الإمام الرضا (ع) والتصدي للغلاة
الشيخ عبدالله اليوسف
2017-11-05 04:30
تصدى الإمام الرضا (عليه السلام) لكل الفرق والتيارات المنحرفة التي تأسست أو وجدت في زمانه، ومن أبرزها حركة الغلو والغلاة، وقام بالرد على جميع ألوان وأقسام الانحراف العقدي والفكري لها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة اخرى.
وله ردود عديدة على الغلاة والمجسمة والمجبرة والمفوضة، كما أن له ردوداً علمية على الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.
كما دعا الإمام الرضا (عليه السلام) إلى مقاطعة المنحرفين عقائدياً كالغلاة والمجبرة والمفوضة مقاطعة شاملة وكلية لمنع تأثيرهم السلبي في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى آبائه الأطهار (عليه السلام) تارة وإليه ابتداءً تارة أخرى.
فقد أكد الإمام الرضا (عليه السلام) على مقاطعة الغلاة والمفوضة فقال: «الغلاة كفار والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم، أو شاربهم، أو واصلهم، أو زوجهم، أو تزوج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة، أو صدق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولايتنا أهل البيت»[1].
فالغلاة كفار لأنهم يغالون في أولياء الله تعالى إلى درجة الألوهية، ولذلك فقد حذر الإمام الرضا (عليه السلام) منهم، وأمر بمقاطعتهم اجتماعيًّا ورفضهم نفسياً لمنع أي تأثير سلبي لهم على عقائد المسلمين وفكرهم.
ونظراً إلى خطورة فكر الغلاة وفساد معتقداتهم بمختلف أصنافهم، فقد أمر الإمام الرضا (عليه السلام) بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقال (عليه السلام): «لعن الله الغلاة إلا كانوا يهوداً، إلا كانوا مجوساً، إلا كانوا نصارى، إلا كانوا قدرية، إلا كانوا مرجئة، إلا كانوا حرورية. ثم قال (عليه السلام): لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم، برئ الله منهم»[2].
وبالرغم من كل المعاناة النفسية التي عاناها الإمام الرضا (عليه السلام) مع الغلاة إلا أنه واجه انحرافاتهم، وتبرأ منهم، وأوضح للشيعة وغيرهم أنهم منحرفون عقائدياً وفكرياً، وأنهم لا يمثلون مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
ومن هذا وذاك نجد أن الإمام الرضا (عليه السلام)، يتحدث عن أهداف الغلو والغلاة ونسبتها إلى أهل البيت؛ فقال: «إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام:
أحدها: الغلو.
وثانيها: التقصير في أمرنا.
وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.
فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإن سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم، ثلبونا بأسمائنا، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[3] »[4].
وقال (عليه السلام): «إنما وضع الأخبار عنا، في التشبيه والجبر الغلاة، صغروا عظمة الله تعالى، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا»[5].
وقال الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون لما قال له: بلغني أن قوماً يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم الحد؟!
فقال (عليه السلام): «حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً، قبل أن يتخذني نبياً، قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ﴾[6]، وقال علي (عليه السلام) : يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي: محب مفرط، ومبغض مفرط. وإنا لنبرأ إلى الله عز وجل ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم (عليه السلام) من النصارى، قال الله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي﴾[7]، وقال عز وجل: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾[8]، وقال عز وجل: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾[9] ومعناه أنهما كانا يتغوطان، فمن ادعى للأنبياء ربوبية، أو ادعى للأئمة ربوبية، أو نبوة، أو لغير الأئمة إمامة فنحن براء منه، في الدنيا والآخرة»[10].
وهكذا، تصدى الإمام الرضا (عليه السلام) للغلاة وأفكارهم المنحرفة بكل قوة وحزم، محذراً من الانسياق وراء أفكارهم، ومبيِّناً للأمة خطأ منهجهم، وآمراً بمقاطعتهم حتى يمنع أي تأثير سلبي لهم على المسلمين.