المرأة: هل هي ريحانة أم هي عقرب؟

(تحليل علمي لقول أمير المؤمنين عليه السلام: الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ‏ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ[1])

زينب الحسيني

2016-08-20 08:28

اطرقت برأسی ملیا علنی أجد مخرجاً من مأزق تسببته زميلتي.. نبرة كلامها الحاد، وعرضها المقال في ملأ من الطالبات كشف لي عن استهتارها بالدين، وكأنّها تبحث عن مواضيع تؤجج بها زوبعة من الشبهات وإعصاراً من التشكيكات.

إنتابني شعور من الحزن، فكيف أدعي كوني من شيعة علي (ع)، لكنني أعجز عن إجابة لشبهة بسيطة أخذت زميلتي تنعق بها في الجامعة وكأنَّ الدين كله لُخّص في هذه الكلمة! قد سمعت شبه هذا المقال من قبل لكنه لم يتجاوز سمعي، فمررت علیه مرور الكرام ولم اجعله یدغدغ مخیلتی..

لكني الآن- حيث رأيت اخطبوط الشك بدأ يزحف في أوساط الجامعة، وحين شاهدتُ أمارات التردد خطَّت خطوطها على محيى وجوههم، متأثرين بكلامها المهرِّج- أحسست بثقل مسئولية تعبأ كاهلي عليَّ أن أزيحه، ووجدتُ نفسي تتوق لحل هذا اللغز درءً للشبهة: دفاعاً عن ديني وحفاظاً لأنوثتي. بدأتُ أبحث لأجد إجابة كافية تروي ظمئي وتفرغ مخيلتي من هجمة هذا التناقض، إجابة وافية أفحم بها زميلتي كي تقتنع حقا وتتوقف عن طرح هذه التساؤلات وشبَ نيران هذه الشبهات.

حقا هل الدین أکرم المرأة أم إنه أهانها؟ حين أقارن بين المرأة في الجاهلية وبين ما منحه الإسلام للمرأة من كرامة ومنزلة أری البون الشاسع، لكن حين أستمع لبعض ما قیل عن المرأة في نهج البلاغة تأخذني الدهشة: هل المرأة ريحانة؟[2] أم إنها عَقْرَبٌ‏ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ؟[3]

بدأتُ رحلتي لإكتشاف ما لهذا الكلام من بطون، وما لهذه الحكمة من دلالات ومعاني، وها أنا نلتُ مبتغاي وحزتُ رغبتي ووجدتُ إجابة كافيةً وافيةً تخرجني وتخرج غيري من ظلمة الشك إلى نور الهدى، حينها عرفت أن إعصار تلك الشبهة لم یكن إلا زوبعةً في فنجان.

معنى هذه الحكمة ودلالاتها

هذه الرواية رويت على ثلاثة أوجه: فقد روي الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ‏ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ، تعني اللدغة؛ روي أيضا حُلْوَةُ اللَّبسْةِ: أي ملبسها جميل؛ وروي حُلْوَةُ اللَّمسةِ: أي ملمسها لطيف.

هناك من يقوم بطرح هذه الرواية –وأشباهها- نافياً استنادها للمعصوم عليه السلام منكراً صدورها منه مدعياً أن هذه الروايات مجعولة.

لكن علينا أن نعلم أنَّ لدراسة سند الحديث طرقاً وضوابط، ولو تحققت هذه الضوابط لايمكن رد الرواية، فكما أن اختلاق الأحاديث وإسنادها كذباً إلى المعصوم محرَّمة، كذلك لايجوز إنكار ما ورد عنهم ووصلنا منهم بحجة أن عقولنا لاتستوعب ولاتفهم معنى ذلك. فلو كان السند تاما وحجة لايجوز إنكار الحديث.

وهذه الرواية مذكورة في نهج البلاغة، وهو من الكتب الذي اعتمد عليه العلماء قديماً وحديثاً، أضف إلى ذلك أن هذه الرواية وأشباهها مستفيضة، أو متواترة بالتواتر الإجمالي. فلايمكن نفي صدورها عن المعصوم. فعلينا إذن أن نبحث عن دلالات هذه الكلمة واللتي سنفصلها في هذا المقال.

1- الوجه الأول: اللام للعهد وليس للجنس

اللام في اللغة العربية قد يكون للجنس؛ لكنه يأتي أيضا للعهد، والعهد إما حضوري أو ذكري أو ذهني.[4]

وهاهنا اللام ليس للجنس، وإنما قد يكون للعهد، والحديث عن المرأة ليس عن جنس المرأة، بل عن إمرأة سبق الحديث عنها، أو لعلها كانت حاضرة آنذاك، أو موجودة في أذهان الحاضرين لما قامت به من إشعال نار الحرب وشق صفوف المسلمين وتأجيج الخلاف بينهم مما أدى إلى إراقة دم 30 ألف مسلم. فالحديث إذن عن تلك المرأة وليس عن كل النساء وهذه الرواية وأمثالها قالها الإمام (عليه السلام) في تلكم الأيام: قبيل حرب الجمل، أو حینها أو بعدها؛ وذلك تبييناً لحقيقة تلك المرأة: تحصيناً للناس من شرها وتحذيراً لهم من فتنة عمياء نسجتها أيدي أهل الضلال مستغلّين شأن تلك المرأة.

2- الوجه الثاني: القضية خارجية وليست حقيقية

القضیه الخارجية مرتهنة باحد الازمنة الثلاثة، لكن القضايا الحقيقية غير مرتهنة بالزمن بل تعبر حدود الزمن لتنطبق على جميع العصور والدهور.[5]

في ما نحن فيه القضية ليست حقيقية، بل هي قضية خارجية تضيق حدودها بذلك الظرف الذي كان يعيش فيه الإمام حيث كثرت الحروب مما أدى إلي تأسير الألوف من النساء وإدخالهن في المجتمع الإسلامي آنذاك، فبدأن يتغلغلن في المجتمع ويؤثرن عليه بعاداتهنَّ وتقاليدهنَّ وثقافاتهنَّ التي أتين بها من بلاد الكفر، مما كان يؤدي شيئاً فشيئاً إلى تغلب تلك الثقافات والحضارات على الثقافة والحضارة الإسلامية. فالإمام يتحدث عن تلك الأجواء محذراً المسلمين من تلك النسوة.

على سبيل المثال لو أن رجلاً سافر إلى إحدى الدول الأروبية فقلنا له محذرين إياه من تلك الأجواء: إحذر فالنساء فاسدات، لانقصد بقولنا هذا جنس المرأة، بل نتحدث عن الحالة الغالبة في ذلك البلد. والإمام في هذا الكلام يتحدث عن الحالة الغالبة التي كانت تسود المجتمع آنذاك.

3- الوجه الثالث: مناسبات الحكم والموضوع

کثیراً ما یکون الموضوع عاماً لکنَّ مناسبات الحکم والموضوع تُضیِّقه، او یکون ضیقاً ومناسبات الحکم والموضوع توسِّعه. کذلک الحال فی الحکم فقد یُراد به بعض ما دل علیه اللفظ بذاته، إذ ان مناسبات الموضوع والحکم قد توجب الإنصراف فی الموضوع أو في الحکم، بأن یراد به غیر الموضوع المراد له. وهذا من أهم البحوث الأصولية والفقهية وتبتني عليه الألوف من المسائل الفقهية.

مثلا: إذا قال شخص جئني بالمهندس، المهندس مطلق يشمل مهندس المدن ومهندس الكهرباء ومهندس مكانيكي، ومهندس الشوارع. فمن أين نعرف ما اللذي يقصده المتكلم؟ من مناسبات الموضوع والحكم، فلو كان الخلل على سبيل المثل في الكهرباء، نعرف بأن المتكلم يقصد مهندس الكهرباء.

أو حين يقول الله "أَحَلَ‏ اللَّهُ‏ الْبَيْع‏"[6] لا يقصد بيع الخمر أو بيع المحرمات، بل يقصد بيع كل ما أحله الله، لأننا يجب أن نلاحظ النسبة بين الموضوع والحكم.

أو عندما يقال الإختلاط مُحرَّم أو منشأ للفساد، ماذا يقصد بذلك؟ إذ أن لفظ الإختلاط يشمل اختلاط الرجال بالرجال، كما أنه يشمل اختلاط النساء بالنساء. فمن أین نعرف أن المقصود اختلاط الرجال بالنساء؟ من حيث أن حكم الحرمة يتناسب مع اختلاط الرجال بالنساء غير المحارم، ولايتناسب مع اختلاط الرجال بالرجال أو النساء بالنساء.

قول الإمام عليه السلام (الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ‏) ظاهره مطلق یشمل کل مرأة، لکنَّ مناسبات الحکم والموضوع تقتضي المرأة الأجنبیة التي تختلط بالرجال وتغريهم بالشهوة المحرمة وتوقعهم في شرك الفساد. وكما أن العقرب يلدغ ويضرك في بدنك، المرأة الأجنبیة التي تضاحكك وتفاهكك وتثير شهوتك تلدغ دينك. فلايُقصد بهذا الكلام جنس المرأة، بل الحديث عن النساء الفاسدات المغريات.

