من سيرة ابا الفضل العباس
مجاهد منعثر منشد
2016-05-12 07:18
قال تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} (1).
أحق الناس ان يبكي عليه فتى ابـكى الحسين بكربلاء
اخوه وابـن والـده علي ابو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شيء فجادله علـى عطـش بماء (2).
العبّاس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (3).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): واللّه ما عَبدَ أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا عبد مناف ولا هاشم صنماً، وإنّما كانوا يعبدون اللّه، ويصلّون إلى البيت على دين إبراهيم، متمسّكين به(4).
وكان أبو طالب سيّد البطحاء شبيهاً بأبيه شيبة الحمد، عالماً بما جاء به الأنبيّاء، وأخبرت به أُممهم من حوادث وملاحم ; لأنّه وصيّ من الأوصياء، وأمين على وصايا الأنبياء حتّى سلّمها إلى النّبي(5).
هؤلاء اجداد قمر بني هاشم بتحدث عنهم امام معصوم وخليفة المسلمين امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فهو والد الفضل كله العباس (عليه السلام).
كان يقال لعبد مناف: (قمر البطحاء)، ولعبد اللّه والد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (قمر الحرم). وقد جمع العباس الجمالان فاطلق عليه (قمر بني هاشم).
والعبّاس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم (6).
ومن بعض ألقاب أبي الفضل، وهي تحكي بعض معالم شخصيته العظيمة وما انطوت عليه من محاسن الصفات ومكارم الاَخلاق(7).
امه: أُمّ البنين فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن(8).
زوجته: لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب (9).
اولاده وبعض احفاده: كان للعباس من الأولاد خمسة: عبيد اللّه (10)، والفضل(11)، والحسن(12). والقاسم(13)، وبنتان.
وعدّ ابن شهرآشوب من الشهداء في الطفّ ولد العبّاس محمّد(14).
واتفق أرباب النسب على انحصار عقب العبّاس ابن أمير المؤمنين في ولده عبيد اللّه، وزاد الشيخ الفتوني العقب للحسن بن العبّاس، وكان عبيد اللّه من كبار العلماء موصوفاً بالجمال والكمال والمروءة مات سنة 155 هجرية (15).
ويقول السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه (قمر بني هاشم): ولعبيد الله منزلة كبيرة عند السجاد كرامة لموقف ابيه ابي الفضل العباس عليه السلام، وكان اذا رأى عبيد الله بن العباس رقّ واستعبر باكياً، فاذا سئل عنه قال: اني اذكر موقف ابيه يوم الطف فما املك نفسي.
ولعبيد الله بن العباس ولدان: عبد الله والحسن، وانحصر العقب في الحسن فان عبد الله أخاه لاعقب له، وذرية الحسن بن عبيد الله ابن العباس لهم فضل وعلم وأدب وهم خمسة كلهم أجلّاء فضلاء ادباء وهم:
الفضل، الحمزة، ابراهيم، العباس، عبيد الله.
معرفة امير المؤمنين (عليه السلام) بمقتل ولده العباس.
كان الاِمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوسع العباس تقبيلاً، وقد احتلّ عواطفه وقلبه، ويقول المؤرّخون: إنّه أجلسه في حجره فشمّر العبّاس عن
ساعديه، فجعل الاِمام يقبّلهما، وهو غارق في البكاء، فبهرت أمّ البنين، وراحت تقول للاِمام:
«ما يبكيك؟»
فأجابها الاِمام بصوت خافت حزين النبرات:
«نظرت إلى هذين الكفّين، وتذكّرت ما يجري عليهما..»
وسارعت أمّ البنين بلهفة قائلة:
«ماذا يجري عليهما»..
فأجابها الاِمام بنبرات مليئة بالاَسى والحزن قائلاً:
«إنّهما يقطعان من الزند..»
وكانت هذه الكلمات كصاعقة على أمّ البنين، فقد ذاب قلبها، وسارعت وهي مذهولة قائلة:
«لماذا يقطعان»..
وأخبرها الاِمام (عليه السلام) بأنّهما انّما يقطعان في نصرة الاِسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأجهشت أمّ البنين في البكاء، وشاركنها من كان معها من النساء لوعتها وحزنها (16).
العبد الصالح العباس في واقعة صفين
أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأزال النقاب عنه، فإذا هو " قمر بني هاشم " ولده العبّاس (عليه السلام)(17).
أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا العبّاس وضمّه إليه، وقبّل عينيه، وأخذ عليه العهد إذا ملك الماء يوم الطفّ أن لا يذوق منه قطرة وأُخوه الحسين عطشان. فقول أرباب المقاتل: نفضَ الماء من يده ولم يشرب إنّما هو لأجل الوصيّة من أبيه المرتضى (18).
قمر بني هاشم في استشهاد الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهما السلام)
وأمّا يوم شهادة أخيه الإمام المجتبى فله أربع وعشرون سنة وقد ذكر صاحب كتاب " قمر بني هاشم " ص84 أنّه لمّا رأى جنازة سيّد شباب أهل الجنّة ترمى بالسهام عظم عليه الأمر، ولم يطق صبراً دون أن جرد سيفه وأراد البطش بأصحاب "البغلة" لولا كراهية السبط الشهيد الحرب، عملاً بوصية أخيّه " لا تهرق في أمري محجمة من دم(19).
وعند غسل الامام الحسن (عليه السلام) شارك السبط الشهيد الامام الحسين (عليه السلام)، والرسول الأعظم، ووصيه المقدّم مع الروح الأمين، وجملة الملائكة في غسل الإمام المجتبى الحسن السبط صلوات اللّه عليهم أجمعين (20).
وكانت مشاركته دون ان يعصب عينيه عن مشاهدة الجثمان الطاهر وهذه درجة عظيمة لاينالها احد غير امام معصوم لان الامام المعصوم لايغسله الا امام معصوم، فيكون مولانا العباس مصداقا لقول الصفة التي منحها له الامام (العبد الصالح)(21). وهي صفة اطلقت على الانبياء والاوصياء (22).
بعض المواقف لقمر بني هاشم مع الامام الحسين (عليه السلام)
هناك مواقف جماعية مثل دعوة الشمر (لعائن الله عليه) الى العباس واخوته (عليهم السلام) بالامان، وهناك مواقف فردية مع اعتماد الامام المعصوم عليه وهذا مانقصده بالمواقف الخاصة بسيدنا المعظم ابا الفضل العباس (عليه السلام)، ومن تلك المواقف:
1. قول الحسين للعبّاس، لمّا زحف القوم على مخيّمه، عشية التاسع من المحرم: " اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم وتسألهم عمّا جاءهم، فاستقبلهم العبّاس في عشرين فارساً، فيهم حبيب وزهير، وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: إنّ الأمير يأمر إمّا النزول على حكمه أو المنازلة، فأخبر الحسين، فأرجعه ليرجئهم إلى غد (23).
2. أنه لما منع الحسين (عليه السلام) وأصحابه من الماء وذلك قبل أن يجمع على الحرب اشتد بالحسين وأصحابه العطش، فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليلا، فجاؤا حتى دنوا من الماء، واستقدم أمامهم باللواء نافع فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبيدي، فامتنعوا منه بالسيوف وملأوا قربهم وأتوا بها والعباس بن علي ونافع يذبان عنهم ويحملان على القوم حتى خلصوا بالقرب إلى الحسين (24).
3. في صباح اليوم العاشر اعطى الامام الحسين (عليه السلام) الراية أخاه العباس(25).
4. أن الحسين (عليه السلام) لما خطب خطبته على راحلته ونادى في أولها بأعلى صوته: "أيها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوني". سمع النساء كلامه هذا فصحن وبكين وارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس وولده عليا وقال لهما: أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن، فمضيا يسكتاهن حتى إذا سكتن عاد إلى خطبته. فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه. قال: فوالله ما سمعت متكلما قط لا قبله ولا بعده أبلغ منه منطقا (26).
5. لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمر بن خالد ومولاه سعد، ومجمع بن عبد الله، وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسين (عليه السلام) لهم أخاه العباس فحمل على القوم وحده، فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم فسلموا عليه فأتى بهم، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد (27).
6. في القتال يوم عاشوراء العباس (عليه السلام) قال لأخوته الثلاثة من أبيه وأمه، عبد الله وجعفر وعثمان:
«يا بني أمي تقدموا للقتال، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تستشهدوا دونه، وقد نصحتم لله ولرسوله(28).
ولما برز العباس (عليه السلام) اخذ يقول:
انا الذي أعرف عند الزمجرة... بابن علي المسمى حيدرة
ولما دخل المشرعة واغترف من الماء غرفة ليشرب تذكر عطش الحسين (عليه السلام) وقال:
يا نفس من بعد الحسين هوني... وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين شارب المنون... وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فعال ديني... ولا فعال صادق اليقين
منزلة قمر بني هاشم
نقلنا في أحد المقالات بعنوان (ابا الفضل العباس حامل لواء الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء) اقوال الائمة المعصومين في عمهم العباس (عليهم صلوات الله وسلامه اجمعين).
فالامام زين العابدين (عليه السلام) الملازم والشاهد المعاصر لعمه العباس ترحم عليه وقال فأبدله الله بجناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة(29).
واما الامام الصادق (عليه السلام) بعد ان قال كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صُلب الاِيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً(30).
بين لنا سمو مكانة ومنزلة عمه العباس في الزيارة التي وردت بلسانه (عليه السلام): وبين فيها جلالته وتعيمة وترافقها شاهدة امام معصوم عن العبد الصالح ابا الفضل العباس فقال سلام الله، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين..».
وأشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحه لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلّغ والمظلوم المهتضم..
فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار.
أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته، واستجاب لدعوته، وأطاع ولاة أمره...
أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في علّيين وحشرك مع النبّيين، والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً.
أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وانّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيّين، فجمع الله بيننا، وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فانّه أرحم الراحمين.(31).
اللعن والعذاب لقاتلي ابا الفضل العباس
يقول الامام المهدي (عليه السلام):
السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي. (32).
قال المدائني: حدّثني أبو غسّان هارون بن سعد، عن القاسم بن الأصبغ ابن نباتة، قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفك؟ قال: إنّي قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني، فيأخذ بتلابيبي حتّى يأتي جهنم، فيدفعني فيها، فأصيح فما يبقى في الحي إلاّ سمع صياحي. قال: والمقتول هو العبّاس بن علي (عليه السلام)(33).
وروى سبط ابن الجوزي عن هشام بن محمّد، عن القاسم بن الأصبغ المجاشعي قال: لما أُتي بالرؤوس إلى الكوفة، وإذا بفارس أحسن الناس وجهاً قد علق في لبب فرسه رأس غلام أمرد، كأنّه القمر ليلة تمّه، والفرس يمرح، فإذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالأرض، فقلت: رأس من هذا؟ قال: رأس العبّاس بن علي، قلت: ومن أنت؟ قال: حرملة بن الكاهل الأسدي(34).
قال: فلبثت أياماً وإذا بحرملة وجهه أشدّ سواداً من القار، فقلت: رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب أنظر وجهاً منك، وما أرى اليوم أقبح ولا أسود وجهاً منك؟ فبكى وقال: واللّه منذ حملت الرأس وإلى اليوم ما تمرّ عليَّ ليلة إلاّ واثنان يأخذان بضبعي، ثُمّ ينتهيان بي إلى نار تؤجّج، فيدفعاني فيها وأنا أنكص، فتسفعني كما ترى، ثُمّ مات على أقبح حال (35).