السياسات المشحونة في إدارة إفصاح الشركات

بروجيكت سنديكيت

2025-11-08 06:12

بقلم: راغورام ج. راجان

شيكاغو ــ في تعليق نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز مؤخرا، قال رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بول أتكينز: "ينبغي لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ألا تطلب من الشركات تقديم المعلومات إلا بما يتفق مع معيار موضوعي يتمثل في الحكم حول ما إذا كان المستثمر العاقل ليعتبرها مهمة لقرار استثماري. ذلك أن القواعد المكتوبة للمساهمين الذين يسعون إلى إحداث تغيير اجتماعي أو لديهم دوافع لا علاقة لها بتعظيم العائد المالي على استثماراتهم تفشل في هذا الاختبار ــ وتخذل المستثمرين".

في ظاهر الأمر، يبدو تصريح أتكينز غير استثنائي. ولكنه يترك سؤالا رئيسيا مفتوحا: ما هي الأمور التي تشكل أهمية جوهرية للأداء المالي في أي شركة؟ يقترح أتكينز أن الإفصاح لا ينبغي أن يكون مدفوعا بـ "بدع سياسية أو أهداف مشوهة"، مستشهدا بتوجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن تقارير الاستدامة المقدمة من الشركات، والتي تعمل على توسيع وتوحيد تقارير استدامة الشركات لتحسين الشفافية وقابلية المقارنة بين المعلومات البيئية والاجتماعية وأداء الحوكمة (ESG). وهو يزعم أن مثل هذه الإفصاحات "قد تكون ذات أهمية اجتماعية ولكنها ليست جوهرية من الناحية المالية في عموم الأمر".

لكن هذا يبدو أشبه بالتفكير الحالِم. إذا كان المنظمون الأوروبيون يعتقدون أن البيئة مهمة ويتصرفون بناء على هذا الاعتقاد، فإن ذلك يؤثر بشكل جوهري على التكاليف التي تتحملها الشركات المتعددة الجنسيات لممارسة الأعمال التجارية في أوروبا. في الشهر الماضي فقط، وجدت محكمة في باريس أن شركة TotalEnergies انخرطت في "ممارسات تجارية مضللة" من خلال الادعاء بأنها "فاعل رئيسي في تحول الطاقة". واستشهدت المحكمة بتشريعات الاتحاد الأوروبي التي تشترط أن تكون الادعاءات الخضراء مدعومة "بالتزامات وأهداف موضوعية، ومتاحة للجمهور، ويمكن التحقق منها"، ووجدت المحكمة أن تصريحات الشركة بشأن المناخ لا تتسق مع استثماراتها الموسعة في مجال الهيدروكربونات. ورغم أن الغرامات التي تكبدتها الشركة صغيرة، فإن مثل هذه الغرامات من المرجح أن تكون أكبر في المستقبل ــ وبالتالي ستكون ذات أهمية جوهرية في نظر المستثمرين.

من الواضح أن الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة اليوم لا تولي أهمية كبيرة للاستراتيجيات الخضراء التي تتبناها الشركات أو الحاجة إلى الإفصاح عنها. ولكن إذا كانت الهيئات التنظيمية في أماكن أخرى أكثر اهتماما، فإن مثل هذه الاستراتيجيات تظل تمثل أهمية جوهرية من منظور الشركات التي تمارس أعمالها عبر الحدود. ونظرا للانقسام العميق في الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مزايا السياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإن الشركة التي تتجنب التدابير المرتبطة بالسياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في زمن الإدارة الحالية قد تجد نفسها معاقة في زمن إدارة قادمة في المستقبل. ألا ينبغي للمستثمرين الذين يقدرون الأرباح في الأمد البعيد أن يكونوا قادرين على إصدار الأحكام من جانبهم حول هذه القضايا؟ بصرف النظر عما إذا كانت السياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة مجرد بدعة سياسية (أو ما إذا كانت معارضتها كذلك)، فإن الإفصاح عن الممارسات المتعلقة بالسياسات البيئية والاجتماعية والحوكمة قد يشكل أهمية جوهرية للأرباح.

والهيئات التنظيمية ليست الجهات الوحيدة التي قد تهتم. في حالة شركة TotalEnergies، كان مصدر القلق التضليل الذي يُـمارَس على العملاء من خلال تصريحات الشركات حول ممارساتها البيئية. في عالم يزداد سخونة، من المعقول أن نتوقع أن تتأثر قرارات الشراء من جانب بعض الأشخاص بممارسات الشركات من الناحية البيئية.

علاوة على ذلك، تشير الأبحاث إلى أن الشركات البرازيلية التي تتبنى ممارسات بيئية أفضل (عندما تكون مُـعتَـمَـدة من قبل الهيئات التنظيمية) تجتذب مزيدا من العمال المهرة وتحقق أداء أفضل في نهاية المطاف. وعلى هذا فإن الحديث حول ما إذا كانت الممارسات البيئية تحظى بجاذبية سياسية عالمية في غير محله. فإذا كانت تجتذب نوعا مفضلا من العمال وتعزز أرباح الشركات، فسوف يكون المساهمون في الشركات راغبين في الاطلاع عليها.

لكن أتكينز يثير تخوفا ربما يكون وجيها بشأن الجمهور الذي تستهدفه إفصاحات الشركات. فهو يعارض القواعد "المكتوبة للمساهمين الذين يسعون إلى إحداث تغيير اجتماعي أو لديهم دوافع لا ترتبط بتعظيم العائد المالي على استثماراتهم". ولكن، مرة أخرى، ماذا لو كان بعض المساهمين على استعداد للتضحية بالعائدات في مقابل ممارسات مفيدة اجتماعيا؟ هل يجب أن تكون تفضيلاتهم موضع تجاهل؟

كانت الحجة لصالح التركيز على العوائد المالية فقط تتمثل دوما في أن الشركات، من خلال القيام بذلك، تعمل على تمكين مستثمري الأقلية من إنفاق حصتهم المعززة من الثروة على أي قضية اجتماعية أو سياسية يفضلونها. ولا تحتاج الشركات إلى تلبية نزواتهم لتمكينهم. بيد أن أوليفر هارت، من جامعة هارفارد ولويجي زينجاليس من جامعة شيكاغو يسوقان حجة مقنعة مفادها أن المساهمين ربما يفضلون أن تتعامل الشركة مباشرة مع مخاوفهم. تقترح حجة تعظيم القيمة لصالح المساهمين أن الشركات يجب أن تستمر في تلويث البيئة لزيادة أرباحها وأسعار أسهمها إلى أقصى حد، لأن مساهميها الواعين بيئيا يمكنهم بعد ذلك استخدام بعض ثرواتهم المعززة لتمويل عمليات التنظيف. لكن المشكلة في هذا الرأي يجب أن تكون واضحة: إذ تميل المعالجة البيئية إلى أن تكون أعظم تكلفة بأشواط من منع التلوث في المقام الأول، وعلى هذا فسوف يكون المساهمون والمجتمع أفضل حالا إذا ضحت الشركة ببعض الأرباح لاتباع ممارسات أنظف.

بعبارة أخرى، لا يجوز للجنة الأوراق المالية والبورصة أن تتجاهل ببساطة المستثمرين الذين تحركهم دوافع اجتماعية باعتبارهم مصدر إزعاج، لأن هذه الفئة قد تشكل الأغلبية في بعض الشركات، وقد لا تتحقق مصالحهم إذا اهتمت الشركة ببساطة بتعظيم الأرباح. في عالم يُـغرِق المستثمرين بالمعلومات، لابد وأن تكون لجنة الأوراق المالية والبورصات محقة عندما تتساءل حول ما هو جوهري وما هو غير جوهري. تُعد عمليات الإفصاح الإلزامية التي تفرضها هيئة الأوراق المالية والبورصات ذات قيمة بقدر ما تكون المعلومات أكثر جدارة بالثقة من أي شيء يُـفصَح عنه طواعية. ولأن الإفصاح يفرض عبئا على الشركات، فيجب أن يكون فرضه بحكمة وترو. 

ولكن يجب أن تدرك لجنة الأوراق المالية والبورصات أن مجموعة واسعة من المصالح تنظر إلى مثل هذه الإفصاحات، وأن التأثيرات المترتبة عليها جوهرية. ورفض هذه المخاوف باعتبارها سياسية يعني الانخراط في التسييس. من الأفضل لنا أن ندرك أن الأمر ينطوي على عدد كبير من القنوات التي قد يؤثر الإفصاح من خلالها على المستثمرين والمجتمع، ثم نعكف على إجراء المقايضات اللازمة في تفويضات لجنة الأوراق المالية والبورصات.

* راغورام ج. راجان، محافظ سابق لبنك الاحتياطي الهندي وكبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، وهو أستاذ المالية في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو والمؤلف المشارك (مع روهيت لامبا) لكتاب "كسر القالب": طريق الهند غير المطروق نحو الازدهار

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

نظرة جديدة في مظلومية الزهراء (ع) وكيفية مواجهتها للاستبداد الدينيأزمة البنية التمثيلية في العراقالسيدة فاطمة الزهراء (ع): مظهر العظمة ومنتهى الكمالالهوية في شِراك الأيديولوجياهل الشعب يكره الديمقراطية ويرفضها؟