دونالد ترامب حالة إستثنائية أم ظاهرة جديدة في الغرب

د. محمد مسلم الحسيني

2016-03-08 07:56

يستغرب الكثيرون من بروز وتقدم المرشح الجمهوري لإنتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب على منافسيه المرشحين الجمهوريين في السباق الإنتخابي التمهيدي الجاري والذي أثبتته نتائج إنتخابات " الثلاثاء الكبير"، رغم تصريحاته وشعاراته المثيرة للجدل سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو غيره.

فقد نادى ترامب ومن خلال خطاباته الإنتخابية غريبة الطبع وأمام الملأ بغلق حدود أمريكا أمام المسلمين الوافدين وذلك حفاظا على أمن الأمريكيين وسلامتهم،. كما نادى بإنشاء جدار عازل مع المكسيك لمنع السراق من التسلل" على حد قوله" على أن تدفع المكسيك ثمن تكاليف هذا الجدار!. خلقت هذه التصريحات وغيرها الكثير ردود أفعال مضادة إتسمت بالسخرية والإستنكار والغرابة من قبل شعوب وقادة المعمورة وأهمها تصريح بابا الفاتكان فرانسيس الذي قال" أن من يفكر ببناء جدار عازل بين البلدان بدل مد الجسور ليس بمسيحي". لم تتوقف أقوال ترامب عنصرية الطابع على الأجانب فحسب بل شملت الأمريكيين أنفسهم حينما لوّح بأن السود من الأمريكيين هم اشرس من البيض ونسبة الجريمة والإعتداء كبيرة عندهم! كما أنه يتفق مع إستخدام التعذيب الجسدي للمتهمين إن اقتضت الضرورة!

رغم تطرف الخطاب الإنتخابي عنده فهو مستمر بحصد أصوات الأمريكيين في الإنتخابات الجارية اليوم وهذا ما يدعو الى فرصة تمحص ومراجعة في كنه العلّة وحيثياتها. فالسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: ما سر نجاح هذا السياسي الساخر الساحر ولماذا تنتخبه شريحة كبيرة من الأمريكيين رغم كل ما قاله وتبناه...؟

الجواب على هذا السؤال قد يتجلى بمعرفة الأمور والحقائق التالية:

أولا: أن الذي يحصل في أمريكا اليوم هو ليس حالة جديدة أو إستثنائية تحصل في سجل الإنتخابات في دول الغرب إنما هو مشهد تماثله مشاهد حصلت قبله إبان الإنتخابات البلدية والتشريعية في العديد من دول أوربا خلال السنين الأخيرة. ففي فرنسا، على سبيل المثال وليس الحصر، حصل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبين على المركز الأول في الإنتخابات البلدية التي أجريت نهاية عام 2015م بينما لم تكن نظريات وشعارات هذا الحزب اليميني أقل عنصرية وخطورة من طروحات ترامب! كما فازت أحزاب يمينية متطرفة في دول أوربية غربية أخرى بنسبة أصوات كبيرة قد تصل الى 30 في المائة من أصوات الناخبين حيث كان لها حصة الأسد بين باقي الأحزاب الكلاسيكية. ففي بلجيكا فاز حزب " التحالف الفلاماني" وهو حزب يميني عنصري بقيادة بارت دويفير بأكبر نسبة للأصوات إبان الإنتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في حزيران عام 2014م.

بنفس الوتيرة حاز الحزب النمساوي اليميني الشعبي على نسبة 20 بالمائة من أصوات الناخبين. وهكذا فسلسلة الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا، التي فازت بنسب أصوات متصاعدة، كثيرة كالحزب اليميني الشعبي وكذلك التقدمي الدانماركي وحزب الشعب والحرية اليميني الهولندي والحزب القومي اليميني والبديل الألماني واليمين القومي البريطاني وغيرها الكثير. حتى في أوربا الشرقية برزت أحزاب متطرفة كحزب " أتاكا" البلغاري وحزب " جوبيك" المجري وغيرها. كل هذا يشير قطعا على أن حالة ترامب ليست إستثنائية أو وحيدة في الغرب إنما هي ظاهرة جديدة في دور التطور والنمو وان سمّاها البعض بـ "ظاهرة ترامب" إلاّ أنها موجودة سلفا!

ثانيا: هذه الظاهرة ربما تكون ردة فعل منحرفة لفعل منحرف تجلت أبعاده بالعمليات الإرهابية المتكررة التي أرتكبها إرهابيو القاعدة وداعش بإسم الإسلام مما خلق حالة من الخوف والإشمئزاز من الإسلام والمسلمين بشكل عام سميّت بحالة "الإسلام فوبيا" أي التخوف من الإسلام والمسلمين. هذه الكراهية أو حالة التخوف من المسلمين تتصاعد وتيرتها مع الزمن وبتكرار الأعمال الإرهابية في دول أوربا والتي كان آخرها المجزرة التي حصلت في فرنسا وراح ضحيتها 130 مواطن فرنسي. لقد لعبت الحرية الزائدة في دول أوربا الغربية والإسترخاء المستمر دورا في نشاطات الجهاديين والمتطرفين الإسلاميين، وهذا الترهل أدى الى تنامي البؤر الإرهابية في بعض الجاليات الإسلامية في الغرب كما بيّنته الأحداث الأخيرة في بلجيكا حيث تم إكتشاف العشرات من أعضاء تنظيم داعش في منطقة " مولينبيك" الواقعة في مركز بروكسل!

