروف بالمحقق صاحب القوانين، ويعلل ذلك لكون السيدة خرجت في طلب أخيها الإمام علي الرضا(ع) ولم تكن تشكو من أي مرض، وحينما وصلت إلى ساوة مرضت مرضاً مفاجئاً لم يذكر سببه أو علته !!، أما المرجع السيد محمد الشيرازي فيميل إلى نفس الرأي، وينقل في كتابه السيدة فاطمة المعصومة(ع) أنه قرأ كتاباً تاريخياً قديماً يتحدث عن اغتيالها بالسُم.
▪️ يتضح من تتبع الكتب التاريخية أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) مرضت مرضاً مفاجئاً لم يذكر سببه أو علته، وهذا ما جعل بعض العلماء يربط سبب مرضها بمحاولة اغتيال عن طريق السم من قبل السلطة العباسية المتمثلة في المأمون العباسي وهي في طريقها إلى خراسان.
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم قلة المصادر التاريخية التي تحدثت عن حياتها خصوصاً عن ملابسات وفاتها، وهذا ناتج بلا شك من التعتيم الإعلامي الذي لجأ إليه حكام الجور من بني أمية والعباس لإخفاء تاريخ أئمة أهل البيت (ع) وشيعتهم، وهو أسلوب إعلامي ممنهج في تلميع صورهم وتاريخهم، وإخفاء جرائمهم وطغيانهم، فليس مستبعداً أن يعمدوا إلى إخفاء سبب وفاة السيدة فاطمة المعصومة(ع) الحقيقي، بلجوئهم إلى تصفية فتاة بريئة بالسم في صورة إنسانية مقيتة، فهي بلا شك صورة تشوه تاريخهم، وتُظهر حقيقة صورهم البشعة.
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم من قِبل المأمون العباسي كون سياسة الاغتيالات السياسية أسلوباً مألوفاً اعتاد عليه حكام بني أمية والعباس في تصفية معارضيهم من الأئمة الطاهرين كالإمام الحسن والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)، وكذلك خلص شيعتهم كمالك الأشتر وحجر بن عدي وميثم التمار، وهاني بن عروة وغيرهم.
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم من قبل المأمون العباسي كونه لجأ إلى تصفية كل معارضيه من أهل البيت(ع) وخصوصاً أولاد الإمام موسى الكاظم (ع)، وفي مقدمتهم الإمام علي الرضا(ع) الذي اغتاله بالسم بعد وفاة أخته فاطمة المعصومة (ع)، كذلك قام بتصفية أخوته عن طريق السم والقتل، فليس مستبعداً أن يلجأ إلى نفس الطريقة لاغتيال السيدة فاطمة المعصومة (ع).
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم من قبل المأمون العباسي كونه عازماً على تصفية الإمام علي الرضا(ع) قبل سفر أخته إلى خراسان، فلا ريب أنه علِم بخروجها من المدنية المنورة عن طريق واليه فيها من أجل لقاء أخيها الإمام علي الرضا(ع)، فلا يستبعد أنه خطط أو أوعز إلى قتلها بالسم وهي في طريقها إلى خراسان، لأن وجودها بجانب أخيها قد يعطل أو يؤخر تنفيذ مخططه في تصفية الإمام علي الرضا (ع).
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم من قبل المأمون العباسي أنها فتاة فلا يمكنه حسب التقاليد العربية السائدة منعها من السفر، أو اعتقالها بدون وجود مبرر مقنع، لذا لم يكن أمامه إلا خيار واحد وهو تصفيتها بدس السم لها، كي يقال أنها ماتت حتف أنفها، فيضمن بذلك عدم وصولها إلى مدينة مرو بخراسان للقاء أخيها الإمام علي الرضا(ع).
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم أن المأمون العباسي يتمتع بمكر سياسي كونه حمل نظرة مستقبلية فحواها: إن تمكنت السيدة فاطمة المعصومة(ع) من لقاء أخيها الإمام الرضا(ع) في خراسان – وإن استطاع تصفيته بعد ذلك - فحتماً سيواجه معارضة قوية تقودها السيدة فاطمة المعصومة(ع) وتفضح مخططه الإجرامي في قتل أخيها، وتأنب الشارع الإسلامي ضده.
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم من قبل المأمون العباسي هي المدة القصيرة التي تفصل بين وفاتها وبين استشهاد أخيها الإمام علي الرضا(ع) والتي لا تزيد حسب الروايات التاريخية عن سنة أو سنتين على أكثر التقادير، فقِصر هذه المدة دليل على أن المأمون العباسي لمجرد أن قام بتصفية السيدة فاطمة المعصومة(ع) ضمن أن الطريق ممهداً أمامه للمضي قدماً في تنفيذ مخطط تصفية الإمام علي الرضا(ع)، حينها قام بتنفيذ مخططه الإجرامي بعد سنة من وفاتها.
