أوروبا تقيد نفسها بالسعي وراء هدف التحول إلى الكهرباء
بروجيكت سنديكيت
2025-12-13 03:50
بقلم: آنا بالاسيو
مدريد ــ على مدار أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تشكلت سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع المناخ من خلال مُـعتَـقَـد بسيط: كلما أسرعنا في إحلال بدائل نظيفة محل الوقود الأحفوري، كلما تحسنت فرصنا في تثبيت استقرار مناخ الكوكب. لا يزال هذا المنطق سليما. لكن طريقة ترجمته إلى سياسة تظل قاصرة عن تحقيق النتيجة المرغوبة، حيث تعمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي على بناء أطر تنظيمية حول حل تكنولوجي واحد ــ الكهربة ــ على حساب التنوع، والإبداع، والمرونة. وبسبب ما تسميه أنو برادفورد من كلية الحقوق في جامعة كولومبيا "تأثير بروكسل"، تنتهي الحال بهذا إلى تشكيل استراتيجيات إزالة الكربون في مختلف أنحاء العالم.
إن الكهربة جزء أساسي من أي استراتيجية لإزالة الكربون. فمع استحواذ مصادر الطاقة المتجددة على حصة متزايدة الحجم من مزيج الطاقة العالمي، ستؤدي كهربة المنازل، وشبكات النقل، ومحال العمل إلى تخفيضات كبيرة في الانبعاثات. وسوف يساعد الانخفاض الحاد في تكاليف البطاريات ــ التي تشكل أهمية بالغة لجعل السيارات الكهربائية في متناول الجميع ــ في تعزيز هذه العملية.
وعلى هذا فإن برامج مثل مبادرة السيارات الصغيرة الميسورة التكلفة وحزمة البطاريات المعززة، التي أطلقتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطابها الأخير عن حالة الاتحاد، تستحق أن نرحب بها. لكن الاعتقاد بأن حلا تكنولوجيا واحدا من الممكن أن يحقق إزالة الكربون يتجاهل مجموعة من الاعتبارات الاقتصادية، والصناعية، والجيوسياسية المهمة.
تركز المناقشة الدائرة حول الكهربة غالبا على النقل، الذي ينتج أكثر من ربع الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري في الاتحاد الأوروبي. ولكن يجب أن تسعى السياسة المناخية إلى خفض الانبعاثات عبر سلسلة القيمة بالكامل، بدءا من الفولاذ الأخضر والمواد المنخفضة الكربون إلى إنتاج البطاريات. هذا النهج العريض القاعدة ــ الذي ينعكس على نحو متزايد في الاستراتيجيات الصناعية في مختلف أنحاء العالم ــ يوائم بين الطموح المناخي وحتمية المرونة في الأمد البعيد.
ولكن حتى عندما يتعلق الأمر بالنقل، فإن النهج الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي حاليا لا يرقى إلى مستوى الطموح. يوجد حاليا أكثر من 1.3 مليار مركبة على الطرق في مختلف أنحاء العالم ــ 249 مليون مركبة في الاتحاد الأوروبي وحده ــ وليس من المتوقع حدوث انخفاض كبير في العقد المقبل. تركز السياسة المناخية الأوروبية عادة على إحلال المركبات الكهربائية محل السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل، ولكن حتى في ظل توقعات متفائلة، لن يُستَبدَل الأسطول الأوروبي، ناهيك عن الأسطول العالمي، بالسرعة الكافية بحيث يتسنى للتحول إلى الكهرباء وحده تحقيق تخفيضات ملموسة في الانبعاثات. إن إزالة الكربون من الأسطول الحالي تستلزم حلولا مختلفة، مثل التوسع في استخدام الوقود المتجدد والاصطناعي.
كما أن توقع الاستبدال الواسع الانتشار بالمركبات الكهربائية لا يأخذ في الحسبان البنية الأساسية الداعمة التي يتطلبها الأمر. في أوروبا، تتوسع بنية الشحن الأساسية، ولكن على نحو غير متساو. وفي كثير من البلدان والمناطق الأخرى، تظل هذه البنية الأساسية بعيدة المنال، لأن أنظمة الطاقة لا تزال هشة والوصول إلى الكهرباء محدود. ومن غير الممكن أن نتوقع من اقتصادات لا تزال تعمل على توفير كهرباء يمكن التعويل عليها وبأسعار معقولة للمنازل، والمدارس، ومحال العمل أن تنجح في تنفيذ أنظمة نقل كهربائية بالكامل في أي وقت قريب. على هذه الخلفية، حتى عندما تُستبدل المركبات، لابد من توفير خيارات مثل السيارات الهجين المتقدمة ومحركات الاحتراق العالية الكفاءة.
ينطوي سعي الاتحاد الأوروبي الأحادي نحو التحول إلى السيارات الكهربائية على مشكلة أساسية أخرى. فالأطر التنظيمية التي تشدد على أي نهج واحد تخاطر بتقييد المنافسة والإبداع في مجالات أخرى، بما في ذلك تلك التي لم نتخيلها بعد. الإبداع ينشأ من التنوع، وليس من التوحيد، ومن غير الممكن أن تحدث اختراقات غير متوقعة إلا إذا أفسح صُنّاع السياسات المجال لها.
ينطبق الأمر ذاته على التقدم في التقنيات الحالية. الواقع أن الانخفاض الحاد الطارئ على أسعار طاقة الرياح والطاقة الشمسية ــ التي كانت باهظة في السابق، ولكنها الآن أرخص مصادر الكهرباء ــ لا يعكس إعانات الدعم المبكرة فحسب، بل أيضا المنافسة العالمية، وخاصة من جانب الصين. في الواقع، قادت الصين التقدم السريع في عدد كبير من الصناعات الخضراء، بما في ذلك البطاريات، والألواح الشمسية، والمحركات الكهربائية، ومعالجة المعادن، الأمر الذي أثر على استراتيجيات إزالة الكربون في مختلف أنحاء العالم.
ولكن في حين يؤكد هذا المثال على أهمية الانفتاح، فإنه يسلط الضوء أيضا على نقاط الضعف الجيوسياسية التي من الممكن أن يخلقها النهج الضيق في التعامل مع مسألة إزالة الكربون. تشكل سلاسل التوريد الخضراء التي تهيمن عليها الصين الآن ــ بفضل استراتيجية صناعية متماسكة وشاملة وطويلة الأجل ــ أهمية بالغة للتحول إلى الكهرباء. وآخر ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي الآن هو أن تعتمد استراتيجيته الكاملة لإزالة الكربون على بلد آخر، خاصة بلد له تاريخ في الاستفادة من هيمنته لتحقيق غايات جيوسياسية، مثل فرض ضوابط على تصدير العناصر الأرضية النادرة. يجب أن تعمل سياسة المناخ على الحد من المخاطر الاستراتيجية، لا أن تخلق مخاطر جديدة.
والظروف الجيوسياسية ليست سوى جزء من القصة. فمن الممكن أن تعمل مجموعة من العوامل الاقتصادية ــ مثل ارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والتعقيدات التنظيمية، وانعدام اليقين في سلاسل التوريد، والمنافسة الشديدة من جانب الشركات الأجنبية المدعومة ــ على مضاعفة الضغوط المفروضة على صناعات أو شركات مُصَنِّعة بعينها. نحن نعلم أن التنويع ضروري لتعزيز المرونة الاقتصادية؛ وينطبق الأمر ذاته على استراتيجيات إزالة الكربون.
يتمثل اعتبار أخير في هذا الصدد في حقيقة مفادها أن وضع كل البيض في سلة تكنولوجية واحدة أمر محفوف بالمخاطر من منظور مالي. إن اتباع نهج أقل صرامة ويسمح لقوى السوق بتقديم إبداعات غير متوقعة، يوفر أفضل أمل للتقدم في وقت حيث تخضع الموارد العامة لضغوط شديدة.
ينبغي للسياسة المناخية القوية أن تعكس مبدأ الحياد التكنولوجي: يجب أن يحدد صناع السياسات أهدافا ثابتة، على أن يتركوا المسارات مرنة. من المؤكد أن الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050 هدف غير قابل للتفاوض، ولكن من قبيل الغطرسة أن نفترض أننا نعرف بالفعل المسار الوحيد القابل للتطبيق للوصول إلى هناك. قبل ربع قرن من الزمن، لم يكن بوسع أحد أن يتنبأ بالتطورات التي حدثت اليوم في مجال الوقود الحيوي المتقدم والوقود الاصطناعي. يتعين على الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي أن تدرك هذه الحقيقة وأن تضع قواعد تسمح للتكنولوجيات المختلفة، القديمة والجديدة، بالتنافس على الأداء.
علاوة على ذلك، يجب أن تراعي سياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي الحقائق الجيوسياسية. ففي عصر التنافس الاستراتيجي، وإعانات الدعم الصناعية، وتجزئة سلاسل التوريد، لا يمكن الدفاع عن استراتيجية إزالة الكربون التي تزيد من التبعية وتضعِف القاعدة الصناعية في أوروبا. وإذا كان الاتحاد الأوروبي راغبا في تحقيق أهدافه المناخية، دون التضحية بأمنه أو قدرته التنافسية، فعليه أن يتجنب الحتمية التنظيمية لصالح المرونة والبرجماتية. فالاختيار هنا بين الطموح المناخي الناجح واستراتيجية المناخ الحالية التي قد تفشل بكل سهولة.