ثالثا: تشكو دول الغرب بشكل عام من ضعف ووهن في منظومتها المالية والإقتصادية خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية التي حصلت عام 2008م أي بعد إن أفلس البنك الأمريكي العملاق " ليمان بروذور" وتحول الى ثقب أسود كبير إبتلع الكثير من أموال الغرب والعالم، حتى وصلت الحالة المالية والإقتصادية لبعض الحكومات الأوربية الى حد الإفلاس لولا تدارك الدول الغنية في دول الإتحاد الأوربي الموقف وقدمت جرعات منشطة وإسعافات أولية كي تبقى الدول المتهاوية على قيد الحياة! أزمات المال والإقتصاد نسمع عنها كل يوم في اليونان وفي أسبانيا وفي البرتغال وإيرلندا وإيطاليا بل حتى في الدول الأوربية الغنية مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا! هذا الوضع المالي والإقتصادي المختنق وغير المستقر والذي تشحنه النسب المتزايدة من العاطلين عن العمل جعل بعض الأوربيين أو الغربيين بشكل عام يمتعضون من الأجانب حيث يعتقدون بأنهم ينافسونهم على لقمة العيش في بلدانهم وفي ظروف إقتصادية صعبة.

رابعا: أعداد المهاجرين وعلى وجه الخصوص المسلمين منهم الى أوربا في تزايد وتصاعد مستمر، خصوصا بعد حروب أمريكا في أفغانستان والعراق وبعد نشوء "الربيع العربي" والحروب الأهلية الملحقة به. ففي الآونة الأخيرة إستقبلت ألمانيا وحدها ما يقارب المليون لاجئ! هذا التزايد بأعداد المهاجرين يقابله تزايد ديمغرافي إسلامي محلي حيث أن معدلات الولادة عند المقيمين المسلمين الأجانب تفوق كثيرا معدلات الولادة في العائلات الأوربية نفسها وهذا ما يعني أن الأوربيين يتناقصون والمسلمين يتكاثرون مع مرور الزمن! النمو السكاني الإسلامي المتزايد في أوربا أحدث حالة خوف وقلق من ظاهرة " أسلمة أوربا" التي خلقت ردود أفعال وهواجس عند البعض تمخض عنها بروز أحزاب متطرفة تنادي بإجراء ضوابط حاسمة توقف حيثيات هذه الحقيقة وتبعاتها. تبلورت هذه المخاوف وظهرت من خلال صناديق الإقتراع التي بيّنت صعودا مضطردا في أسهم الأحزاب اليمينية والمتطرفة عرقيّا.

خامسا: بعدما زالت الحدود بين دول أوربا الشرقية وأوربا الغربية طبقا لاتفاقية " شينغن" المعروفة أصبحت حركة الأفراد وإنتقالهم من مكان الى آخر ومن بلد لآخر عملية سهلة وبدون قيود. هذا الأمر أدى الى إزدياد معدلات الجريمة الحاصلة في دول أوربا الغربية وأهمها جرائم السرقة وأخواتها مما خلق حالة من عدم الإستقرار وعدم الأمان لدى المواطن الغربي جعله ينظر الى الأجانب نظرة ترقب وشك، وقد زاد الطين بلّة التصرفات غير السويّة لبعض المراهقين والشباب من المهاجرين التي تمثلت بالإعتداءات والتحرشات الجنسيّة في بعض البلدان المضيّفة.

سادسا: يلعب الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي هذا اليوم دورا هاما في كشف تفاصيل الحقائق والإحداث بل ربما يقوم بتضخيمها في بعض الأحيان مما يؤدي الى تحفيز مستمر وتحسس متواصل لدى المواطن الغربي الذي كثر ما يسمع بسلبيات الأجانب ومخاطر وجودهم. فراح إثر ذلك الكثيرون يتطلعون الى سياسات جديدة تتعامل مع طبيعة الواقع ومجريات الأحداث ويلغون تأييدهم للأحزاب الكلاسيكية التقليدية المعروفة لديهم. هذا يفسر تأثر البعض بالشعارات الملتهبة التي يرفعها السياسيون المتطرفون والتي تغازل أحساسيس الشارع وتستهويه.

رغم كل هذه الأسباب فظاهرة ترامب، إن صح القول، ومهما بلغت قوتها حاليا لن تكون قادرة على حسم الموقف النهائي لصالحها لأنها لم تكسب ود الأغلبية بعد، فغالبية الغربيين لا يرون، وعلى الأقل في الوقت الحاضر، بأنه من المناسب أن يتسنم المتطرفون واليمينيون مقاليد الحكم في بلدانهم، حيث أن تبعات وتداعيات ذلك قد تكون وخيمة وقد تؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها...... وهكذا ومهما صعد نجم ترامب في الإنتخابات التمهيدية الجارية فليس من المتوقع أن يربح السباق النهائي ويصبح رئيسا لأمريكا بعد!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

التوحيد أساس انطلاقة الإسلامانتخابات إقليم كردستان العراق.. تحديات سياسية وقانونيةالأزمة الإسرائيلية – الإيرانية: فرصة للعودة عن حافة الهاويةمجلس النواب: من يحاسبه من يراقب؟!زيارة المصالح الاستراتيجية المشتركة