حتى صارت كالخيال!

مروة ناهض

2016-03-15 09:18

تلبدت السماء بغيوم رمادية ثقيلة، كأنما تُنبأ بدموع غزيرة ستسقط!

وتلاشى آخرُ خيطٍ اسود من ليلٍ كان طويلاً عليها يضجُ ببقايا من خشب عالقة، والهواء فيه كان يخنقه الدخان! وجاء الصبحُ عليلاً تكسوه الحُمرة بكل مكان، كأنه مصفوع الشمس، يئنُ من فرط الكسر.

هي كانت مثل الصُبح تماماً، مُتورمة الاجفان تتنفسُ بصعوبة بالغة والحسرات صوتُ انكسارها بين الضلوع تملأ النبضات، لكن لابد من النهوض، سارت نحو جامعتها، صادفتها بمنتصف الطريق صديقتها وهي بأبهى حُلتها، فالعطرُ الفواح منها وتلك الألوان الزاهية التي تَزين بها وجهها وحجابها وأقدامها المكشوفة دونما سترٍ أثار الاستغراب! وأشعل موجة غضب ممزوجة بحُزنٍ عارم كمَّمَ فاه كلامها، فالدمع الهادر على خديها كان أبلغ واصدق!.

_ ما بكِ؟ ما هذا الشحوب الذي يعتري ملامحكِ؟.

_ لاشيء، يُصادف اليوم استشهاد السيدة الزهراء صلوات الله عليها فقط!.

تسلل شيء من الخجل الى دواخل الأخرىُ مع صمتٍ وأدته بـ (أليست وفاة الزهراء قد انصرمت).

- لا، فهذا الفصل الأخير من رواية كسر أضلاعها.

- ولكن أحقاً كُسرت أضلاعها؟.

سؤال آخر توجه كالسهم نحو أحشائها لكنها ما زالت تكظم غيظها.

- أي ورب محمد كُسرت أضلاعها

- ولكن في داخلي فضول: ان كانت كُسرت أضلاعها كيف عاشت هذه المدة؟ وكيف تحملت كل ذلك الألم؟ بل كيف كان شكل ذلك الألم؟.

لاذت كل الكلمات خلف باب الصمت، وعُصرت معانيها بكل عنف بعد ان غاص المسمار بصدر حروفها.

واصلا طريقهما بصمتٍ، لكنها كانت تُتمتم بداخلها: ليتكِ لم تسالي؟ رحم الله سؤالاً عرف ثقل جوابه فصمت! مازالتَ غارقة بتلك التساؤلات التي أشعلت نيران الجوى بداخلها حتى تعالى صوتُ صُراخ:

- ماذا هناك؟ ماذا حصل؟.

- إنكسر الكعب وهي تصرخُ بأعلى صوتها، ودخل المسمار بأصبع قدمي

كان وقع كلمة (المسمار) على قلبها أشدُ من صراخ صديقتها، آه أرجوكِ لا تقولي (مسمار) صارت لدي (عُقدة) من المسامير.

- يؤلمني كثيراً فقد آذاني، الألم لا يُحتمل وهي ما تزال تبكي.

هَدَّأتْ من روعها، رفعتها من الارض وأسندتها على يديها ثم سارت بها نحو مكان ما وأخرجت المسمار، وأسعفتها بعدها انفجرت بالبكاء، بكل تلك الاحزان المتراكمة التي لم تجد لها طريقاً يُحررها من سجن ضلوعها سوى البكاء.

- مابكِ؟ ما يبكيكِ الآن؟ أنا بخير.

_ إن كان هذا المسمار الصغير في إصبع قدمكِ أوجعكِ لحد الصُراخ! ولم تتحملي حجم الألم، -كيف حال تلك الضلوع التي تكسرت! وصارت الحضن الدافىء لكل هذه المسامير؟. كيف كانت تتنفس بأضلاعٍ مكسورة؟ كيف لاذ ذلك المسمار المُنصهر بحرارة الحرق بصدرها الآمن؟

..

‏ووكز نعل السيف في جنبيها

‏أتى بكل ما أتى عليها

‏..

كيف بها وقد دخل الذُل بيتها؟

حتى استحالت كالخيال! وتقوست كالهلال.

ليرحل النور ملطوم العين رويداً رويداً ويختفي تاركاً هذه الدنيا الزائلة بلا رحمة!

بعض الرزايا تستحق ان نتنفسها دموعا وأهات (شلون أنسى فاطمة وكسر الضلع)؟.

- ياويلتي ان كان ذلك السفور الذي يُزينني مسماراً ايضاً بصدر فاطمة؟.

- بلى والله فرفقاً بضلوعها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي