الإمام الصادق (ع) محيي السنة المحمدية
شبكة النبأ
2018-07-10 05:50
بقلم: الشيخ جعفر الهادي
بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين.
السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته
أيها الإخوة أيتها الأخوات، إن الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في مجال إحياء السنة النبوية الشريفة – وهو أبرز الأبعاد في حياة الإمام الصادق العلمية وأكثرها أهمية وتألقاً – حديث عن نصف قرن من النشاط المتعدد الجوانب في هذا المجال وهو بلا ريب يحتاج إلى ساعات بل إلى أيام عديدة.
ومن هنا نكتفي بإعطاء لمحة عابرة في هذا الصعيد، فما نطرحه هنا وفي هذا المقال الموجز بشدة ما هو إلا إيماءات واضاءات آملين أن يكون هذا القدر بمثابة خطة عمل لبحث أوسع مستقبلاً إن شاء الله.
أهمية السنة النبوية الشريفة
ليس من شك في أن السنة المحمدية الشريفة تشكل – بعد القرآن الكريم – المصدر الثاني للثقافة الإسلامية، كما يعرف الجميع ذلك، أو يعترفون به بلا استثناء.
فالسنة المحمدية – قولاً وفعلاً وتقريراً – حسب قول الله تعالى:
(وأنزلنا إليك الذكر لتبِّين للناس ما نزل إليهم) (1) وقوله سبحانه: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (2) وقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (3) مهمتها الأولى هي تفسير القرآن الكريم وبيان مفاهيمه ومقاصده ومصاديقه مضافاً إلى بيان معالم الشريعة.
وقد ورد الحث الشديد والحض الأكيد – في الأحاديث النبوية التي ينقلها المسلمون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم – على الاهتمام والعناية بهذه السنة إذ عن طريق السنة النبوية يمكن الوقوف على مقاصد الله عز وجل في الآيات القرآنية، مضافاً إلى أنها (أعني السنة المحمدية) هي السبيل إلى معرفة تفاصيل الشريعة وأمور تتصل بالعلم والعمل، مما يهم المسلم فرداً وجماعة.
في حين يكون إهمال السنة المحمدية، أو التسامح والتساهل في رعايتها مقدمة لضياع الدين واندثار الشريعة، مضافاً إلى أن ذلك يجعل الكتاب العزيز يغوص في هالة من الغموض، ويحرم المسلمون في الأجيال اللاحقة لعهد الرسالة، من تفسير مطمئن وحقيقي للكثير من آيات القرآن الكريم.
ما عانت منه السنة بعد غياب النبي (ص)
بيد أنه رغم هذه الأهمية القصوى للسنة، والاهتمام والتأكيد النبوي البالغ على ضرورة المحافظة على السنة النبوية منعاً من نسيانها، واندثارها، تعرضت لأسباب معروفة وغير معروفة، معلنة وغير معلنة لمشاكل ولهزات كان بعضها طبيعياً وبعضها غير طبيعي، إلا أنها كادت أن تقضي على هذا المصدر الأساسي والهام للثقافة الإسلامية عقيدة وشريعة وأخلاقاً وآداباً ليحل بدل جدُّ خطير محله وهو البدع والأهواء.
وأبرز بل وأخطر ما تعرضت له السنة المحمدية الشريفة هي على سبيل الإجمال:
أولاً: إقصاء وتغييب السنة المحمدية من خلال النهي عن تدوينها، وكتابتها بل ومدارستها، هذا النهي ثم التغييب الذي استمر – في مجال التدوين والمدارسة على الأقل – مدة ما يقرب من قرن!!.
ثانياً: الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك باختلاق أحاديث وروايات لم يتفوه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قط، وذلك بحجج مذكورة في مواضعها!!
ثالثاً: السماح بتسرب روايات إسرائيلية (توراتية وانجيلية المنشأ) من خلال من أصطلح على تسميتهم – فيما بعد – بمسلمة أهل الكتاب (وهم اليهود والنصارى الذين أسلموا ظاهراً وكذا المجوس) والذين فشلوا في المواجهة المسلحة مع الإسلام، فأرادوا طعنه من الخلف وذلك بتخريب الثقافة الإسلامية.
رابعاً: استخدام سلاح (السنة) لصالح الأشخاص، أو الأنظمة بهدف إضفاء طابع الشرعية إما على سلطتهم وإما على ممارساتهم الكيفية (4).
خامساً: وأخيراً استخدام (السنة) كمصدر رزق بالنسبة إلى البعض ممن اسعفته مقدرته البلاغية ودفعته رغبته المادية والسلطوية إلى أن يزوَّر أحاديث غريبة على النبي الأمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وينسبها إليه كذباً وافتراءً.
وقد دفع هذا – بعد قرون – ببعض العلماء إلى تأليف كتب مفصلة مختصة بإبطال وتفنيد جملة من هذه الروايات كابن الجوزي الحنفي والسيوطي الشافعي قديماً ومحمد أبو شهبه وأبو ريه من علماء الأزهر حديثاً على سبيل المثال لا الحصر (5).
أهل البيت وموقفهم العام من السنة
ولكن أهل البيت وهم شجرة النبوة وسلالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذريته واجهوا هذه المشكلة من بداية ظهورها في المجتمع الإسلامي بشكل جدي فبادروا:
أولاً: إلى تنبيه الأمة إلى ما بات يحدث بالسنة المحمدية ما يكتنفها من مخاطر.
وقد تمثل أبرز هذه المخاطر في: الخروج من جادة السنة السوية إلى منحدر البدعة. ولقد كان من الأهمية بمكان أن تعرف السنة والبدعة قبل كل شيء ليحيى من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وقد فعل أهل البيت عليهم السلام ذلك.
فهذا هو الإمام علي عليه السلام يفسر السنة إذ يقول لما سئل عن السنة والبدعة:
السنة – والله – (سنة محمد صلى الله عليه وآله والبدعة ما فارقها) (6). ثم يقول عليه السلام حاثاً على الإلتزام بالسنة النبوية الشريفة: (اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدى، واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن) (7).
وقال عليه السلام أيضاً:
(طوبى لمن وسعته السنة ولم ينسب إلى البدعة) (8)
وهذا هو الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) يعلن للأمة عبر رسالته إلى اهل البصرة، في بداية ثورته ونهضته بأن السنة في خطر إذ يقول:
(إني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، ألا ترون إلى السنة قد أميتت وإلى البدعة قد أحييت...؟؟؟)(9)
لو تفحصنا في أقوال الأئمة من أهل البيت عليهم السلام لرأينا تركيزاً بالغاً على دور السنة، وإصراراً شديداً على مقارعة البدعة، بل وحرصا كبيراً على إعطاء محورية قوية للسنة الشريفة إلى جانب القرآن الكريم.
فعن الإمام الصادق أو أبيه محمد الباقر عليهما السلام:
(إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وإن قل) (10).
تأكيد الإمام الصادق على الرد إلى السنة
ولقد أكد الإمام جعفر الصادق عليه السلام في أحاديث عديدة وصريحة على رد كل شيء – بعد القرآن الكريم – إلى السنة الشريفة، وعدم العدول عنها إلى الأهواء والآراء الشخصية.
فتحت باب عقده المرحوم الكليني في كتابه الحديثي الكافي وبعنوان: (باب الرد إلى الكتاب والسنة) روى عن الإمام الصادق قوله عليه السلام: (أن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله وجعل لكل شيء حدا، وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً) (11).
وعن حماد قال سمعته (أي الصادق) يقول:
(ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة) (12).
وتحت باب آخر عقده الكليني في كتابه أسماه (باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب) روى عن الإمام الصادق روايات هامة في هذا السياق.
فعن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبدالله (الصادق) يقول:
(كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) (13).
وعن بعض أصحابه قال سمعت أبا عبد الله (الصادق) يقول:
(من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر) (14).
وهذا طبيعي جداً لأن في السنة النبوية توضيحاً رائعاً لمقاصد الله في كتابه العزيز وهو يبينها بشفافية لا تدع لأحد مفراً.
ولهذا عندما جادل عبد الله بن عباس الخوارج واحتج عليهم بالقرآن وكان الخوارج يعمدون إلى التأويل، قال له الإمام علي عليه السلام:
(لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حّمال ٌ ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم (أو خاصمهم) بالسنة، فأنهم لن يجدوا عنها محيصاً) (15).
وقاموا ثانياً: بخطوات عملية واسعة النطاق بتطويق هذه المخاطر من خلال الاهتمام بالسنة اهتماماً بالغاً.
ولقد تجسد هذا الاهتمام من أهل البيت وبخاصة الإمام جعفر الصادق الذي وفرت له ظروف التنازع الأموي العباسي واشتغال هذا الطرف بذاك فرصة مؤاتية، وكبيرة استفاد منها لنشر الثقافة الإسلامية – في النقاط التالية:
1- السعي الحثيث في ترويج أكبر عدد ممكن من الأحاديث النبوية الصحيحة.
2- تخصيص عدد من صحابتهم بحفظ الآثار النبوية.
3- إرساء ضوابط لمعرفة الصحيح وتمييزه عن الموضوع من الأحاديث كموافقة القرآن، والأخذ من الورع التقي، ونبذ ما يصب في مصلحة الجائرين.
4- الحق العام على تحفيظ الأحاديث النبوية للأولاد من الصغر.
5- تنقية السنة من الزوائد والأكاذيب وذلك برفضها وردها بكل صراحة ومن دون تحفظ.
6- الحث على التدوين والتأليف في هذا الباب مع رعاية الاحتياط.
وقد تجلى هذا الموقف بصورة أوضح وأكبر في تعامل وموقف وممارسات الإمام جعفر الصادق عليه السلام فقد ترك الإمام جعفر الصادق كماً هائلاً جداً من هذه الأحاديث النبوية الشريفة، يقدر المصدر والمصرح منها باسم رسول الله صلى الله عليه وآله بالآلاف. (16).
هذا عدا مالم يصرح في مطلعها باسم النبي (ص) ولكن كان قد اعتبر كل ما يتفوه به أنه من النبي وأنه من تلك المشكاة وأنه يمكن نسبته رأساً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام في هذا المجال:
(إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ولكنها آثار من رسول الله (ص) أصول علم نتوارثها كابراً عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم) (17).
وقال أيضاً: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (18).
إذن لا غرابة فهم – والإمام جعفر الصادق منهم – ورثة علوم النبي صلى الله عليه وآله الذين أودع لديهم أمانته واستودعهم علومه ليظهروا للناس في كل عصر ما يحتاجون إليه.
صدقية روايات الإمام جعفر عن النبي
وقد تطابقت الأحاديث التي صدرت من الإمام جعفر الصادق (ع) وانسجمت مع الروح العامة التي اتسمت بها النصوص النبوية الصحيحة إلى درجة دفعت بكل من سمعها إلى أن يصدق الإمام جعفر (ع) ويقول: صدق جعفر، صدق جعفر، وأن يبرز مؤلفو التراجم والمعاجم قديماً وحديثاً بهذا الصفة ذات المدلول المهم وخاصة في مجال الحديث (19).
كيف لا وهو الذي قال في حقه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأله ابن مسعود عن اسمه: (جعفر صادق في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليَّ، والرادّ عليه كالراد على الله؟ (20).
أم كيف لا وقد قال النبي في حقه (يخرج الله من صلب محمد الباقر كلمة الحق ولسان الصدق)(21).
أجل كيف لا وقد كان الذي يميز روايات الإمام جعفر الصادق عليه السلام – كما أسلفنا هو السند النقي والمتقن الذي كان يروي من خلاله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عليه السلام كان يروي عن أبيه الإمام محمد الباقر عليه السلام وهو بدوره كان يروي عن أبيه الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وهو كان يروي عن أبيه الإمام الحسين بن علي الشهيد عليه السلام وهو كان يروي عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا السند النقي إذا كان يذكر بالتفصيل ضمن الرواية سمي الحديث بحديث سلسلة الذهب وهو ليس بقليل في روايات الإمام جعفر، ومن سبقه أو لحقه من الأئمة الأثني عشر عليهم السلام.
ومما يستلفت النظر بل ويبعث على الاهتمام الأكيد أن شطراً من الروايات التي رواها الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن رسول الله (ص) ترتبط بتفسير القرآن الكريم وهو يكسب روايات الإمام الصادق أهمية قصوى خاصة إذا عرفنا شحة هذا النوع من الأحاديث في المدارس الأخرى غير مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
قال الإمام جعفر الصادق في هذا المجال:
(إن الله علم نبيه صلى الله عليه وآله التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله علياً (ثم قال:) وعلّمنا والله) (22).
وأما أن الإمام علياً عليه السلام كان أعلم الصحابة الكرام بالقرآن الكريم ومعانيه ومفاهيمه، وأكثرهم أخذاً من رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو أمر ذكره جملة من الصحابة والصحابيات (23) والتابعين (24) وأرباب التأليف في مجال علوم القرآن كالعلامة جلال الدين السيوطي (25).
فمن كان هذا جده ومرجعه لم يكن من الغريب اضطلاعه بذلك القدر العظيم من الرواية.
ولكي نعرف شيئاً من عظمة هذا الكنز الغني الذي خلفه الإمام جعفر الصادق من السنة المحمدية الشريفة ننقل عبارتين من كبار رجال الحديث وهما الإمام مسلم في صحيحه، والحافظ شمس الدين الذهبي في ميزان الاعتدال.
فيقول الأول عن جابر بن يزيد الجعفي وهو أحد تلامذة الإمام جعفر الصادق وأبيه الباقر عليهما السلام: حدثني إبراهيم بن خالد اليشكري قال سمعت ابا الوليد يقول سمعت سلام بن أبي مطيع يقول:
سمعت جابرا الجعفي يقول عندي خمسون ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (26).
وجابر هذا ممن وثقه كبار علماء الجرح والتعديل وغيرهم من الأعلام، وروى عنهم مدحه وأهميته في مجال الحديث علماء الحديث مثل الترمذي حيث قال: وسمعت الجارود يقول: لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث (27).
كما روى عنه الحديث كثيرون، ويتضح ذلك ممن راجع من الصحاح الست: سنن الترمذي وابي داوود وابن ماجة(28).
ولهذا قال في حقه كبار أرباب الحديث أمثال الحاكم النيسابوري وهو من كبار المحدثين في عصره، قد صحت الرواية من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله عن فاطمة والحسن والحسين... وعن جعفرل بن محمد.. فهؤلاء قد صحت عنهم الروايات (31).
وقال أيضاً تحت عنوان: معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين واتباعهم منهم جعفر بن محمد (32).
وقال في موضع آخر: إن أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام.(33).
وقد جاء في كتب الرجال والتراجم والحديث أن أبان بن تغلب هذا قد أخذ من الإمام جعفر الصادق 30000 حديث ومحمد بن مسلم وهو تلميذ آخر من تلامذة الصادق 16000 حديث (34).
وقد جمع رجال الحديث الإماميون جل هذه الأحاديث وبوبوها بدءاً من الطهارات ومروراً بالعبادات والمعاملات والعقود والحدود والديات وسائر شؤون المعيشة والحياة الفردية والاجتماعية والسياسية وأيضاً ما يتصل بالعقيدة والأخلاق والآداب وانتهاءً بالأمور الطبيعية في مصنفات يربو بعضها على مائة مجلد نذكر منها على سبيل المثال: أصول الكافي وفروعه وروضته للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي وهذه المجاميع الحديثية تشكل الكتب الأربعة الأولى في الحديث الإمامي، ثم بحار الأنور للمجلسي، والوافي للفيض الكاشاني، ووسائل الشيعة للحر العاملي، ومستدرك الوسائل للنوري وهي تشكل المجاميع الحديثية المتأخرة التي تضم كمية هائلة من الحديث النبوي المبارك ومقداراً عظيماً من السنة المحمدية الشريفة المروية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
الإمام جعفر الصادق عند علماء الرجال
هذا ورغم أن الإمام جعفر الصادق وإن لم يكن قط بحاجة إلى توثيق أحد وتصحيح رواياته إذ يكفي أخذ أعلام التابعين، وتابعي التابعين، وتابعي تابعي التابعين الحديث منه إلا أنه لا بأس بذكر المزيد من العبارات التوثيقية في شأنه لكونه يسلط مزيداً من الضوء على عنوان مقالنا هذا إلا وهو دور الإمام الصادق البارز في إحياء السنة المحمدية الشريفة:
قال ابن حجر في كتابه الكبير تهذيب التهذيب:
جعفر بن محمد.. قال ابن ابي حاتم عن أبيه: ثقة لا يُسأل عن مثله، ولجعفر أحاديث ونسخ، وهو من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين، وقال عمرو بن أبي المقدام، كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من سادات أهل البيت علماً وفضلاً، وقال الساجي: كان صدوقاً مأموناً إذا حدث عنه الثقات فحديثه مستقيم.
وقال النسائي في الجرح والتعديل: ثقة وقال مالك:.... ما رأيته يحدث إلا على طهارة، قال أسحاق بن راهوية: قلت للشافعي: كيف جعفر بن محمد عندك؟ فقال: ثقة. وقال ابن أبي خيثمة وغيره عن يحيى بن معين: ثقة (35).
وقال الذهبي جعفر بن محمد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، الإمام أبو عبد الله العلوي المدني، الصادق، أحد السادة الأعلام.. وحدث عنه مالك والسفيانان وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وابو إسماعيل النبيل وخلق كثير... ووثقه الشافعي ويحيى بن معين. وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله) (36).
وقال الذهبي عنه: قال ابن أبي حاتم (37) جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله كرم الله وجهه... وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وأبن جريج والثوري وشعبة ومالك وابن اسحاق وسليمان بن بلال وابن عينية وحفص سمعت أبي يقول ذلك.
ثم يواصل قائلاً: حدثنا عبد الرحمان قال: سمعت أبا زرعة، وسئل عن جعفر بن محمد بن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن ابيه والعلاء عن أبيه: أيما أصح؟ قال: لا يقرن جعفر إلى هؤلاء، يريد جعفر أرفع من هؤلاء في كل معنى(38).
وختاماً أقول لقد آن الأوان أخواني وأخواتي بأن تفتح أمتنا الإسلامية العزيزة اليوم – وهي تعيش عصر العلم والمعرفة وعصر الحرية الفكرية – صدرها وتقوم بمراجعة جدية لما تركه الإمام جعفر الصادق عليه السلام من ثروة كبرى في مجال السنة النبوية الشريفة لتجد حلولاً متميزة لمشاكلها العقدية والتشريعية والأخلاقية المستعصية والعالقة في ضوء التعاليم المحمدية الشريفة.
إن هناك الكثير من الحقائق والأمور المهمة التي لها دور بالغ الأهمية في حياة الفرد والمجتمع لم يتسن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكره للناس أو لم يتمكن الناس أن يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أودعها عند أقرب الناس إليه وأخصهم زلفة لديه وأحصرهم على ما يأتمنه عليه، وأوعاهم لما يسمعه منه صلى الله عليه وآله ألا وهو علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، والذي وصفه بأنه باب مدينة حكمته (39) وعيبة علمه (40)، وقد نقلها علي عليه السلام إلى أبنائه، حتى انتهت إلى حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام وهي لا توجد عند غيرهم.
فالجدير بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار وتكرم هذه النعمة، والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.