سقوط الموصل ودرس الاعتراف المفقود

مسلم عباس

2020-06-14 08:29

ست سنوات مرت على اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمحافظة الموصل والمحافظات الغربية، قتل وسبي وتهجير وتدمير للإنسان والعمران وتغيير لمعالم الخريطة العراقية، ست سنوات مرت بما حملته من جرائم وخوف ورعب لم يشهده العراقيون حتى في سنوات العنف الطائفي، ست سنوات مرت مثل إعصار مرعب يرفض التلاشي كما هي عادة الأعاصير، بل أراد تثبيت جذور التدمير في ارض العراق، اما نحن فعشنا ست سنوات مثل تلميذ يكرر الجلوس بنفس الصف وهو يرفض استيعاب الدروس اليومية.

ست سنوات تمثل مرحلة دراسية كاملة يستطيع الطالب فيها اجتياز الدراسة الابتدائية، لكننا كشعب خرج من حرب داعش ما زلنا في الصف الأول ولم يستوعب العبرة، لم نتعلم الكتابة بعد، ما زلنا نطلب من الاخرين لينقطوا لنا الحروف على الورق، وكل ما نفعله هو توصيل النقاط المرسومة سلفا مع بعضها، بل قد نفشل حتى في هذه المهمة السالبة للسيادة الوطنية، وعقولنا تعودت على انتظار من يخطط وينقط لها، نتصور اننا شعب لا يستطيع الاعتماد على نفسه، ولا يستطيع ان يحكم نفسه بدون مساعدة خارجية، وما معارضتنا ودفاعنا الا دفاعا عمن يقودنا من الخارج، لم نختلف على برنامج وطني خالص، بل اختلفنا على من نعتمد، هل نعتمد على الدول الغربية الكبرى، ام نعتمد على دول الجوار، كلنا متفقون على عدم كفاءتنا.

ولان التكرار في اطلاق الصفة يحولها الى حقيقة حتى وان كانت غير موجودة، فقد باتت صفة عدم الكفاءة ملاصقة لنا، لم نعد نملك شجاعة الاعتراف، فالحكومة افتقدت الى التعامل السليم مع الواقع الذي رسمه المخطط الخارجي، لم تعترف للشعب ان هناك من ينقط لها حروف القيادة، ولم تعترف حكوماتنا المتعاقبة على انها لا تستطيع سوى توصيل النقاط مع بعضها، وان كانت تصرخ بوجود تدخل خارجي فان صرختها نابعة من ضعفها في التوفيق بين الفاعلين الدوليين، وما الصرخات التي اطلقتها الا عبارة عن الصدى الذي يصدر منها بعد خضوعها المطلق للخارج، وخضوعها لطرف خارجي على حساب الاخر.

وفي الخطوة التالية لم تعترف حكوماتنا المتعاقبة على ان الوضع شديد الخطورة، فهي رغم خضوعها المطلق تتحدث عن السيادة، وتتحدث سرعة استعادة المناطق المغتصبة من داعش، قالت الحرب لا تستغرق سوى أسابيع، والاسابيع تحولت الى اشهر، والاشهر ولدت اربع سنوات من الحرب، وملحق حربي ما يزال مستمرا في نشرات الاخبار التي تعلن يوميا صد تعرض هنا، وعملية تطهير هناك.

ليست الحكومة وحدها المتهمة بجريمة ضياع الموصل والمحافظات الغربية، فالتيارات السياسية هناك تخضع للقرار الخارجي، وسياستها موجهة عن بعد، تقوم بتظاهرات واعتصامات، ثم يهرب القادة الى دول الجوار بعد ان افسحوا المجال لتنظيم داعش الإرهابي، ووصفوا اجتياح التنظيم بانه ثورة ضد الجيش الصفوي، وصعود أبو بكر البغدادي تحقيق لحلم العدالة المفقودة، أطلقوا شعار "قادمون يا بغداد"، ونشروا الرعب في العاصمة المتعبة من الحروب، ينتفض الشباب العراقي لصد "ثوار العشائر" او داعش المتخفي تحت لباس الثورة.

المنظر المرعب لرايات داعش يمكن مشاهدته من بغداد، واصوات المدافع لا تتوقف ليلا ونهارا، انها ساعة الامتحان الأصعب، الترقب والقلق صفة للرأي العام العراقي في ذلك الوقت، لكننا وبعد ست سنوات من الامتحان الأصعب فقدنا ذاكرتنا، لم نصلح الأخطاء الكارثية ولم نعترف بعد بالأطراف المتهمة بالخراب وهي:

المتهم الأول: الجماعات المتطرفة ومن انتمى لها بحجة غياب العدالة الحكومية، وشيوخ العشائر الذين لم يتورعوا في تبرير جريمة اشتراكهم في الثورة الداعشية، وكل من انتمى او تعاطف مع داعش في بداية الازمة وحتى الان.

المتهم الثاني: الحكومة التي فشلت في توقع المستقبل ولم تتعامل بطريقة محترفة مع الاحداث منذ انطلاق التظاهرات في المناطق الغربية، واقتراب داعش من الحدود السورية، وعمليات اقتحام السجون، كل تلك الاحداث لم تدفع الحكومة لإعلان النفير العام، او مصارحة الرأي العام بحقيقة ما يجري فاغلب تصريحاتها كانت تطمينية وان ما يجري مسيطر عليه ولا يدعو للقلق.

المتهم الثالث: الدول العربية ووسائل اعلامها التي شوهت صورة الجيش العراقي، وشيطنته لدرجة انها كانت تبرر عميات القتل التي يتعرض لها الجيش، ووصفته بأبشع الاوصاف، كما ان هناك وسائل اعلام عراقية كانت وما زالت تسير بنفس الاتجاه المعادي.

المتهم الرابع: الدول الغربية التي جلبت الجماعات المسلحة الى سوريا للحرب ضد الحكومة السورية هناك، وانعكاس ذلك سلبيا على الأوضاع الداخلية للعراق، وما نتج عنه من سهولة انتقال داعش من سوريا الى المناطق الغربية في العراق.

هؤلاء ابرز المتهمين الذين شاركوا في اغتصاب الموصل، وضياع شباب العراق واراضيه وثروته المالية، وجهوده الحربية وتشريد مئات الالاف من الأبرياء في المناطق الغربية وتدمير بيوتهم، الا اننا ورغم كل ما حدث ما زلنا نراوح مكاننا فالداعشية السياسية ما تزال موجودة ومن كان يروج لداعش علنا وعبر وسائل الاعلام صار حليفا سياسيا لبعض الكتل السياسية التي قاتلت ضد داعش، ووسائل الاعلام الغربية والعربية تمارس تدخلا بشعا في شؤون القوات المسلحة العراقية، عبر التركيز على صنوف معينة من هذه القوات وتشويه سمعتها، اما التدخل الخارجي فقد ازداد بشكل لا يمكن تصوره، وكل الأسباب التي جلبت داعش ما تزال موجودة، وفرص عودة الخراب اكبر من ذي قبل، ولان الواقع لا يرحم فمن لم يفهم الدرس الأول قد لا يستفيد من الدرس الثاني، لان الفوضى هي قرينة من لا يعترف ولا يريد الوصول الى الحقائق بقدر ما يريد ترقيع الخلل بأفعال لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم