الإِمَامِ جَعفَرُ الصَّادِق (عَ): مولدُ الأمةِ من جديد
الشيخ الحسين أحمد كريمو
2020-11-04 07:56
مقدمة
في التاريخ عظماء صبغوا الحياة والتاريخ والأجيال بصبغتهم، فخرجوا عن حيِّز الزمان والمكان وصاروا برسم الإنسانية جمعاء وليس برسم طائفتهم، أو أمتهم، أو قوميتهم، لأنهم فوق ذلك كله وكأنهم امتلكوا الزمان، فراح يُحدِّث عنهم بكل عظمة وإجلال وإكبار، ذاك هو رسول الله محمد بن عبد الله (ص)، وحفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
فالجد الأعظم (ص) عُرف بالصَّادق الأمين، والحفيد الأكرم عُرف بالإمام الصَّادق (ع)، وكأن صفة الصِّدق هي الخيط الناظم لهذه السلسلة المباركة الذهبية، لأنهم لا ينطقون عن هوى النفس، ولا خلجات القلب، ولا تموجات العقل بالفكر، بل كانوا كما وصف الباري سبحانه رسوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (النجم: 5)
فالذي ينطق بالوحي، ويُسدد من السماء، يكون صادقاً في كل ما يقول، ولذا أمرنا الله سبحانه بأن نكون معهم في كل حياتنا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119)، والإمام الصادق (ع) هو واسطة عقد الإمامة، ودرته النورية، وجوهرته المضيئة، وذلك لأنه أظهر علمهم، أحيى سُننهم، ونشر علومهم في العالمين، فكان مجدِّد الدِّين وسيرة سيد المرسلين في ذاك العصر الرَّهيب، الذي ضاعت فيه الأمة في متاهات الضلال بسبب أعمال بني أمية وحكامهم من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن، وصبيان الحكم بن أبي العاص (الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون). (المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج ٤ ص ٤٧٩ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد)
عصر الظلم والظلام
كانت حياة الإمام الصادق (ع) مخضرمة بين عهدين ظالمين، أموي متهاوي، وعباسي متنامي، فعاش أطول الأئمة فترة، وأكثرهم نشراً للعلم الإسلامي الحق، حيث اغتنم الفرصة السانحة لذلك لأن أهل الدنيا والسياسة كانوا مشغولين بالحروب والثورات، وأما الإمام فانشغل بالدِّين والفقه والتفسير لإحياء معالم الدِّين في الأمة لأن بني أمية حللوا كل الحرمات، وأحلوا كل حرام وحرموا كل حلال فصارت الأمة بجاهلية من جديد، ورجع الناس إلى العصبية، وتركوا الدِّين الحق، وخرجوا من دين الله أفواجاً بعدما دخلوا في زمن وحياة رسول الله (ص) أفواجاً.
فالتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية العطرة تُرشدنا إلى تلك المباني العلمية، والمعاني الحضارية التي قام عليها الدِّين الحنيف ففتح القلوب على المطلق سبحانه، وأثار العقول للبحث عن أسباب التقدم والرُّقي في هذه الحياة فاندفع العرب لينشروا تلك المعاني الراقية في كل الأنحاء والأرجاء، ولكن حدثت انتكاسة كبيرة في انتقال الرسول القائد (ص) إلى الرفيق الأعلى وتكالبت قريش على الدنيا والسلطان فنزعوه من أهله وألقوه في بيوتهم المتهالكة ولذا وصل بعد اثني عشر سنة إلى البيت الملعون، والشجرة الأموية الملعونة في القرآن الحكيم، تلك الأسرة الفاسدة أفسدت الأمة وذلك بحقدها وحسدها وغبائها حيث رفع شيخها وكبيرها أبو سفيان شعاره حين قال لعثمان: (صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار). (الاستيعاب: 2: 690)، وفي مجلس آخر قال: (يا بني أمية! تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة). (مروج الذهب 1: 440)، وفي آخر أكثر بشاعة: (اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية). (تاريخ دمشق لابن عساكر: 6: 407)
فشعاره: (تلقفوها تلقف الكرة، فما هناك جنة ولا نار). (تاريخ الطبري 11 ص 357)
ولما وصل ربيبه ابن هند الهنود معاوية إلى السلطة والحكم راح يُرسِّخ هذا الشعار عملياً حيث يشهد عليه صاحبه المغيرة بن شعبة، أنه قال: (لا والله إلا دفناً دفنا)، أي أنه يُريد أن يدفن الإسلام وذكر النبي محمد (ص) لأنه كان يغيظه أن يسمع المؤذِّن يشهد له بالرسالة، فيقول: (لله أبوك يا ابن عبد الله (أو يا ابن أبي كبشة) لقد كنت عالي الهمَّة ما رضيتَ لنفسك إلا أن تقرن اسمك باسم رب العالمين). (بحار الأنوار: ج 33 ص202)
فهؤلاء الذين قتلوا أهل البيت قاطبة وسيد شباب أهل الجنة (ع) في كربلاء، واستباحوا المدينة المنورة بعد أن قتلوا عشرة آلاف من أبناء الصحابة، ودمروا الكعبة المشرفة ورموها بالمنجنيق في سبيل السلطة والحكم، الذين طال ظلمهم واشتدَّ سواد الأيام بهم وحكموا ألف شهر بالسيف والغدر والمكر والقهر، فأظلمت الأيام بسفاهتهم حتى صار آخرهم مروان الحمار خليفة وحاكماً.
أعظم جامعة علمية في التاريخ
فبنو أمية أماتوا الأمة بروحها ودينها وشوَّهوا كل جميل وقيمة وفضيلة فيها، فكانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وفشى الإلحاد في أهل الجهل، وتلهَّى بالفلسفة وأضرابها أهل العلم منهم، ولكن أين الفقه، والكلام، والأحكام، والتفسير والتأويل للقرآن الحكيم، وعلوم الإسلام الدينية والدنيوية وحتى الكونية فلم تكن إلا في ذلك البيت العظيم، بيت العلم والشَّرف والدِّين بيت الرِّسالة المحمدية وعند وريث مجدها ومجدد نورها الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
فالأمة في عصر الإمام السادس من أئمة أهل البيت (ع) كانت بحاجة إلى العلم الحق، لأنها عادت إلى الجهل والجاهلية الأموية البغيضة، وللعلم أصول، ومبادئ، ومناهج، وأساتذة ومدارس والإمام الصادق (ع) قد ورث عن أبيه العظيم باقر علوم الأولين والآخرين، مدرسته المباركة فكانت الأرضية موجودة والفرصة أيضاً وجدت أمامه بتسهيل وتيسير من رب العالمين.
حيث يروي الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) ذلك فيقول: "الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام) تمكَّن في فترة معينة من تأسيس جامعات علمية كبيرة، ونشر العلوم التي يحتاجها البشر، وثقَّف المسلمين علمياً، وطوَّر الأمة الإسلامية في مختلف العلوم؛ حيث روي عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر: إن المنصور قد كان همَّ بقتل أبي عبد الله (عليه السلام) غير مرة، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله، فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه (عليه السلام)، ومنعه (عليه السلام) من القعود للناس (للتعليم والفتوى)، واستقصى عليه أشد الاستقصاء، حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح، أو طلاق، أو غير ذلك، فلا يكون علم ذلك عندهم، ولا يصلون إليه، فيعتزل الرجل وأهله، فشقَّ ذلك على شيعته وصعب عليهم، حتى ألقى الله عز وجل في روع المنصور، أن يسأل الصادق (عليه السلام) ليتحفه بشيء من عنده، لا يكون لأحد مثله، (أي طلب منه هديَّة)؛ فبعث إليه بمِخصرة كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) طولها ذراع، ففرح بها فرحاً شديداً، وأمر أن تُشقَّ له أربعة أرباع، وقسَّمها في أربعة مواضع، ثم قال له: ما جزاؤك عندي، إلا أن أُطلق لك، وتُفشي علمك لشيعتك، ولا أتعرض لك ولا لهم، فاقعد غير محتشم، وأفتِ الناس، ولا تكن في بلد أنا فيه، ففشى العلم عن الصادق (عليه السلام). (بحار الأنوار: ج47 ص180)
ويُعلق الإمام الراحل بقوله: "ثم إن العلم هو الأساس في تقدم الأمم وتطورها، وفي المقابل من أهم أسباب الاستبداد والدكتاتورية الجهل، الجهل بالله، الجهل بيوم المعاد، الجهل بفقه الحياة، الجهل بأن الاستبداد يضرُّ حتى الدكتاتور، الجهل بمحكمة التاريخ.. والمتصور أن من أهم أسباب تخلف وتأخر المسلمين في زماننا هذا ناشئ من جهلهم، وقد استغل الحُكام الظلمة هذا الجهل وسيطروا عليهم، وقاموا بتأخير الأمة، واضطهادها أكثر فأكثر". (من حياة الإمام الصادق (ع) السيد محمد الشيرازي: ص55)
منهج الإمام الصادق (ع) العلمي
وفعلاً استغلها الإمام الصادق (ع) فجمع من الطلاب والتلاميذ من كل الأمصار ما يفوق حدَّ الوصف والتصور في ذلك العصر، فقد ذكروا أنه جمع أربعة آلاف في جامعته، وبلغ تلاميذه اثني عشر ألف طالب وتلميذ، من كل البلاد والأمصار الإسلامية، وكان يُقسِّمهم كل باختصاصه ويُعطيه ما يجده مناسباً له فكرياً وعقلياً وقابلية، ليكون لديه التنوع والتخصص وبذلك يكون الإبداع العلمي، والبناء الحضاري في الأمة.
يقول السيد المدرسي في ذلك: "والمشهور أن منهاج الإمام الصادق (عليه السلام) كان يوافق أحدث مناهج التربية والتعليم في العالم، حيث ضمَّت حوزته اختصاصيين كهشام بن الحكم الذي تخصَّص في المباحث النظرية، وتخصص زُرارة ومحمد بن مسلم وأشباههم في المسائل الدينية، كما تخصَّص جابر بن حيان في (الكيمياء) الرياضيات، وعلى هذا الترتيب.
حتى أنه كان يأتيه الرجل فيسأله عمَّا يُريد من نوع الثقافة، فيقول الفقه فيدله على أخصائِيِّهِ، أو التفسير فيومئ إلى صاحبه، أو الحديث والسيرة، أو الرياضيات، أو الطب، أو الكيمياء، فيُشير إلى تلامذته الأخصائيين، فيذهب الرجل بملازمة مَنْ أراد حتى يخرج رجلًا قديراً بارعاً في ذلك الفن.
ولم يكن الوافدون إليه من أهل قطر خاص، فلقد كانت طبيعة العالم الإسلامي في عصره تقضي على الأمة بتوسيع الثقافة والعلم والمعرفة في كل بيت، حيث إن الفتوحات المتلاحقة التي فتحت على المسلمين أبواباً جديدة من طرق العيش، وعادات الخلق، وأفكار الأمم، كانت تسبب احتكاكاً جديداً للأفكار الإسلامية بالنظريات الأخرى، ولسبيل الحياة عند المسلمين بعادات الفرس والروم وغيرهما من جارات الدولة الإسلامية، كما خلقت مجتمعاً حديثاً امتزج فيه المتأثر العميق بالوضع، والمنحرف الكامل عن الإسلام، مما سبَّب حدوث تناقضات في الحياة، قد تُرديه وتُحدث لديه انعكاسات سيئة جدًّا لذلك الامتزاج الطبيعي المفاجئ.
لذلك هرعت الأمة يومئذ إلى العلم والثقافة والتصقت بأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) مؤملة الخصب الموفور، ووفدت عليه من أطراف العالم الإسلامي طوائف مختلفة، وساعدهم على المثول عنده مركزه الحساس، حيث اختار- في الأعم الأغلب- مدينة الرسول (صلى الله عليه واله) التي كانت تُمثِّل العصب الحساس في العالم الإسلامي، ففي كل سنة كانت وفود المسلمين تتقاطر على الحرمين لتأدية مناسك الحج المفروضة ولحل مسائلهم الفقهية والفكرية، فيلتقون بصادق أهل البيت (عليهم السلام) وبمدرسته الكبرى حيث يجدون عنده كل ما يريدون.
ويجدر بنا المقام هنا أن نشير إجمالًا إلى موجة الإلحاد التي زحفت على العالم الإسلامي في عهد الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد اصطدمت بمدرسته، فإذا بها الصَّدّ المتين، والسَّد الرَّصين، الذي حطَّم قواها وجعلها رذاذاً..
إلى أن يقول سماحته: "وبطبيعة الحال كان الملحدون متسترين بسبب الوضع الاجتماعي القاسي الذي يعتبر فيه المرتد أسوأ حالًا من الكافر الأصيل، وكانوا أقلاء في الوقت نفسه، بيد أنهم كانوا يستقون أفكارهم من فلسفة اليونان التي كان العرب لا يعرفونها حتى ذلك اليوم، وحيث تمَّت صلتهم بها عن طريق حركة الترجمة المنتشرة من عهد الإمام فصاعداً، ولذلك كان القليل من المسلمين الذين تفهَّموا فلسفة الإسلام النظرية من جميع أبعادها، وعرفوا الاختلاف بينها وبين سائر النظريات، واستطاعوا أن يُقيموا الحجة البالغة على صحة مبادئ الإسلام الفكرية ودحض ما سواها، وقد اصطدم هؤلاء بمَنْ اقتصرت معلوماتهم على مجموعة من الأحاديث التي يروونها عن أبي هريرة أو غيره، غير مبالين بما فيها من تناقضات جمَّة، وكانوا يحسبون أنهم على حق، وأن لهم مقدرة كافية لإثبات مزاعمهم الباطلة، فترى أحدهم يُشكِّل حزباً ويدعو إليه الناس سرًّا". (الإمام الصادق (ع)؛ قدوة وأسوة، السيد محمد تقي المدرسي: ص 23)
مولد الأمة الإسلامية من جديد
فبعد التدقيق والتحقيق فيما تقدم نعرف مدى الخدمة الكبرى التي أدَّهاها الإمام الصادق (ع) في عصره الذي كان عصر ظهور المذاهب الفقهية والكلامية والمعرفية وكانوا جميعاً من طلاب وتلاميذ الإمام الصادق (ع) إما مباشرة أو بطريق غير مباشر، وهذا ما شهدت به أساطين العلم والفقاهة في المدارس الأخرى، كقول أبو حنيفة النعمان الذي قال: (لولا السنتان لهلك النعمان)، ويعني بهما السنتان اللتان تتلمذ فيهما على الإمام الصادق (ع)، فتلك الفترة القصيرة من عمره كانتا بمقام أن تغيِّرا حياته، وتجعلا منه إماماً لأحد أئمة المذاهب الإسلامية المشهورة.
وقال أبو بحر الجاحظ: (وفجر الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل، وقد ملأ الدنيا بعلمه).
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة: (ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الرُّكبان وانتشر صيته في جميع البلدان) (الصواعق المحرقة: ص201)
وفي تاريخ العرب للسيد مير علي قال: (وهو ـ الإمام الصادق ـ رجل رحب أفق التفكير، بعيد أغوار العقل، ملمٌّ كل الإلمام بعلوم عصره، ويُعتبر في الواقع أول مَنْ أسس المدارس الفلسفية المشهورة في الإسلام، ولم يكن يحضر حلقته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب فحسب، بل كان يحضرها طلاب الفلسفة، والمتفلسفون من الأنحاء القاصية) (تاريخ العرب: ص179)
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: (نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات، على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل) (الإرشاد للمفيد: ج2 ص179)
ومن هذا الباب الواسع روى النجاشي في رجاله بسنده، عن الحسن بن علي الوشاء ـ في حديث ـ أنه قال: (أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد) (رجال النجاشي: ص40)
فالمتأمل في هذا الرقم الهائل، والعدد الكبير من الطلاب والتلاميذ هذا عدا عن غيرهم الذين وصلوا إلى اثني عشر ألف كما يذهب بعض الأعلام، وواحد فقط من تلاميذه وهو أبان بن تغلب روى ثلاثين ألف حديث، حيث روى النجاشي في رجاله بسنده، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنه قال: (أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث) (رجال النجاشي: ص12)
فما رأيك بكل هؤلاء العلماء والأعلام الذين انتشروا في كل أصقاع العالم يروون تلك الأحاديث وينشرون علوم الدِّين الحنيف في الأمة، وكان (عليه السلام) يقول: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وحديث علي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله قول الله عز وجل) (الإرشاد للمفيد: ج2 ص186)
فهذه العلوم، وتلك الأحاديث التي سنحت الفرصة لمولانا وإمامنا السادس من أئمة أهل البيت (ع) لنشر علوم آبائه وأجداه الأطهار (ع) هو الذي أحيى الدِّين في الحياة، والدِّين هو الذي يمنح الحياة للبشر كما قال ربنا سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24)
فالعلم الذي نشره الإمام الصادق (ع) في تلك العصور، وذلك الزمان الذي كان من أعقد حقب الزمان والتاريخ الإسلامي، ولولا وجود الإمام الصادق (ع) المبارك لذهبت الأمة إلى مهب الريح، فآلاف التحية والسلام على منقذ الأمة من التيه والضلال وإعادتها إلى دينها وكرامتها.