مثلا: لو قالت الأم لإبنتها الشابة التي تريد الإنضمام إلى الجامعة: إحذري فالرجال ذئاب: لاتقصد بقولها هذا جنس الرجل، بل تتحدث عن الشباب الطائش في الجامعة والذي قد يستغل بساطة الفتاة ويوقعها في علاقة محرمة.

4- الوجه الرابع: ملاحظة وجه الشبه

في التشبيه يجب ملاحظة وجه الشبه، فحين يقال زيد أسد، لانقصد بذلك كون أظافره حادة كمخالب الأسد، ولانقصد بخر فمه، بل نقصد بذلك شجاعته.

في هذا الكلام لابد من اكتشاف وجه الشبه: فالمرأة تشبه العقرب في أي جهة؟ هل في خباثة ذاتها؟ أم في لونها؟ ليس هذا ولا ذاك، بل الذي يخوف الناس من العقرب هو لدغته، والذي يخيف من المرأة لدغتها ولايكون ذلك إلا في المرأة الأجنية المسببة للمفاتن، وليست المرأة الصالحة.

وما قاله بعض الفلاسفة من تسقيط للمرأة والقول بأنها غير البشر يخالف الدين ويخالف الآيات والروايات حيث يقول الله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ‏ أَوْلِياءُ بَعْض‏.[7]

وللمرأة الصالحة مكانة عظيمة في الإسلام: فإنها إن كانت أمّاً كانت الجنَّة تحت قدميها[8]، وإن كانت زوجة صالحة فهي َ خَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا[9] وهي مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْء[10] كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن كانت بنتاً فبثلاثٍ منهن يفتح الله أبوب الجنان للوالدين. فلابد من ملاحظة مجموع الآیات والروايات والمنظومة المتکاملة التی تتحدث عن المرأة.

________________________________________

[1] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص713.
[2] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص405.
[3] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص713.
[4] اللام العهدية تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1-العهد الذكري: بأن يكون هذا المعرف مذكورا في أول الكلام نكرة ثم يذكر معرفا ومثاله: « كَما أَرْسَلْنا إِلى‌ فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى‌ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ». هنا المقصود من الرسول هو المذکور فی بدایة الآية.
2- العهد الذهني: بأن يكون المعرف مصحوبا ذهنيا كما في قوله تعالى: (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ). ومعروف في أذهان السامعين ما هو هذا الغار. و كقولنا: (و رب هذا البيت). فينصرف البيت عند السامع إلى بيت الكعبة.
3-العهد الحضوري: بأن يكون مصحوبها حاضرا حال الخطاب كما جاء في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ). وهنا يتكلم الله عز وجل عن يوم الغدير وهو معروف عند المستمعين لحضوره.
في هذه الحكمة (الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ‏ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ) قد يكون اللام للعهد الحضوري فكان الكلام حال كونها حاضرة آنذاك، أو للعهد الذكري بأن تم الإشارة إليها في كلام سابق للإمام لكن لم يذكر في نهج البلاغة؛ أو للعهد الذهني بأن كان المخاطبون يعلمون عن من يتحدث الإمام، إذ كان الكلام في تلك الآونة التي أشعلت نيران حرب الجمل.
[5] القضية الحقيقية لاتتضيق بإطار الزمان، مثلا حين يقول الله: َ "أَحَلَ‏ اللَّهُ‏ الْبَيْع‏" (بقره:275.) حلية البيع لاتتضيق بزمان دون زمان، بل حليته تنطبق على جميع العصور و الأزمنة؛
لكن القضية الخارجية تتضيق بإطار زمان خاص، فمثلاً حين نقول: انتصر الجيش العراقي، نقصد انتصاره في هذا الزمان و في هذا الحرب الذي حدث؛ و لا نقصد انتصاره على مدى التاريخ.
في هذه الحكمة أيضاً القضية خارجية و الحديث عن النسوة في ذلك الظرف الزماني اللذي يعيش فيه الإمام و ذلك للسبب المذكور في المقال.
[6] (2) بقره:275
[7] (9) توبه: 71.
[8] عَنِ النَّبِيِّ (صلي الله عليه و آله): الْجَنَّةُ تَحْتَ‏ أَقْدَامِ‏ الْأُمَّهَاتِ. مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل / ج‏15 / ص180 / 70 - باب استحباب الزيادة في بر الأم على بر الأبوين
[9] مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل / ج‏14 / ص150.
[10] الكافي، ج5، ص327.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي