ومضات من نهج البلاغة: الفقر قتلني يا علي

مروة حسن الجبوري

2015-10-01 05:57

أول أيام عيد الأضحى المبارك ذهبت لزيارة أهل القبور كعادتي في كل سنة، وصلت إلى المقبرة الجديدة في كربلاء المقدسة بوقت مبكر، سلمت وبينما أنا واقفة على قبور الأحبة وأرتل سورة الفاتحة وفي ذاكرتي صورهم وصوتهم يدق في أذني، لحظات دموعي تغسل القبر، رأيت رجلاً عجوزا نحيل الجسم، لحيته بيضاء، ملابسة بسيطة جدا، حاملاً بيده كيسا كبيرا، واقفا مابين القبور يقرأ سورة الفاتحة ويزور زيارة القبور ليحصل على المال أو الثواب.

وبينما هو يأخذ الثواب جلس بجانب القبور يأكل ما يحصل عليه من ثواب، الموقف موجع كثيرا. دقائق ووصل طفل صغير لا يتجاوز خمس سنوات من العمر، تكلم مع هذا العجوز وطلب منه أن لايغادر المكان الآن، فقد وصلت جنازة جديدة.! استوقفني هذا المشهد، طفل وجنازة!!. كثيرا مانرى اطفالا يتسكعون في الشوارع لكن الغريب هو تسكعهم وتسولهم داخل القبور!!.

ألا يلزم منا أن نتابع هذا الموضوع ونقف عند هذه الظاهرة الخطيرة؟، ماذا يفعل أطفال بعمر الزهور، في القبور يبعثون، ينتظرون وصول الجنازة حتى يحصلون على الأموال، وجوههم متربة، خريطة الفقر تدل عليهم، الفاجعة الكبرى هو أن الطفل الصغير ذو الخمس سنوات هو حفيد ذاك العجوز.

سألت نفسي اين أصحاب الأموال والمسؤولين؟؟ ضحكة رُسمت في مبسمي، وقلت في سرّي، أصحاب الأموال عليهم ضرائب، والمسؤولون لا يستطيعون أن يأتوا إلى المقبرة.

تذكرت مقولة للإمام علي عليه السلام إذ يقول: (الفقر الموت الأكبر). وأيضا في قول آخر: (يا بني اني أخاف عليك الفقر فأستعذ بالله منه)، (إن الله سبحانه وتعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متّع به غنيّ والله سبحانه وتعالى سائلهم عن ذلك).

يقصد أمير المؤمنين أن الأغنياء هم المسؤولون عن قوت الفقراء، اذ فرض الله في أموالهم حقوقا من الزكاة والصدقة ودفع الخمس، فعندما يمتنع الغني عن دفع المستحقات يموت الفقير جوعا، في زمننا الكل مهدد بالفقر حتى ولو كان غنياً، والوقاية من الفقر ومكافحته هو العلاج كما ذكر في نهج البلاغة.

كيف نعالج الفقر؟

توجد خطوات ومقترحات في هذا المجال منها:

1- بمساعدة الحاكم وتوزيع الصدقات على المستحقين والمحتاجين بمقدار من المال ولو كان الرزق بيد الله كما قال عز وجل (خذ من أموالهم صدقة). فالصدقة لها فوائد ذكرت في كتب الأخلاق الإسلامية. منها دفع البلاء. وتطفئ غضب الرب، فالرحمة بيننا مطلوبة.

2- تشغيل الأيدي العاملة من الشباب الذين يملكون القوة وتخصيص راتب لهم يحافظ على كرامتهم في المجتمع.

3- توفير السكن لكبار السن وتقديم الخدمات والعلاج لهم، فإنهم قضوا عمرا في هذا الوطن، ألا يستحقون أن نشكرهم لأنهم تحملوا كل هذا ولازالوا يكافحون من أجل لقمة عيش؟.

4- أخذ الزكاة والخمس من الاغنياء ودفعها للفقراء.

5- تخصيص صندوق خيري من أموال الحكومة وصرفها كراتب شهري للفقراء مع متابعة المنظمات الحقوقية لهذا الصندوق.

بعد كل هذا الحديث عن الفقر وماذا يفعل، علينا أن ندرك ماذا كان يقصد الامام علي عليه السلام في خطبه عن الفقر وكيف كان يتعامل مع الفقراء، ويتفقدهم ويسأل عن حالهم، فكان سلام الله علية يجالسهم ويأكل من طعامهم، الخبز مع الماء، ويخيط ثوبه بنفسه، فوصفت حكومته بإنصاف الفقير واعطائه حقه، (اين انت يا امير المؤمنين اليوم، الفقر قتلني) هذا كان صوت أحد الفقراء، بعد ما عجزت الحكومة عن الوقوف أمام هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة التي ركز عليها القرآن الكريم ونهج البلاغة.

فالفقر لا يترك ولا يستهان بموضوعه، لأنه يؤدي أحيانا إلى الكفر، حيث سيفقد الفقير توازنه بسبب الحاجة حتى يسقط في هاوية الضلال. مادام هنالك فقراء بالمقابل هناك لصوص سرقوا حقه !!فدين الإسلام جاء ليحل كل المشكلات البشرية، والفقر أحد منها، فقد وضع أسس صحيحة لبناء نظام اقتصادي تتوفر فيه كل وسائل الراحة والسعادة، وتوزيع الحقوق بين أبناء المجتمع، وفي الوقت نفسه حارب كل أنواع الاحتكار والقروض الربوية والتبذير وما إلى ذلك، من أمراض الاقتصاد التي لها منشأ رأسمالي.

لكن في شخصية الإمام علي عليه السلام اختلفت الأمور وعالج الفقر، وجعله أمام عينه وعاش معهم حتى يرى كل ما يحزنهم وما يفتقدوه فتجلت معاني الانسانية والرحمة والمحبة على الفقراء منقطعة النظير في كل العصور، حتى اشتهر عالميا أن الإمام علي ارحم رجل في تاريخ البشرية جمعاء.

وقد نوه النبي محمد (ص) عن فضل ورحمة الإمام علي (ع) في كثير من المواقف والأحاديث الشريفة منها قوله (ص): يا علي أنا وأنت أبوا هذه الامة.

قال أيضاً (ص): لو أن الغياض أقلام والبحر مداد، والجن حساب والأنس كتًاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (ع).

وتتجلى اسمى معاني الإنسانية عند الإمام علي في تعامله الرحيم مع المساكين، ان من يقرأ سيرته (ع) يجد رجلا ينبع رحمة وعطاء وحبا لا مثيل له للفقراء والمساكين، كما ذكر في سورة الإنسان كيف لا وهو أبو هذه الامة بعد النبي الأكرم (ص).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي