مرتزقة أردوغان وصناعة الموت بليبيا

مصطفى قطبي

2020-07-09 08:02

لم تعد المعلومات المتواترة عن وجود مرتزقة أجانب في ليبيا يقاتلون إلى جانب المجموعات المسلحة الإرهابية بحاجة إلى الكثير من البراهين أو الإثباتات، بعد أن تكفلت وسائل الإعلام الليبية بتوثيق وعرض الكثير من الأدلة والوقائع التي تثبت هذه المعطيات، ورغم محاولات التعتيم المستمرة والممنهجة على عمليات تسلل المرتزقة الأجانب إلى ليبيا للمشاركة بارتكاب المجازر والفظائع ضد الليبيين "حسب اعترافات المنظمات الدولية ذات الصلة" فقد أكدت بعض الوسائل الإعلامية الغربية ما عكفت على تأكيده ليبيا وروسيا ومصر... طوال الوقت حول وجود قدر كبير من التدخل الأجنبي في ليبيا.

عندما باتت جحافل المرتزقة -وأغلبها تتبع تنظيم الإخوان المسلمين- فوق الدولة والشعب، ليبيا تحولت إلى أحجية الأحاجي في كل شيء ولاسيما في العلاقة بين سلطة السراج وهذه المجموعات المسلحة، في ليبيا فقط السلطة التابعة لتركيا، تتحالف علناً مع المرتزقة. فقد تحوّلت أموال الشعب الليبي ومقدراته إلى لقمة سائغة بيد النظام التركي، الذي يسعى إلى استنزاف ثروة الليبيين مقابل تواصل الدعم العسكري لميليشيات حكومة الوفاق، فقد كشفت تقارير أن حكومة الوفاق، التي يرأسها فايز السراج، ويدعمها نظام أردوغان، تسخّر أموال الشعب الليبي وعائدات النفط لدفع رواتب مرتزقة وعناصر المجموعات الإرهابية، التي تأتمر بأمر أردوغان. ولفتت إلى أن عدد تلك المجموعات يزيد عن 300 مجموعة وميليشيا، وتتوزّع ما بين مجموعات إخوانية وتكفيرية إلى مرتزقة.

وحتى لا يتهمنا أحد بالمبالغة، فقد فضح تقرير "أفريكا إنتلجنس"، فوزي بوكتف القيادي الإخواني الليبي المدرج على قوائم الإرهاب، والمقرب من شبكات الإخوان المسلمين في حكومة فايز السراج، هذا الأخير أبرم اتفاقا أمنيا مع شركة "سادات" التركية للاستشارات الدفاعية الدولية، حصلت بمقتضاها على عقود تدريب المرتزقة والميليشيات المسلحة في ليبيا. ولشركة "سادات" التركية سمعة سيئة في ليبيا، بسبب نشاطاتها المشبوهة وتحركاتها المريبة، حيث كشف العميد خالد المحجوب، مدير ''إدارة التوجيه المعنوي'' في ''القيادة العامة'' للجيش الوطني الليبي، أن المعلومات المتوفرة تفيد أن هذه الشركة موجودة في ليبيا وتقود النشاط المخابراتي التركي بالبلاد وهي تتبع لتنظيم الإخوان.

وأضاف أن هذه الشركة ''تستثمر بشكل كبير في الحرب الليبية، حيث تتولى عمليات جلب المرتزقة السوريين والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا وتسليحهم بعد تدريبهم عسكرياً، ومرافقة الميليشيات المسلّحة التابعة لقوات الوفاق، كما تلعب دور الوسيط لإتمام صفقات بيع وشراء السلاح والمعدات العسكرية بين الشركات المختصة في تركيا وحكومة الوفاق مقابل الحصول على نسبة من الأرباح''، مشيراً إلى ''أنّها تتولى كذلك تنظيم وإبرام عقود جلب المرتزقة وتحصل على عمولة على كل مرتزق، مشيرا إلى أن كل هذه الأموال مدفوعة من خزينة الدولة الليبية''.

وكشفت عدة تقارير أن المجموعات الإرهابية ومرتزقة أردوغان، تمتهن تهريب الوقود والاتجار بالبشر وتحتكر تأمين بعض المؤسسات المدنية والحيوية وتعتبرها مصدر استرزاق لها، ويتواجد أغلبها بالعاصمة طرابلس ومدن مصراتة والزنتان والزاوية وصبراتة، وكثير منها يتبع وزارتي الداخلية والدفاع بحكومة الوفاق وتحصل على رواتب من الدولة. ويعيش الليبيون، خاصة في مناطق سيطرة الميليشيات، أوضاعاً صعبة بسبب التدهور الاقتصادي إضافة إلى تراجع الخدمات ناهيك عن التدهور الأمني مع سيطرة المجموعات المتشددة ونشرها للرعب بين السكان. وتتراجع خدمات أساسية في الغرب الليبي على غرار توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشراب والفشل في تخفيض أسعار المواد الأساسية وترميم البنية التحتية، بينما تعمل حكومة السراج على دعم الاقتصاد التركي الغارق في أزماته، وذلك عبر تسديد أقساط ديون بمليارات الدولارات. وفي كانون الثاني سارعت حكومة الوفاق في طرابلس لنجدة الليرة التركية المتهاوية من خلال ضخ أربعة مليارات دولار في خزينة المصرف المركزي التركي، في الوقت الذي يعاني فيه الليبيون من شح في السيولة، الذي تراجع خلال الشهور الماضية.

وفي هذا الصدد، أكد المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، أن تحرك الجيش الليبي من العاصمة طرابلس كان صحيحاً، بعدما قامت تركيا بإحضار أكثر من 15 ألفاً من المرتزقة إلى العاصمة. وأضاف في تصريحاته الأربعاء 24/06/2020 لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، إنه في حال اختراق ميليشيات الوفاق وتركيا لسرت سنطلب تدخل القوات المسلحة المصرية لمساندة الجيش الليبي، وحينها سيكون التدخل المصري لحماية حقوق مصر، موضحا أنه في حال قيام المليشيات بتجاوز الخط الأحمر سيكون التدخل المصري في ليبيا شرعيا وبناء على تفويض من الشعب الليبي، وذلك لأن مصر تحمي الأمن القومي الليبي وفي ذات الوقت تحمي أمنها القومي من خلال تأمين حدودها الغربية ومنع تقدم الميليشيات لتسيطر على مناطق تمثل تهديدا لأمن مصر.

وشدد رئيس مجلس النواب الليبي على أن المليشيات الإرهابية والمسلحة والمرتزقة تريد القتال ونهب ثروات الليبيين والسيطرة على المنشآت النفطية التي هي حق لكل الليبيين في الشرق والغرب والجنوب، مؤكدا أن تلك الميليشيات والجماعات المسلحة في العاصمة لا بد من حلها طوعا أو كرها وتسليم المسؤولية للمؤسسات الأمنية، وخصوصا بعد المجازر التي وقعت منها في ترهونة ومصراتة وغرب ليبيا.

ولتأكيد المؤكد، يقول حمد المالكي، عضو مجلس الإدارة السابق بالهيئة العامة للشهداء والمفقودين في ليبيا: ''ميليشيات ومرتزقة الوفاق في ليبيا، تضم متطرفين ليبيين ودواعش ومرتزقة سوريين ويقودهم قيادات من جماعة الإخوان والقاعدة وعناصر كانت معتقلة سابقة في معسكر غوانتانامو، كما يديرهم بشكل فعلي ونقلهم والإشراف على تحركاتهم قيادات إرهابية على رأسها عبد الحكيم بلحاج الذي كان قبل ثورة 17 فبراير من العام 2011، شخصا عاديا وبسيطا، وأصبح الآن من الأثرياء يمتلك ثروة مالية طائلة، وشركة طيران خاصة تسمى "الأجنحة" تتولى نقل المرتزقة الأجانب والسوريين إلى ليبيا لحساب تركيا والوفاق. ويضيف عضو لجنة الشهداء والمفقودين: ''إنه بعد التدخل التركي في ليبيا ودعم حكومة "الوفاق"، مدت تركيا حكومة السراج بمرتزقة سوريين، من بينهم عناصر إرهابية اشتهرت في سوريا بجرائمها الشنيعة التي ارتكبتها في حق الشعب السوري، ولعل آخر هذه القيادات التي ظهرت في طرابلس، الإرهابي غليص أبو عدي الشهير بقاطع الرؤوس، ولديه صور عدة وهو يحمل رؤوسا لجنود ومدنيين سوريين تم قطعها بعد قتلهم والتنكيل بهم''.

وبينما تتدحرج الرؤوس، ويسيل الدم، ويُهدَم العمران، ويجوع الناس، وتنتشر الأوبئة... بسبب الصراعات الدامية، والحرب بالوكالة، تلك التي تتم في ليبيا... بينما يقتل الناس ويشردون، وتلغى الدولة أو تكاد... تستمر تركيا، ويستمر القتلة الرسميون وغير الرسميين، وأدواتهم وأعوانهم، ومرتزقتهم يستمرون في الفتك، وقبض أجور سفك الدم، ونشر الإرهاب والرعب، وتدمير المجتمع والعلاقات والقيم... وتبقى السياسات والمَقامات في الأعالي، هناك في صروحها وعروشها وفضاءاتها، فوق المساءلة والقانون، فوق الشعب والدولة... تعبث بالناس والحياة والقانون، تزوبع الشرائع، وتفسد الضمائر، وتنهب الناس.

فبالله... أي وطن تريده حكومة السراج! والمرتزقة والميليشيات يدمرون الشعب وما بنى، والأرض وما حملت من إرث وعمران وإنسان وحيوان؟! وهل ليبيا إلا الشعب، الذي يعطي لأرض الله، أية بقعة من أرض الله، هويتها وحدودا يرسمها ويدمغها بدمغته، فيحمل اسمها وتحمل اسمه، ويحميها بدمه، ويبنيها بجهده وعرقه، وتصبح الدنيا بالنسبة له؟!

إن استباحة المرتزقة والميليشيات والجماعات الأخوانية التابعة لحكومة السراج والتي تأتمر بأوامر أردوغان، استباحتها لكل شيء، وتشمل فيما تشمل "الإنسان والعمران والدين والأخلاق والقيم"، في سبيل حماية ذوات، ومكاسب، ومكانة، وتوجهات، ومذاهب، وتيارات، ونظريات، ومصالح... وكل يحاول، من خلال ذلك، إرضاء لذاته، ونزواته، وتابعيه، ومن يواليهم ويوالونه"... إن من يقوم بذلك أو بأجزاء من ذلك، أمرٌ كافٍ لجعل من يقوم به، أو بشيء منه، ويتخذه نهجًا يسميه: "سياسة، ووطنية، وقيمًا"، وهي تبيح أفعالًا وممارسات وسياسات، وتستبيح أرواحا وحياة وممتلكات... هي بحد ذاتها كافية لتجريد صاحبه من الوطنية والقيم والأخلاق والدين والحقوق، ومن كل الذرائع التي يقتل الناس باسمها وتحت رايتها، وينتهك كل مقدس باسمها وتحت رايتها، ويتاجر باسمها ويربح تحت رايتها".

وتلك أفعال، وسياسات، ومناهج عمل وتفكير وتدبير، لا تبني وطنًا ولا إنسانًا، ولا تعزز المكانة الوطنية لفئة أو شخص، ولا ترسخ قيم المواطنة، ولا غير ذلك من القيم، لأنها لا تتصل بالمفهوم العميق للقيم، وهي لا تنفع الناس، ولا تنصفهم، ولا تحررهم، ولا تحرر بهم، ولا تبنيهم البناء الحسن ولا تبني بهم ليبيا، ولا تحقق بهم نهضة من أي نوع. ومن يفعل ذلك في ليبيا اليوم، ''باسمها ومن أجلها؟!'' لا ينقذ ليبيا والليبيين، إنما يفتك بها وبهم... إنه يهدم البلد، ويغرق الشعب في طور جديد من أطوار الحرب/المحنة/الفتنة، والاقتتال المجنون، والمعاناة الطويلة ذات العقابيل المديدة؟!

ويجر على البلد والشعب، فوق ذلك كله، الاستهداف الخارجي لقوى معادية، وهو ما يخطط له أعداء الشعب والوطن الليبيَّين، بذرائع وبإثارة الشبهات والنعرات القبلية بأنواعها، والفوضى بأشكالها... مما يعزز الإرهاب، ويفاقم فقدان الثقة بين فئات الشعب، ويرسخ الجهل والجاهلية والتخلف، ويثير المزيد من المخاوف والمخاطر، ويلحق بالبلاد والعباد المزيد من البؤس والشقاء والمعاناة، والتهلكة والضعف، والارتماء بأحضان الآخرين، ذلك الارتماء الذي سيكون ثمنه باهظًا، والتخلص منه أكثر من منهك ومكلف... ولن يقتصر الخلاص منه ومن آثاره مقتصرا على المال والثروة الوطنية، بل يضاف إلى ذلك الدم، وما يتعلق بالكرامة الوطنية، والسيادة، والسعادة التي يحلم بها الشعب، ويركض وراء بعض بعضها فلا يلحق بالرغيف، الذي يشكل الحصول عليه نافذة على الحياة، وليس بوابة للسعادة.

ويبقى سؤال، لا بد من رفع الصوت به، ليسمعه كل من يقاتل ليبيا ويقاتل داخل ليبيا ويقاتل باسم ليبيا ويقتل باسم ليبيا، غدا عندما يكتب تاريخ السنوات العجاف التي مرت على ليبيا والمنطقة، وعن المشاهد البشعة التي ملأت الشاشات سنكون أمام تاريخين: الحقيقة والكذبة. الأولى سيكتبها من عاشها بتفاصيلها وكل مراراتها، والثانية ستكون من كتابة المزور كما هي حال العديد من التراث التاريخي الذي نقرأه، والتي ستقول عن الإرهاب الأخواني بأنه ''ثورة'' كما هي الصفات المستعملة اليوم.

خلاصة الكلام: للمرتزقة والميليشيات الأردوغانية السراجية والأخوانية... دورهم اليوم، وهؤلاء خلقوا من أجل مهمات، لأن المهم عندهم هو المال والبندقية التي مرة إلى الكتف الأيمن وأخرى على الأيسر... هؤلاء لا يملكون سوى معنى اللحظة ولديهم القدرة على تغيير جلودهم ساعة يشاؤون أو تشاء الأموال التي تدفع لهم. وليس صحيحا أنهم مؤمنون بالهدف الذي من أجله، هم في ليبيا غير هواية القتل. فلا يُضار في ليبيا عمليًّا، من الفتنة والحرب والاستعداء والتسلط والفوضى والظلم والخيانة والعماء... إلا الشعب، ولا يُدمَّر إلا الوطن، والروح الوطنية السمحة التي كانت تبني الوطن...

* باحث وكاتب صحفي من المغرب

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم