رسول الإنسانية ومبدأ اللاعنف
فهيمة رضا
2017-11-18 05:48
عندما نتصفح حياة النبي صلى الله عليه وآله، سوف نجد أن حياته مليئة بالمواقف التي تزدهر بالحب والمداراة ومراعاة الآخر قريبا كان أم غريباً، لذلك نلاحظ في الفترة التي تربّع فيها الرسول على القلوب وقاد أمة المسلمين من إنجاز متقدم الى آخر، فإنه في الوقت ذاته لم يهجم على أي عدو من أعدائه، بل كانت غزواته كلها دفاعاً عن حياة المسلمين، إذ من الواجب أن يدافع الإنسان عن نفسه وحرمة ذويه عندما يتعرضون إلى هجوم من عدوّ ما.
لذلك ليس عجيبا أن نقول بأنّ نبي الإنسانية هو المؤسس الأول والأعظم لمبدأ اللاعنف، وانه جذب الناس إلى الدين الإسلامي بواسطة أخلاقة الحميدة، وقد قال الله عز وجل في كتابه الحكيم: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" و "إنك لعلى خلق عظيم".
كما ورد في سيرة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مما ينقل لنا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «أن يهوديا كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك، فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: إذن أجلس معك. فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يبعثني ربي عزّ وجلّ بأن أظلم معاهدا ولا غيره، فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا متزين بالفحش».*1
ما هو اللاعنف:
هو عبارة عن ممارسات شخصية لا يؤذي الفرد فيها ذاته ولا الآخرين تحت أي ظرف. وينبع ذلك من الاعتقاد بأن إيذاء الناس أو الحيوانات أو البيئة لا لزوم له لتحقيق النتيجة المرغوبة، ويشير إلى فلسفة عامة من الامتناع عن العنف على أساس المبادئ الأخلاقية والدينية والروحية.
وقد نسب البعض مبدأ اللاعنف إلى غاندي ولكن غاندي بنفسه يقول: أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر، ولقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التى من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه فى الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة فى ربه وفى رسالته. هذه الصفات هي التى مهدت له الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف.
وقد وصف أبو سعيد الخدري رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: «هيّن المقولة، ليّن الخلقة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، شديداً من غير عنف*2.
مبدأ اللين طريق التقدّم
من هنا نلاحظ إنجازات التقدم والنجاح لقائد المسلمين الأعلى في تلك البرهة من الزمن بالتحديد، حيث تبدلت الأمة من أسوأ أمة (من حيث التخلف الجاهلي وتقليد العادات الخرافية والمساوئ وغير ذلك الكثير) إلى (خير أمة أخرجت للناس)، فأصبحوا متقدمين في مجالات عدة وتصالحوا فيما بينهم، فظهر الناس بأجمل صورة ليتعلم العالم كله بأن اللين والمحبة هو مبدأ التقدم ورأس مال النجاح.
ولا يمكن للإنسان أن يتقدم إلا إذا ترسخ مبدأ اللاعنف والحلم في عقله كيانه، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله مصداقا بارزا لهذه الصفات ودعا الناس إلى التأسي بهذه الصفات وقال (صلى الله عليه وآله): «مثل المؤمن كمثل الأرض، منافعهم منها إذا هم عليها، ومن لا يصبر على جفاء الخلق لا يصل إلى رضى الله تعالى، لأنّ رضى الله تعالى مشوب بجفاء الخلق، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): بعثت للحلم مركزاً وللعمل معدناً وللصبر مسكناً.*3
لذلك يقول أحد جنود اللاعنف: سأقدم لكم سلاحاً فريداً لا تقدر الشرطة ولا الجيش على الوقوف ضده. إنه سلاح النبي (ص)، لكن لا علم لكم بأن هذا السلاح هو الصبر والاستقامة. ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع الوقوف ضده.
فبالأخلاق والمبادئ يستطيع الإنسان أن يقف في وجه الطغاة، ويتخلص من قيود الجهل وأسره، ويحلّق في سماء العظمة ليصبح إنساناً لديه "رسالة الإنسانية واللاعنف".