الفوضى صناعة عراقية بامتياز

علي حسين عبيد

2024-04-17 03:32

تعدَّدت الأسباب والموت واحد، هكذا أوجز أحد الشعراء ما يمر به العراق في المرحلة الحالية، صحيح هنالك صراعات وحروب ومجاعات عصفت بالعراقيين منذ عقود بل وقرون، ولكن مع ما يتوفر لدى العراق من ثروات وأموال في الوقت الحالي، يمكن أن يجعله في طليعة الدول المتقدمة المستقرة.

ولكن هنالك غياب للاستقرار، وهنالك فوضى عارمة في التقدم، والمشكلة أن هذه الفوضى لم تستثن مجالا من مجالات الحياة، بل شملت الكل، فأينما تولّي وجهك تصادفك الفوضى وتفرض نفسها عليك، كأننا صنعنا الفوضى بأيدينا، حتى أصبحت هذه الفوضى صناعة عراقية بامتياز.

قبل عقود بعيدة قال بول فاليري جملته الشهيرة: (خطران يتهدّدان العالم الفوضى والنظام)، صحيح أن النظام عندما يصبح متحجرا قاسيا ظالما يغدو خطرا على الناس ويقض مضجعهم، ويدمر حياتهم، لكن الصحيح أيضا عندما نقضي على النظام في حياتنا العملية واليومية، ونستبدله بالفوضى والانفلات التام، وهو ما يحصل اليوم في الشوارع والمدن والدوائر والمدارس والحواضن العراقية المختلفة.

هناك فوضى في كل شيء، وفقدان تام للنظام، مع عجز (رسمي) و أهلي شبه تام للقضاء أو الحد من الفوضى التي قلبت حياتنا رأسا على عقب، في الشوارع وسير السيارات فوضى عارمة، في الأرصفة والمارة هناك فوضى عارمة، في دوائر الدولة تمرد وفوضى منقطعة النظير، وكل هذه المشاهد جعلت من حياة الناس عبارة عن مأساة مصغّرة يعيشها كل فرد بشكل يومي.

مأساة الحوادث المرورية 

الحوادث المرورية التي نراها يوميا، ونسمع بها، أو نقرأ عنها، كأنها ساحة حرب تحصد أرواح العراقيين بشكل يومي منتظم، فحين نطالع نشرات الأخبار، أو ندخل في غابة السوشيال ميديا، أو نجلس في مقهى للعاطلين عن العمل، الجميع يتحدثون عن هذه الحادثة المرورية أو تلك. 

وآخرها الحادثة التي جريت اليوم الثلاثاء 2/ 4/ 2024 في البصرة منطقة الهارثة، فقد سقط ستة طلاب صغار في أتون الموت، وأكثر من عشر طلاب مصابين دهستهم شاحنة كبيرة تجرّ خلفها برّاد، وقد دُهِس الطلاب أثناء خروجهم من المدرسة بعد انتهاء الدوام.

هذه الفوضى المرورية تتكرر في جميع المدن العراقية وبشكل يومي، وكأنها جزء من المشهد الفوضوي الذي يجتاح كل مجالات الحياة العراقية، فالحقيقة التي لا يمكن أن نخفيها، هناك حرائق مستمرة تحصن أرواح الناس والأسباب عجيبة غريبة، (تماس كهربائي، مخالفة شروط السلامة في تشييد المخازن، تكديس البضائع بشكل غير، سليم)، وهكذا نحن أمام مشهد آخر للموت غير الحوادث المرورية، سببه الفوضى أيضا.

من الحوادث المتفرقة الأخرى، في كل يوم نسمع بسقوط العامل الفلاني في فوهة المجاري وموته مع فشل مستمر في حالات الانقاذ، أو الحد من هذه الحوادث، وكذلك هناك أنواع أخرى من الموت غير الحوادث المرورية أو الحرائق، وهي معروفة ومرئية من الجميع وأقصد بها المعارك والنزاعات القاتلة بين الناس لأتفه الأسباب.

المعالجات ليست صعبة

هذا المشهد الفوضوي من يقف وراءه، ولماذا لا توضع الحلول التي توقف هذا النزيف المستمر لرواح العراقيين؟، هل الإنسان رخيص إلى هذا الحد، وهل باتت حياة الناس رخيصة إلى هذا الحد؟، لماذا لم تتخذ الجهات المعنية السبل اللازمة لمعالجة هذه الفوضى وهي معروفة المصادر والأسباب.

المعالجات ليس صعبة، فمديرية المرور في بغداد ومديريات المرور في المحافظات لم تقم بمسؤولياتها كما يجب، والطرق التي تستخدمها السيارات ليس على ما يُرام، فهي تغص بالمطبات (والطسات) والحفر العميقة المفاجئة، وهذه أسباب مباشرة للحوادث المرورية، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها على سبيل المثال، كثرة السائقين الصغار في العمر، ومعظمهم بلا إجازات سوق، ومعظمهم يقودون سيارات حديثة وسريعة مما يجعلهم سببا مباشرا لحوادث مرورية قاتلة ومتكررة.

نريد أن نقول هنا، إن الحروب أخذت من أرواح العراقيين الكثير، وأن المفخخات والإرهاب حصد الكثير من الأرواح في العراق، لهذا كفى موتا وكفى فوضى، لابد أن تنتهي هذه المهزلة، لابد من اتخاذ التدابير التي توقف هذه الفوضى الضاربة في أعماق المجتمع العراقي.

الحقيقة لا توجد جهة بمفردها يمكن أن تعالج وباء الموت الذي يعصف بأرواح العراقيين، بل المسؤولية جماعية، والمعالجات يجب أن تخضع للتخطيط الدقيق ولا تكون المعالجة فوضوية أيضا، لأن استمرار كثرة الحوادث المرورية وسواها يؤكد أن المعالجات لا تزال فوضوية أيضا وغير مدروسة.

وإلا من غير المعقول تُزهق أرواح الطلاب الصغار بهذه البساطة، شاحنة كبيرة تسير بسرعة تصدم سيارة أخرة وتنحرف خارج الشارع إلى الرصيف وتدهس عشرات الطلاب الخارجين من مدرستهم للتو وبدلا من أن يصلوا بيوتهم بأمان ويستريحوا من تعب التدريس، يودّعون الحياة إلى رحاب السماء بسبب خطأ بشري لسائق فوضوي جاهل وبمشاركة الجهات المسؤولة عن تنظيم المرور، أخيرا لابد من وضع نهاية تامة لمهزلة الفوضى المرورية وغيرها.

ذات صلة

أزمة البرود الجنسي: أسبابها وحلولهاالخطاب السياسي الإسلامي في العراق.. اضاءات في طريق التجديددفاع عن المثقفكيف أصبحت جامعة كولومبيا بؤرة للاحتجاجات في الجامعات العالمية؟الدولة من الريع الاستهلاكي الى الاستثمار الانتاجي