وباء كورونا وازمة الثقة

مسلم عباس

2020-06-10 07:40

لم يهدأ الشعب العراقي رغم الحظر الصحي ومنع الخروج من المنزل، فالاتهامات الموجهة للحكومة هي ذاتها، تتمحور حول التشكيك بالارقام المعلنة عن حجم الاصابات بوباء كورونا، واخرى بالتشكيك بقدرة السلطات على اتخاذ اجراءات صحية سليمة لمواجهة ضغط الفيروس ومنعه بغية فتح الاسواق والسماح للناس بممارسة اعمالهم.

الحكومة من جانبها لم تدخر اتهاماتها واطلق عدد من النواب والمسؤولين اتهامات صريحة او مبطنة تضع مسؤولية انتشار الفيروس على المواطن لكونه لم يلتزم باجراءات الحظر الصحي، او على الاقل اتخاذ اجراءات السلامة في حال خروجه من المنزل، مثل ارتداء الكمامة والقفازات، فمختصر الوضع الوبائي في العراق حالة من التشكيك، وعدم التوافق بين الحكومة والشعب، وكلاهما يلقي مسؤولية الفشل ضد الاخر، وكان المعركة اليوم بين الشعب والحكومة وليست التعاون بينهما ومكافحة الفيروس الذي اجتاح العالم.

ما قبل كورونا؟

في الوقائع الميدانية نكتشف ان الحكومة هي المقصرة، فهي التي خلقت ازمة الثقة، اي انها ومن خلال تفعيل نظام الاستثناءات للمسؤولين والجهات المتنفذة جعلت القانون لا يفرض الا على المواطن البسيط، والاجراءات الحكومية لا تستهدف سوى المواطن البسيط بينما الجهات اي شخص متنفذ يكون خارج حدود القانون، ولا تهمه الاجراءات الصحية الصارمة، هذه المعاملة التفضيلية خلقت ازمة ثقة بين الحكومة والشعب.

اجراءات صارمة مثل الحظر الصحي تتطلب وجود بنية تحتية قادرة على استيعاب حجم الازمة، لكن في بعض الاحياء الشعبية لا يوجد الحد الادنى من البنية التحتية اللازمة، خذ على سبيل المثال مساحة المنازل المخصصة للسكن، اذ تراجعت معايير السكن وباتت الاسرة التي تتكون من اربعة افراد تسكن في منزل مساحته 50 مترا فقط، لنتصور قدرة الاسرة على الالتزام بالحظر الصحي، هل من الممكن اجبار اسرة كاملة في هكذا منزل؟ هذا صعب جدا، لان حياتهم تتحول الى ما يشبه العيش في زنزانة.

الحكومة تتحمل مسؤولية انتشار العشوائيات والاحياء الشعبية التي يتم بناؤها في الاراضي الزراعية ثم تتحول الى امر واقع، بينما الجهات الحكومية منشغلة بتقاسم المناصب في العاصمة بغداد، فكم حذر الخبراء والكتاب والصحافيون ووسائل الاعلام من خطورة عدم الاهتمام بالمناطق الشعبية، لتاتي جائحة كورونا وتكشف المستور، وتؤكد ان الحكومة التي تتخلى عن شعبها في زمن الرفاه لا يمكنها السيطرة عليه خلال الازمات.

اما فيما يتعلق بالرواتب الحكومية والخاصة، فالحكومة كانت غائبة وخططتها في توسيع القطاع العام قتلت القطاع الخاص وجعلت من الصعب على المواطن الاعتماد عليه، فمن يعمل بالقطاع الخاص غريب في بلده، لا يسمح له بالحصول على قرض حكومي، ممنوع من كل الامتيازات التي يتمتع بها الموظف، وبعد الازمة انكشف حجم العوق الذي اصاب القطاع الخاص، فاغلب المواطنين لم يستطيعوا اعالة اسرهم لاسبوع واحد، لان الاعمال الخاصة لا تدر دخلا كبيرا كما انه دخل متذبذب ولا يسد رمق العيش، انهارت عوال بكاملها واستسلمت للامر الواقع، وباتت امام خيارين اما الموت بالفيروس او الاستجداء والاعتمام على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الخيرية.

خلال الازمة

ازمة كورونا معقدة وليست اجراءات لمنع التجوال، انها تحتاج الى جهود جبارة واجراءات صحية بالتزامن مع حزم حوافز اقتصادية ومعالجات مالية انية، بينما اقصى ما فعلته الحكومة العراقية هو الاجراءات الشكلية التي تختصر بالفحص للمشتبه بهم والملامسين وهذه خطة غير عملية لانك بحاجة الى اجراء مسح شامل مثلما قامت كوريا الجنوبية التي استخدمت اسلوب المسح الميداني لجميع المواطنين، وكانت هناك فرص كبيرة امام الحكومة في بداية الازمة عندما كانت الاصابات قليلة ولا تتعدى عشرات الاصابات، كان من الممكن اجراء فحوصات شاملة على مناطق كاملة، لا سيما وان الالتزام بحظر التجوال كان كبيرا جدا لدرجة ان الشوارع كانت خالية.

اما الاجراءات الاقتصادية فهي معدومة والناس انهارت اوضاعها، وتحولت البيوت نتيجة حظر التجوال الى ما يشبه سجون الارهابيين، فالمواطن ممنوع من الخروج ممنوع من الحصول على الاعانات المادية ممنوع من ممارسة اعامله وتوفير دخل لاسرته فاجراءات الحظر اتخذت بالطريقة الامنية المشابهة لقطوعات الشوارع ايام الزيارة الاربعينية.

ورغم الاخطاء الحكومية وعدم ثقة المواطنين باجراءاتها الا انهم التزموا بنسبة عالية ولم يحدث خرق كبير للحظر الا في الايام الاخيرة نتيجة فشل الحكومة بتوفير معالجات سليمة، ولا ننسى ان خرق الحظر في المناطق الشعبية تتحمله الحكومة والقضية لها جذور عميقة بعملية تقسيم قطع الاراضي الى اجزاء اصغر حتى وصلت مساحة البيت الى 70 مترا او اقل.

الحكومة عندما تدعوا المواطنين الى الالتزام بالحظر الصحي فعليها ايجاد معالجات حقيقية والا سوف تنهار ثقة المواطنين بها، كما شاهدنا خلال السنوات الماضية، وشاهدنا هذه الايام خلال ازمة وباء كورونا اذ ان مستوى الثقة بالحكومة متدنٍ جدا، واذا ما ارادت الحكومة مواجهة وباء كورونا فعليها ان تعزز ثقة المواطنين بها عبر الاجراءات الصحية والاقتصادية الشاملة والعادلة.

ذات صلة

الشيرازي الملهممنهج التدبُّر في القرآن.. أولا معنى الكلمةالفوضى صناعة عراقية بامتيازإعادة رسم الردع المتكافئ بين إسرائيل وإيرانالسوداني في واشنطن: مصالح موحدة وغايات متعددة