▪️ مما يؤيد أن السيدة فاطمة المعصومة(ع) قُتلت بالسُم من قبل المأمون العباسي عمرها القصير في الدنيا الذي قيل أنه 18 أو20 أو 28 سنة، بالإضافة إلى المدة القصيرة التي تفصل خروجها من المدينة المنورة إلى يوم وفاتها، حيث خرجت في نهاية سنة 200، ولم يذكر لنا المؤرخون أنها خرجت من المدينة مريضة أو بها علة، أنما مرضت مرضاً مفاجئاً في ساوة، ونُقلت بعد ذلك إلى قم وأقامت بها ستة عشر يوماً، وتوفيت فيها في العاشر من شهر ربيع الأول عام 201هـ، وذلك قبل سنة أو سنتين من استشهاد أخيها الإمام علي الرضا(ع)... والله العالم.
▪️ فارقت السيدة فاطمة المعصومة(ع) الدنيا بعد أن امضت ستة عشر يوماً مقيمة في دار موسى بن خزرج بقم، فغُسلت وُكفنت ثم قام بدفنها في بستان له يُعرف (بابلان)، وأحاط قبرها وسقفها بحصير الباريا المصنوع من القصب، وذلك في العاشر من شهر ربيع الأول لعام201هـ.
▪️ مما يدلل على مكانة وقدسية السيدة فاطمة المعصومة(ع) أن الإمام علي الرضا(ع) لمجرد عِلم بوفاة أخته في قم، ندب شيعته لزيارتها، وخصها بزيارة مخصوصة، وقال في حق زيارتها (ع): من زارها فله الجنّة، وورد عنه أنه قال: من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة، وقال: مَن زَارَنِي وَلَم يُزْر أُخْتِي فَاطِمَة فَقَد جَفَانِي، وعن الإمام محمد الجواد (ع) قال: من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة.
▪️ مما يدلل على مكانة وقدسية السيدة فاطمة المعصومة(ع) أنها من النساء الفاطميات القلائل المخصوصة بزيارة خاصة، وهذا إن دل فإنما يدل على مقامها العظيم عند أئمة أهل البيت(ع)، ومنزلتها الرفيعة عند الله.
▪️ كان بمقدور الإمام علي الرضا(ع) أن يندب شيعته إلى زيارة أخته السيدة فاطمة المعصومة(ع) دون أن يضع أمام الزائر شرط المعرفة بها، وهذا الشرط إشارة ودلالة إلى الشأن الكبير لها عند أئمة أهل البيت (ع)، ووصولها إلى منزلة عظيمة عند الله، خاصة إذا علمنا أن شرط المعرفة شرط وضعه أئمة أهل البيت(ع) عند زيارة المعصومين (ع).
▪️ مما يدلل على عِظم مكانة وقدسية السيدة فاطمة المعصومة(ع) أنها من النساء الفاطميات التي اختصها الأئمة بمنزلة الشفاعة، وهذا ما يؤكده الحديث المروي عن الإمام جعفر الصادق (ع) الذي قال فيه: ألا وإنّ قمّ الكوفة الصغيرة ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قمّ، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم"، ويؤكده المقطع الخاص من الزيارة المخصوصة والمروية عن الإمام علي الرضا (ع): يا فاطمة اشفعي لي في الجنّة فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن.
▪️ ليس من السهولة أن تنال فتاة كفاطمة المعصومة(ع) منزلة الشفاعة إلا إذا كانت فتاة عالمة عاملة راضية مرضية اخلصت لله بكل جوارحها واعمالها وارتقت إلى منزلة الأولياء، فاختصها الله بمنزلة الشفيعة لشيعتها وشيعة آبائها الطاهرين، وأنطبق عليها قول الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً }.
▪️ بخس أغلب المؤرخين والعلماء السيدة فضل فاطمة المعصومة(ع) وتاريخها المُشَرِف، فتعرض تاريخها مع شديد الأسف إلى الإقصاء والتهميش، وذلك بسبب سياسة الجور التي انتهجها سلاطين بني العباس في محو تاريخ أهل البيت(ع)، كما صنعوا بتاريخ آباءها وأبناءهم(ع)، لذا لم يذكر لنا التاريخ إلا القليل من سيرتها وفضلها.
▪️ بفضل مقام السيدة فاطمة المعصومة(ع) أصبحت قم مدينة إسلامية مقدسة، وببركاتها عمها وأهلها الخير والبركة، وأصبحت محطة يقصدها الموالون من أقطار العالم.
▪️ إن الكرامات التي تُنقل عن السيدة فاطمة المعصومة(ع) كرامات ثابتة موثقة لاحصر لها يتناقلها عامة الناس وأكابر العلماء والمراجع طيلة عقود من الزمن، فما قصدها قاصد في حاجة وتوسل بحقها عند الله إلا قضى الله حاجته.
▪️ أصبحت قم بفضل وبركات السيدة فاطمة المعصومة (ع) عش آل محمد الذي صنعته بيديها، وأولت شيعتها عنايتها، ودأبت على زقهم بالعلم المحمدي الأصيل ليكبروا وينهلوا من معينه العذب، فأصبحت قم المأوى والملاذ الذي كان ولا يزال يحتضن علماء شيعة أهل البيت(ع)، فخرجت مدرستها المقدسة أعلام وأكابر المراجع والمحدّثين والمحققين من علماء شيعة محمد وآل محمد على مر العصور.